اسمي: عبدالحزب ِ عبد سكرتير«ه»

ابراهيم محمود
فريدٌ هو اسمي، أي غير مسبوق! لقد أردتُ اسماً، أكثر من اسم، أكثر من لقب، فأنا عبد على كل حال، عبدعبدالله المفروض علي، عبد النظام، عبد المذهب، عبد الجماعة، عبد العقيدة، عبد الطائفة، عبد الطريقة، عبد ما لا أعلم، عبد حتى القليل مما أعلم..، فأي قوة تعينني لحمْل أعباء كل هؤلاء؟ أو لم يكن من الأجدى علي أن أوفّر  كما أقلل من ” العبد:ات “، لأكون عبداً يشار إلي بنوع من الاحترام، ولو أنه سطحي، لكنه ” يبلُّ الريق ” كما يقال، وكان ما كان، أن أُعرَف هكذا: عبدالحزب، عبدسكرتير”ه “، وهما واحد إجمالاً، ولكم تمكنتُ من معاينة صورتي في المرآة، لكَم تنفست الصعداء، لكم أبصرت طريقي، على جبيني مُهْر من ذكرت ؟!
طبعاً، ليس كل رفاقي في الحزب متفقين معي على هذا الخيار، ولا ينادونني بهذا الاسم، إنما يجري ضمن نطاق ضيق، ليس لأنهم يعتبِرون هذا الفعل مسيئاً إلى حزبهم/ حزبنا، وإلى سكرتير حزبنا” تاج راسنا ” كذلك، إنما لأنهم يشعرون جرّاء هذا الإقدام بحراجة موقفهم، فإذا كنت عبداً، ماذا سيكونون هم، أي نوع ِعبد، يمكن لأحدهم أن يكونه أو يختاره، وليس هناك من اسم واحد بهذا الشكل، فلم يكن لهم إلا الصمت، وربما الخذلان لبعض غير يسير منهم، والاعتراف بما أصبحت عليه، وقد ازددت قرباً من سيديَّ: الحزب وسكرتيره.
إن غاية المرام هو أن أفوز على مدار الساعة برضى سيدي، أن يعلم مدى تفانيّ في خدمة الحزب الذي يشير إليه، في خدمته وقد احتوى الحزب داخله، عبودية كان هو نفسه في عجب من أمرها، وأنا بصراحتي هذه. لا بأس وهو يعلّق علي أحياناً، وهو يصفع صفعة ود على قذالي” مؤخرة رأسي” وهو يضحك: آه يا لك من خبيث! تأكيداً على أن يده لا تلامس أي كان بسهولة أحياناً أخرى. رضى سيدي رضى الشيخ من مريده وأكثر، وليس أيٌّ كان بقادر على امتلاك نوعية النشوة التي تغمرني إذ يخصّني بعطفه، لا أحد يستطيع التعبير الدقيق عن هذه العلاقة بين أنا عبد سيدي وسيد عبده، أي أنا .
لقد عوَّدني إخلاصي الحزبي، العقائدي، أن أتبع ظل سيدي، أنَّى اتجهَ أتجهُ، ألا أفارقه، وقد ” بصمت ” الطريق إلى قلبه وعقله “، وظِل سيدي ليس ظلَّ شجرة، فهو يمتد ويتجزر حسب نوعية العلاقة، لأكون لسان حاله إن أمر، أنا عبده، وهذا ليس بالأمر السهل والعابر، فأنا صندوق أسراره، وتلك شطارة اتَّبعتها، نافست بها كثيرين أرادوا أن يتقدموني في ذلك، ليكون الحزب بعد ذلك ملعبي وهو مضربي.
علَّمتني خبراتي الحزبية، متى أحلف بشرف الحزب، وتاريخ الحزب، خصوصاً بحضور حامل الحزب ومهندسه، ومتى ألتزم الصمت، فأضمن استمرارية اسمي.
