الكورد والمعارضة السورية المريضة

جان كورد  
 ما يثير الأسف أن ننتقل نحن “المعارضون!”  لنظامٍ غير ديموقراطي لا يؤمن بحرية الرأي للآخرين من معركتنا الأساسية ضد هذا النظام الذي أراق دماء السوريين أكثر مما أراقه غزاة الشرق والغرب الدمويين عبر التاريخ، إلى معارك جانبية، هنا وهناك، وهذا ما يشوش صورة المعارضة السورية، المفترض فيها أن تكون عصرية، مدنية، ديموقراطية، تعددية، وليس نسخة رديئة عن صورة النظام الذي نعارضه. 
لقد ساهم الكورد بقوة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لهذه البلاد منذ قيام الدولة الميتانية في شمالها، قبل الميلاد بقرون، فالميتانيون هم من أجداد الكورد مثل الميديين، حسب معظم المستشرقين والمؤرخين الروس والأمريكان والأوربيين، وكانت عاصمتهم (واشوكاني) على ضفاف نهر الخابور، ومن عشائرهم التي لا تزال تعيش في سوريا، عشيرة كيتكان.
ولا حاجة للتعمّق في التاريخ فهذا يجب أن يكون معلوماً للسوري الذي يهتم فعلاً بالحقائق والوقائع التاريخية لبلاده، لأن معرفة التاريخ ضرورة لتكوين النظرة الصحيحة عن الموضوع الذي نحن بصدده ونتنازع عليه.
كما ساهم الكورد في الدفاع عن سوريا في وجه التتار والصليبيين، من قبل أن تؤسس كدولة بعد الحرب العالمية الأولى، وشاركوا المكونات الأخرى في مقاومة الفرنسيين وفي بناء الدولة وفي سائر مجالات الحياة من دون أن يطالبوا بأي حقٍ قومي لهم، إلى أن جاء حزب البعث العربي الاشتراكي، العنصري، حاملاً أفكاراً تشربها من النازية الهتلرية والفاشية الإيطالية، ومارس كل السياسات التي استهدفت صهر الشعب الكوردي وإنكار حقه في تقرير مصيره بنفسه وتعريبه بخطة ومنهجية وتعبئة رؤوس السوريين بكل دروس وعقائد العنصريين ضده، فكان رد الفعل الكوردي طبيعياً وحتمياً، إذ ظهرت الحركة القومية الكوردية في خمسينيات القرن الماضي، مطالبةً بحلٍ سلمي وديموقراطي عادل لقضية الشعب الكوردي ضمن إطار الدولة السورية الموحدة ومنحه حقوقه القومية – الثقافية على أساس التآخي والتضامن والسلام الوطني، إلاّ أن العنصريين الذي منهم من تحوّل في العقدين الأخيرين من الزمن، أو قبيل اندلاع الثورة الشعبية المجيدة، ومنهم من ترك صفوف النظام، بعد أن كان تابعاً لسياساته وإجرامه بحق شعبه، وساهموا في مختلف أشكال قمعه  على السوريين، كسياسيين وعسكريين وضباط جيش ورجال مخابرات، فصاروا بين ليلةٍ وضحايا رموزاً للمعارضة ومسؤولين عن الحوار مع نظامهم الذي يعتبرهم “خونة ومنشقين” في حين يجدهم السوريون “متسلقين أقرباذيين” تسوقهم ككرات السَفَن العشبية رياح الدول الإقليمية والدول ذات المصالح العظيمة في الحرب السورية المدمرة. 
السؤال الذي يعنينا الآن هو:
مَن مِن هؤلاء لم يظهر بعد على أقنية التلفزيون وفي مواقع التواصل الاجتماعي وسواها ليجعل من الكورد هدفاً له، فيشتمهم ويهددهم ويصب عليهم جام غضبه وليسميهم ب”الذين يسعون لإقامة إسرائيل ثانية”؟ أليس هؤلاء الزبانية أجراء لإيران وتركيا والعراق المضعضع ونظام الأسد الذي أوصاله بأيدي الروس وملالي قم، ويستعين بحزبٍ لبناني تابع في حين كان المفترض أن يستعين حزب بدولة وليس العكس؟ هل تخلوا عن النظام حقيقة وهم لا يزالون يحملون عقيدته البعثية الإقصائية؟
لقد أنكر أحد فلاسفتهم وجود شعب كوردي في سوريا، وتكلم مجعور منهم بكلامٍ قذر عن فتيات الكورد المحاربات ضد الإرهاب، وهدد عجوز مترهل منهم لا يستطيع القيام من الحمام دون مساعدة بأنه سيقصم ظهر الكورد إن حاولوا تقسيم سوريا التي لا يرى أنها قد تقسمت على أيدي رئيس جمهوريتها، وآخر من ضباط “الجيش العربي السوري” المنشقين أطلق صيحات حربٍ أشبه بولولة محاربي القبائل البدائية لدى تطرقه إلى الموضوع الكوردي… و… و… فمن بقي من هؤلاء؟ نعم، مقاتلو داريا الذين تركوا مدينتهم والتجأوا إلى إدلب يهددون مثل جناة “الحشد الشعبي للمالكي” بأنهم سيحاربون الكورد الذين أعلنوا الانتفاضة على أسدهم في عام 2004 وساهموا في مؤتمرات المعارضة، في واشنطن وبرلين وباريس وبروكسل، من قبل أن يظهر شيء اسمه “المجلس الوطني السوري” أو “إئتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية” بسنواتٍ عديدة… وكمثالٍ بسيط هو أن الكتلة الكوردية في أول مؤتمر بأنطاليا كان بحدود 55-60 ناشطاً… نعم سيهاجمون الكورد مع الحشد الشعبي العراقي والجيش التركي وما يتبقى من فلول المنظمات الإرهابية بعد التخلص من نظام الأسد… وهذا يعكس حقيقة “المعارضة المريضة” نفسياً كما يعتقد الكورد، بل هذا يثبت بلا شك أن صورة المطلب القومي العادل للشعب الكوردي في أذهان الكثيرين من أقطاب ما يسمى بالمعارضة السورية هي صورة “غولدا مائير، مناحيم بيغن، موشى دايان وناثان ياهو…” أي صورة “إسرائيل!”، على الرغم من أن الكورد في غالبيتهم العظمى مسلمين، ويعيشون على أرض وطنهم التاريخي العريق، كما اعترفت بذلك أحزاب سورية وعربية، وأنهم مظلومون وخاضعون لنظامٍ عربي مقيت، وليسوا محتلين أو غاصبين، كما يحاولون إظهارها كذباً ودجلاً…
هناك أمران، إما أن هؤلاء المعارضين الفاشلين، الذين لهم علاقات قديمة ومتينة مع الشريحة الحاكمة بالقوة في دمشق، ويرددون هذه الأسطوانة الكلاسيكية التي يتفقون عليها مع النظام ذاته بصدد الشعب الكوردي، خاضعون لما تفرضه عليهم أجهزة أمن الدول المستبدة بالكورد، فينفذون رغباتها في تشويه صورة شعبنا وتهديده والانتقاص منه ومعاداته، أو أنهم “مرضى نفوس” لا يستطيعون التحرر من أصفاد “العنصرية” التي ولدوا ونشأوا عليها… فكيف لشعبنا أن يتبع هؤلاء ويصدق بأنهم ديموقراطيون؟ فهل ناقشت الحركة السياسية الكوردية فيما بينها وضع هؤلاء الذين يتوالون على منبر الهجوم المؤذي على شعبنا الكوردي؟ وهل يتجرأ زعماؤنا “الديموقراطيون!” على نشر ما ناقشوه في هذا الصدد داخل حلقاتهم السرية والعلنية؟ أم على الشعب الكوردي أن يثق بهم ويغمض عينية ويسد أذنيه ويرمي بنفسه في المستنقع الذي يريدونه من دون اعتراض، ويسمع شتائم العنصريين وإهانتهم وتهديداتهم كل يوم؟ 
إذاً، لماذا الحديث عن الحرية والديموقراطية والرأي الآخر وعن سلطة الشعب وقرار الشارع الكوردي؟ 
‏01‏ تشرين الثاني‏، 2016

