ابراهيم محمود
كُردياً: قيل في سلوكيات الـ”ب ي د ” الكثير، ولست بصدد ما قيل وما يمكن أن يقال من نقد إلى درجة الشتم وهو ليس نقداً.
كردياً: قيل في ممارسات الـ” ب ك ك ” الكثير بالمقابل، ولست هنا أيضاً إزاء ما تردَّد وما سيتردد من نقد أو باسمه، إلى درجة السّباب، وهو ما يخرج عن نطاق النقد، إنما للتذكير بما يكاد يُنسى في هذا المقام هذه الأيام، أي: نسيان هستيريا الأتراك ممثَّلة في السلطة السياسية والعسكرية والأمنية، ومساعيهم هي في أن يحولوا ما وسعتهم جهودهم إلى عدم تكوين أي مظهر من مظاهر القوة الكردية، حتى في إقليم كردستان العراق بالذات، وأن محاولات التغلغل في ” الأرض السورية المستباحة والمباحة “، بحجة ملاحقة ” فلول ” عناصر ” الـ ” ب ي د “، وفي واعية النظام التركي” كردفوبيا ” على أعلى مستوى، تفصح عما تقدَّم.
ما يهم، هو عدم تجاهل الدور المركّب والمخاتل الذي يلعبه ساسة الترك ورجالات العسكر فيهم، وما في ذلك من مباركة لأكثر الدول ازدواجية وغوصاً في النفاق المعتمد عليه: أميركا، حيث لم نتلمس حتى الآن ككرد، أي بادرة تشي بأن ساسة أميركا قبل غيرهم يسعون إلى بلورة كيان سياسي كردي فعلياً، أو تزكيته دولياً .
فما يجري من قصف للمناطق الكردية في عفرين، وأمام مرأى من ” اليانكي “، لا يجب أن يصرّف الأنظار عن حقيقة هذا الهجوم المسعور، واعتبار المسئولية ” بيَدَاوية ” وفي الخلف ” ببكاوية “، لا يجب غضُّ النظر عن وجوه المكر التي تصرَّف تركياً، حتى بالنسبة لأكاذيب ساستها وزعم أنهم يشاركون في الحرب على داعش إلى جانب البيشمركة أو القوات العراقية، وتحرير الموصل من إرهاب داعش، وما يعنيه هذا السعي مما يجب التفكير فيه وهو وجود سر يصل ساسة الترك بداعش تنظيماً وإرهاباً مذ دخل الموصل في العاشر من حزيران”2014 “.
نعم، تحاول تركيا ضرب الـ” ب ي د ” تخلصاً من ” ب ك ك “، لأن ثمة فلتاناً في الوضع الأمني السوري، وأنه يثير حفيظة الأتراك التاريخية مذ عرفوا الكرد، أي التخوف من بناء كيان كردي على تخومهم السياسية وما من شأنه تهديد العمق الاستراتيجي التركي بمفهوم ” أحمد داوود اوغلو “، وهذا يوسّع من قاعدة القوة الكردية يقرّبها من حلمها المشروع تاريخياً، إذ إن ساسة الأتراك يدركون أنه حتى لو كان ساسة الكرد في أوج صراعاتهم الجانبية، يقلبون المشهد الخلافي على ألف وجه ووجه، ووجه آخر يترجم ظنونهم ومخاوفهم من أن يكون ذلك لعبة مسرحية للالتفاف على أعدائهم وتحقيق طموحهم القومي كردستانياً.
تضرب تركيا الـ” ب ي د ” تخلصاً من الـ” ب ك ك “، ليس لأنها تفرّق بينهما، إنما لأن فعل الضرب ربما يخدم سياستها التصفوية ضد الكُرد، وغداً، قد تستفرد بالـ” ب ك ك “، وتنحّي الـ” ب ي د ” جانباً، أو تتفرغ لأي جهة كردية، قدر استطاعتها، عندما تتوحم عنفاً أكثر، وعنصرية أتاتورية مستحدثة.
ولعلّي على يقين تام، أن ما تبذله تركيا من جهود مناوراتية، في دبلوسياتها ذات العلامة ” الأتاتوركية “، مع وجوه المعارضة السورية وضمناً” معارضو الكرد “، هو أن تبقيهم أمام بصرها، لتدير اللعبة على طريقتها، أي لتكون كل تسمية للجاري ولو من باب اليقين، كلمة حق يراد بها باطل، والتاريخ ما زال يعلّم .
وأن التخريج الإرهابي لداعش يحمل أكثر من بصمة إرهاب في السياسة الداخلية التركية، وبأساليب المخابرات التركية المعهودة، رغم كل مسرحة الأحداث والإيقاع ببعض الضحايا من الأتراك أنفسهم مدنيين وعسكراً، فطالما أن إرهاباً من هذا النوع، يخدم السياسة المراوغة في تركيا، وضد الكرد، فإن هناك استمراراً في متابعة أنشطة داعش الإرهابية، وتحويل الأرض التركية إلى محمية لها.
يعني ذلك، وعلى مسئوليتي كاملة أن أي دولة من الدول” العظمى “، تفضّل كل الدول التي تقاسمت كردستان، والإبقاء عليها موحَّدة سياسياً، على الكرد، رغم أن الذي بذلوه من تضحيات وجرأة في محاربة داعش ومن مع داعش حيث كانت أماكن انتشاره، كان مبعث فخار هذه الدول ” العظمى “بالذات، إن ذلك من شأنه كيل المديح لكل كردي، واستضافته هنا وهناك إعلامياً وسياسياً، والاعتراف بالدور الجبار للكرد في مواجهة إرهاب داعش، سوى أن ذلك، وليكن في علم من لا يريد أن يعلم، لا يصل، ولم يصل بعد، إلى مستوى الإفراج ولو عن نسبة محدودة من ” معاهدة سيفر “، والاعتراف بكيان كردي ولو مصغر، وآن أن يكون له مقعد في بناية الأمم المتحدة، وليس هناك من مؤشرات دالة على ذلك في المستقبل المنظور!
يظهر بالتالي، أن عسل الحقيقة الكردي مر، حتى لو كان فيه دواء لكل داء.
دهوك- في 25 تشرين الأول 2016