ويمكن أن أشير إلى نقطة رئيسة لمن يهمه أمر ما تفوَّهت به وهو أنه إذا كانت الشخصية حصيلة أسرارها، فإن الأسرار التي تكونت لدي، أو تمكنت من أرشفتها، رفعتْ من شأني كثيراً، وهذا يعني أن ” عبدَيْنيتي “، بمثابة الجمع بين بابي عمارة: الأمامي والخلفي، وأترك لأهل الفضول، المجال مفتوحاً لفك شيفرة هذه الأسرار، وكيف أن تسميتي بالاسم المركَّب كان حصيلة دراسة، ثم طلّقت العقل الذي يوقع بصاحبه جانباً، وبرمجته بقياس سيديَّ المعلومين: الحزب وسكرتيره .
وأحسب أن هناك كثيرين حتى من رفاق الحزب عينه ممن يزدردون لعابهم، إزاء ما تفوَّهت به، ويمكنهم أن ” يمنشرونه : يجعلونه منشاراً “، في شخصيتي، لأنهم لم يفلحوا فيما خططوا له، فكل شيء فُرَص، وهناك فرص تعطى لمرة واحدة فقط .
لعلَّكم تستنكرون موقفي الصريح هذا: من يكونون رفاق حزب وعلى تخومه، ومن يكونون في الجوار، وأقولها للقرّاء الأفاضل، كونه استخفافاً بالذين يزكّيهم الشعب الكردي ليمثلهم حزبهم الكردي الملتزم بقضاياه، لكن بالله عليكم، هل أنتم جادّون فيما تتهجونه، تشيرون إليه؟ أم تراكم عوَّدتم أنفسكم في أن تكون محلوبين بقواكم كاملة؟ مضروبين على نفوسكم ورؤوسكم لألَّا تتذكروا إلا ما هو مقرَّر في عبارة فاقعة راقعة” النظام الداخلي “، لتكونوا متوازنين أمام أهواء السيد الحزبي، مطاطئي الرؤوس، أو تضحكون حيث يضحك، إنما وأنتم تراعون قواعد اللباقة في الضحك الذي يجب ألا يُعلى على ضحكه ضحكٌ، وتسلّمون أنفسكم لبكاء، أين منه بكاء الثكلى، والمفجوعة بطفلها الوحيد، وهي وحيدة، لا أب لها، لا أم، لا أخت، لا أخ، لا عم، لا خال، لا عمة، لا خالة…،  إلى أن يلعلع صوته المتحشرج” ولا أحد يعلم ماذا وراء الحشرجة المقدامة تلك “، وهو يقول: كفى يا ررررفافافاقق، وتستعيدون حالتكم الأولى، كأنما أنتم لستم أنتم، ولا بد أن تكونوا هكذا، فثمة رجل أوحد، وليس أي رجل، هو الذي يطيفكم حوله، ويمرر يديه الناعمتين، وأنتم تطوفون حوله في مناسبة ودون مناسبة، ليستا كأيدينا الخشنة، على رؤوسكم، ويهِبُ كلاً منكم جرعة ابتسامة تخلّض وجه كلٌّ منكم من تجاعيد بؤسه، والمحظوظ هو من ينال قصب السبق في الطواف أكثر من غيره، أوَ تريدونني أن أحرَم من هذه النعمة، نعمة السيّد الذي يلجم رفاقه حرصاً على ألسنتهم؟ أن أطرَد من عدْن سيديّ: الحزب وسكرتيره؟
نعم، لقد وضعتُ عقلي: كل ما يصلني به جانباً، من استقراء ومحاكمة ومساءلة جدّية، بما أنني خبِرْتُ الحياة طويلاً، إذ ليس من قيمة إطلاقاً لعقل يعرّض صاحبه لأنواع الشبهات، وصاحبه لـ” هات وخود” هو وعائلته وربما أهله أحياناً. تُرى ما الذي يجدي العقل إذا كان كل ما هو مرئي ومسموع يحمل دمغة” حذاري “؟ أي قوة يمكن أن تبقي العقل عقلاً، في وسط، والحزب جلي الأثر فيه وهي معرَّضة لحصار الخصم والمعتبَر الصديق إجمالاً؟ ألا يبقى التجرُّد منه مجلبة أمان أكثر؟