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبداللطيف محمدأمين موسى إن جملة المستجدات المتسارعة على صعيد الحرب الإسرائيلية وحزب الله والمليشيات وكالة عن إيران ولاسيما اتفاق وقف اطلاق النار في الجنوب اللبناني يضع المتتبع للتطورات السياسية والاستراتيجية في المنطقة امام جملة من التساؤلات من أهمها مدى السقف الزمني الممنوح لنتنياهو في تغير الشرق الأوسط, وعن الدور الإيراني في التوصل لهذا الاتفاق, وعن مدى توافر الظروف لصمود هذا…

سعيد عابد* في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني ألقى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي خطاباً أمام مجلس الخبراء، مؤكداً على الدور الحاسم الذي تلعبه هذه الهيئة في اختيار “المرشد المقبل”. وأعرب عن شكره لاستعدادهم، وحثهم على اليقظة في أداء هذا الواجب الذي وصفه بأنه ضروري لضمان استمرارية النظام ومنع انحرافه. ويعتبر المجلس، الذي أنشأه مؤسس النظام روح الله الخميني،…

صدرت للكاتب والباحث د. محمود عباس مؤخراً ثلاثة كتب جديدة، وبطباعة فاخرة، ضمن سلسلة مخطوطاته التي تتجاوز الأربعين كتابًا، متناولةً القضايا الكوردية من مختلف جوانبها: النضال السياسي، والمواجهة مع الإرهاب، والتمسك بالهوية الثقافية. تُعدّ هذه الإصدارات شهادة حيّة على مسيرة د. عباس، الذي يكتب منذ أكثر من ربع قرن بشكل شبه يومي، بثلاث لغات: العربية، الكردية، والإنجليزية. إصدارات الدكتور محمود…

اكرم حسين تستند الشعبوية في خطابها على المشاعر والعواطف الجماهيرية، بدلًا من العقلانية والتخطيط، حيث أصبحت ظاهرة منتشرة في الحالة الكردية السورية، وتتجلى في الخطاب السياسي الذي يفضل دغدغة المشاعر الجماهيرية واستخدام شعارات براقة، ووعود كاذبة بتحقيق طموحات غير واقعية، بدلاً من تقديم برامج عملية لحل المشكلات المستعصية التي تعاني منها المناطق الكردية. إن تفاقم الاوضاع الاقتصادية وانتشار الفقروالبطالة، يدفع…