ماجد ع محمد
يا ترى أثمة مشاريع مخبأة لا يعلم بها الناس حتى بناءً على استحقاقاتها اللاحقة يخرج إلينا كل فترة للإعلام مسؤول تركي فويلوح بحكاية التغيير الديمغرافي، حيث آخرها كان نائب رئيس الوزراء التركي نعمان كورتلموش الذي تحدث بقلقٍ أقرب إلى قلق بان كي مون عن مخاوف التغيير الديمغرافي في الرقة؟ أم بناءً على غباء بعض (المكتوبجيين) من كُتاب التقارير جاء تصريحُه؟ أم أن هنالك قصور ما في الرؤية السياسية لدى السياسي المذكور حيال محافظة الرقة كيف هي وممن تتألف؟ ما جعل المسؤول المذكور يتخوف ويُحذر من التغيير الديموغرافي بالرقة، فكيف ستتغير الرقة ديمغرافياً إذن إذا كان معظم سكانها عرب سنة؟ وممَن تشعر بالقلق تركيا؟ فهل ثمة كائنات فضائية ستحل محل الرقاويين؟ باعتبار أن الكرد المخوَف منهم تركياً صاروا بفضل دوام الحرب والسياسة الاستبدادية للاتحاد الديمقراطي أقلية حتى بمناطقهم، أم أن تصاريح السياسيين أشبه بأصوات بائعي الخضروات في الأحياء الشعبية في سوريا الذين يتصايحون فقط من باب المنافسة وخداع الزبون (السوري) لا أكثر؟
عموماً فمن خلال قراءة تصريحات بعض المسؤولين الأتراك نلحظ عداءً مبطناً لكل ما هو كردي ولكن يتم تفعيل ذلك المبطن وممارسته عملياً من خلال الذريعة الجاهزة لديهم أي حزب الاتحاد الديمقراطي، كحالة كل من يكره الاسلام ويود أن يقضي على الإسلام من أساسه ولكنه لا يعلن عن تلك الكراهية إلا من خلال استحضار اسم وصورة وأفعال المتطرفين الاسلاميين، لذا يسعى بعض المُعادين للاسلام من أساسه محاربة الاسلام من خلال الدعوة لمحاربة تنظيم داعش، فتنظيم داعش ومن هم على شاكلته من خلال وجودهم الإشكالي يبقون ذرائع دائمة لكل من يود النيل من الإسلام برمته، ويبدو أن حزب الاتحاد الديمقراطي أيضاً لا يحلو له إلّا أن يكون ذريعة جاهزة لدى الآخرين لضرب الكرد من خلالهم.
إذ أن بعض المسؤولين الأتراك لا يملون إعلامياً ( كل ما دق الكوز بالجرة) بمطالبة أمريكا في المحافظة على وحدة سوريا أو التأكيد على أن الهجوم على الرقة لن يؤدي إلى تغيير ديموغرافي في هذه المدينة التي تعد ذات غالبية سنية عربية، بينما نفس المسؤولين ينسون تغلغل قواتهم في الداخل السوري، وربما يتناسون بأن هنالك أراضٍ سورية تم اقتطاعها يوماً من قبل الدولة التركية (لواء اسكندرون)، هذا فيما يتعلق بقصة الحفاظ على وحدة سوريا.
كما أن تركيا قبل غيرها تدرك بأن الاتحاد الديمقراطي ليس أكثر من فريقٍ استعين به ليساعد قوات التحالف على الأرض في تحرير تلك المحافظة من داعش، وأنه مهما قدم من ضحايا فبالنهاية سيسلم الرقة حسب الاتفاقيات مع الحلفاء وتركيا ضمناً إلى عرب المدينة ،أو الى أزلام الأسد نفسه كما تم ذلك من قبل في منبج التي قدم فيها الحزب الكثير من الضحايا وفي النهاية سلّم المدينة لرجالات الأسد من آل دياب الماشي.
والغريب أن نائب رئيس الوزراء التركي كرر في تصريحاته القول: بأن الرقة مثل حلب في سوريا والموصل في العراق “تنتمي إلى السكان” الذين كانوا يقيمون فيها قبل بدء الحرب، في إشارة إلى العرب السنة الذين يشكلون الغالبية في هذه المدن الثلاث، مع أن تركيا وسياسيوها يعرفون قبل غيرهم بأن حزب الاتحاد الديمقراطي مثله مثل حزب الشعوب الديمقراطية لديهم، فحتى مشروع قومي غير وارد في أجندتهم ونهجهم السياسي، وهو ما يظهر بأن تصريحات بعض المسؤولين الأتراك هي فقط لإحداث المزيد من الشروخِ وتأجيج الصراع بين مكونات سوريا، وتأكيداً على ذلك قال السياسي الكردي فؤاد عليكو إن اتفاقا رسمياً تم توقيعه بين الولايات المتحدة وتركيا حول تفاصيل إدارة مدينة الرقة السورية بعد تحريرها، مؤكدا على أنه لا مكان لحزب الاتحاد الديمقراطي في أية ترتيبات بشأن المدينة بعد تحريرها من تنظيم داعش، سوى تقديم القرابين من الشباب الكورد تحت شعارات واهية كأخوة الشعوب وغيرها، وأنه لمجرد أن يتقهقر تنظيم داعش سيتم تسليم المدينة لأهلها كما نص الاتفاق بين واشنطن وانقرة.