ليس هناك ما هو أكثر ثراء من الحالة القطيعية التي نعيشها نحن رفاق الحزب الواحد، ولا بد أن ” القطيعية ” كلمة في غير محلها جهة المعنى، فهي تتضمن نوعاً من التكاتف يضمن وحدة الحزب، وأكره ما أكرهه هو أن أبصر أو أسمع أحياناً بعض الرفاق يستثيرون سيدي، ويسيئون إلى سيدي الحزب نفسه، إذ ما الذي أرجوه من الحياة إلا هدوءاً واستقراراً، ولكم أكره التغير، لهذا أنا سعيد في تبعيتي، لأن أي مسئولية تسمّى يكون سيدي الواجهة. لم أناقشه يوماً، رغم أن هاجساً راودني لأكثر من مرة لأسأله عن وجه خلافه مع من كانوا قبله، فسيّدي هو العاشر ممن يستلمون حزباً، لا أقول منشقاً، بل هو الأصل، كما يؤكد، ولا بد أنه يقول الحقيقة تماماً، وأنا بدوري مررت بأكثر من دزينة أحزام، فلم أجد أفضل مما آل إليه أمري: أن أبجّل في حزب سيدي رمزه، وأفخّم في سيدي وسيد حزبي اسمه، وهو يحفظ الحقوق اللائقة بعبوديتي التي أردتها كاملة وطرب لها هو، وفي عقد أبدي !
أتريدونني إذاً أن أُعمى، وأُصَم، فلا يعود في مستطاعي تطريب العين بمرأى سيدي، وإنعاش طبلة أذني بصوته النهري؟ لا بد أنكم مصابون بداء الغيرة والحسد، وما أوخمه في بنية العلاقات الرفاقية، سوى أنني أوعى من كل قيل ويقال؟
أتريدونني أن أخسر فرصة ذهبية لا تتاح لأي كان؟ حيث كل شيء متروك لسيدي في الحسم، بينما أنا أكون خفيف الروح، كما أنني مُنِحت روح فراشة.
كيف لي أن أتخلى عن الحسنيين فيما عزمت عليه، وشددت عليه ؟
لا يظنن أحد أنني عبد بالفعل، وهناك سيد، أنا عبد بقراره واختياري، لم أكن مضطراً لجعل الحزب سيدي أو سكرتيره سيد سيدي، فهناك علاقة بيننا، كل منا يعرف ما له وما له: أصمت عن أشياء كثيرة، أحياناً أسائل نفسي عن سبب تكتمي، سكوتي، خذلاني، جبني، عن خروقات سكرتير حزبي في كل أعضائه وهم مستسلمون له، أخجل من أن أسمذي الحزب الذي انتميت إليه، لأن أعضائه يسكتون كثيراً على ضيم السيد المقتدر، ويوزعونه نسَبياً فيما بينهم، وهي قمة الديمقراطية المحققة، الأمر الذي يستوقفني، فأبلع لساني ناشفاً، فكل ما يرِدنا باسم سيدنا العقائدي في خانة” أمرك يا سيدي أمرك”.
نعم، نعم، نعم، لكم عبوديتكم، ولي عبودية، ومن منكم يملك الجرأة ليسمّ أي عبد فعلي هنا، ليرى أنني أستأهل التقدير وربما نوطة شجاعة خاصة على ما أنا أصبحت عليه، وأنا رفيق وأبو رفيق ورفيقة، وحين أموت سأدفن بصفتي مناضلاً سخَّر قواه العقلية في مواجهة أعداء الكرد والحزب وسيد الحزب، وشهيداً لا نظير لشهادته، تتقدم صورتي موكبَ جنازتي وعلم الحزب يلف جثماني، فأي شرف أعظم من هذا الشرف، وهو الشرف الأوحد الذي يُتَنافَسُ فيه وعليه وحوله حزبياً؟!
دهوك- في 27 تشرين الأول 2016 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…