إذن لماذا تركيا تعبرعن مخاوفها ليل نهار عبر وسائل إعلامها؟ طالما هي (عارفة البير وغطاه) ولماذا يصرح مسؤولوها بمناسبة وبدونها عن قصة مختلقة اسمها التغيير الديمغرافي، طالما أن هنالك اتفاق بهذا الشأن بينها وبين أمريكا؟ ألا يفهم من هذا الاسلوب التحريضي على أن كل سوريا لا تهم أولئك المسؤولين بشيء، وما غايتهم من العزف على نغمة التغيير الديمغرافي إلا لضرب الكرد مرتين، مرة من خلال تأليب الشارع العربي ضدهم، بما أن أغلب السوريين باتوا مستلبي الإرادة ومنساقين من قبل تصريحات أصغر مسؤول تركي، وثانياً لتضرب المناطق الكردية كل ما راق لها ذلك بحجة حزب الاتحاد الديمقراطي ووحداته العسكرية، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال قصف المدفعية التركية في اليوميين الماضيين عدة مواقع في قرى سنارة وأنقلة ومروانية وهيكجه التابعة لناحية شيه التي تبعد حوالي 40كم متر عن مركز مدينة عفرين، وقبلها بفترة قصفت مدفعيتها قرى أخرى في عفرين.
إذ بات يُفهم أن وراء كل بروبوغندا إعلامية تركية ضد حزب الاتحاد الديمقراطي ووحداته العسكرية سيعقبه استهداف مباشر للمناطق الكردية من قبل تركيا، إما بالطائرات أو بالقصف المدفعي، أو عبر دفع المتطرفين الاسلاميين الموالين لها للإعتداء على تلك المناطق.
والمثير للاستهجان عقلياً ومنطقياً بخصوص تناقضات من تحدثنا عنهم أعلاه، أن الشك قد يدفع بقارئ الأحداث فيقول: كأن هنالك تناغم خفي ووفاق غير معلن بين القوتين المعاديتين أي حزب الاتحاد الديمقراطي وتركيا، فتركيا كل فترة بحجة ذلك الحزب تستهدف المناطق الكردية بالأسلحة الثقيلة لتدمر ما تدمره وتقتل من تقدر عليهم بحجة محاربة روافد حزب العمال الكردستاني، بينما الرافد المذكور فهو الآخر يبدو عليه وكأنه متكفل بتصفية ما تبقى من الكرد في مناطقهم، وذلك من خلال الافتداء بمن تبقى من الشباب الكردي في معارك دونكيشوتية في منبج والرقة وغيرها من المناطق التي لا تخص الكرد، بل ولا يحصد الكرد جراء مشاركاتهم في تلك المعارك إلا المزيد من التشحين والكراهية والحقد من الطرف العربي، فيعمد الحزب إذن من خلال (التجمير) الإجباري، إرسال من تبقى من الشباب إلى جبهات لا تعنيهم بشيء، غير التخلص من أكبر عدد ممكن من الشباب الكردي في معاركه المجانية، وأكبر مثال على ذلك ففي الشهور الماضية تم تصفية أكثر من ألف كردي من قبل الحزب المذكور في المناطق العربية أو المناطق ذات الغالبية العربية، مثل منبج وقبلها الشدادة، ومن خلال المجريات يظهر بأن الكرد عموماً غير مرغوب بهم وجودياً من قبل كل حاملي الفكر الطوراني بتركيا، لذا فأينما تم التخلص من عددٍ من الكرد فلا بأس بذلك عندهم، كما أن دماء الشباب الكردي لدى الحزب المحسوب على الكرد رخيصة جداً وباتت أرواح الشباب الكردي لدى الحزب مجرد وقودٍ لحروب الآخرين وغاياتهم وأجنداتهم، ومن هنا قد يلحظ المُعاين للمشهد وكأن الطرفين معنيون بضرب الكرد كلٍ على طريقته، ويتناغمون في ذلك ضمنياً ولكن من دون أي اتفاقٍ معلنٍ بينهما!.