صلاح بدرالدين
اندلعت انتفاضة الشعب السوري منذ ربيع العام 2011 كجزء من ثورات الربيع الشعبية التي عمت بلدانا عديدة في المشرق والمغرب تحت شعارات الحرية والكرامة وضد الاستبداد والتي تصدرتها الحركات الشبابية بشكل أساسي واذا كانت تلك الحركات الثورية قد حققت بعض أهدافها في بعض البلدان مثل تونس ونسبيا مصر فان البعض الآخر منها قد واجهت عقبات وأزمات مستعصية مازالت تتصارع معها كما هي الحالة في ليبيا واليمن وسوريا .
هناك مشتركات رئيسية لكل ثورات الربيع مثل الطبيعة الشبابية لقياداتها الأوائل في بداياتها وأهدافها في الحرية والكرامة ورفعها لشعار اسقاط نظم الاستبداد والدكتاتورية وخلو قياداتها بداية ( وقبل تسللهم ) من المنتسبين الى الأحزاب التقليدية القومية واليسارية والاسلامية التي تفاجأت أصلا بحدوث هذه الموجة الثورية , اضافة الى تجاربها المتعددة مع مؤسسات الجيش النظامي حيث وقفت المؤسسة العسكرية على حياد أقرب الى التعاطف مع الثورة في كل من تونس ومصر بينما وقف الجزء الأكبر منها مع النظام وضد الشعب في سوريا لأسباب قد تكون طائفية – مصلحية – عقائدية .
أزمة الثورة السورية
سوريا كشعب وبلاد تمر بأخطر مرحلة في تاريخها فنظام الأسد المستبد الفئوي يقتل شعبه منذ أكثر من خمسة أعوام وفي أحدث احصائية وصلت أعداد الضحايا قرابة المليون ماعدا السجناء والجرحى والمشوهين اضافة الى ان اكثر من نصف الشعب السوري اما مهاجرون او نازحون ولم يستجب النظام لارادة الشعب السلمية من اجل الاصلاح والتطوير في العام الأول من الانتفاضة حيث كانت سلمية على شكل تظاهرات احتجاجية ومطلبية وقد جلب النظام الجيوش الايرانية والروسية والميليشيات المذهبية لدعم سلطته خارقا بذلك السيادة الوطنية والاستقلال ولم يكتفي بذلك بل ساهم في استحضار الجماعات الارهابية المسلحة وأطلق هو وحكومة العراق زعماء الارهاب من السجون والمعتقلات في دمشق وبغداد حيث ظهرت منظمات القاعدة وتنظيم داعش كما أرسل النظام الايراني جماعاته الارهابية أيضا وكان هدف الجميع وبدعم روسي اغراق الثورة السورية بجماعات الاسلام السياسي الارهابية ليظهروا للعالم عدم وجود ثورة وطنية ديموقراطية وأن النظام هو حامي العلمانية .
الاحتلال الروسي
لقد تحولت الطغمة الحاكمة في روسيا ( وهي تحالف حاكم من بقايا الأجهزة الأمنية ومدراء الصناعات الحربية وشبكات المافيا العابرة للحدود ) الى العدو الرئيسي للشعب السوري وثورته بعد أن أقامت كدولة احتلال قواعد بحرية وبرية في الأراضي السورية وأرسلت آلاف الجنود والضباط ومئات الطائرات الحديثة لتحصد أرواح عشرات آلاف المدنيين في حلب وحماة وحمص وسائر المناطق ولتقوم بدور حامية نظام الأسد عسكريا ودبلوماسيا وسياسيا ولتقوم أجهزته الأمنية وانطلاقا من – حميميم – ودمشق وموسكو بتفكيك صفوف المعارضة واحتضان جماعات تابعة للنظام وتقديمها كممثلين للثورة والمعارضة .
هناك أسباب وعوامل عديدة لعبت أدوارا في حالات الاستعصاء الحاصلة لمسيرة الثورة السورية منها داخلية وبعضها اقليمية ودولية أي أنها تتوزع بين سلبيات العوامل الذاتية والموضوعية ومن أبرزها :
أولا – علينا أن نأخذ في الحسبان وكما أسلفنا الدور الرئيسي لمحور – الممانعة – ( نظاما الأسد وطهران وكذلك موسكو والميليشيات المذهبية ) في ادامة الحرب والدمار وعرقلة انتصار الثورة ومضاعفة أعبائها وتقسيم صفوفها واثارة الخلافات بين فصائلها ومكوناتها وكذلك الموقف المخزي المتباطىء واللامبالي لادارة الرئيس الأمريكي وتخاذل ( أصدقاء الشعب السوري ! ) من النظام العربي الرسمي مرورا بتركيا وانتهاء بدول أوروبا .
ثانيا – لقد أريد للثورة أن تسير نحو المجهول عندما تسللت عناصر الأحزاب التقليدية الاسلامية والقومية الى صفوف المعارضة وتسلطت على مقدرات كانت مفروضة أن تكون لقوى الثورة والحراك الشبابي وقد لعبت – حركة الاخوان المسلمين – السورية الدور الأسوأ في عزل تشكيلات ومراتب الجيش الحر وتشتيت صفوفها بدوافع آيديولوجية – حزبية مستفيدة من الجغرافيا التركية والمال الخليجي كما كان مشهد الثورة وقد تصدرها الاخوان أكبر هدية تقدم لنظام الأسد اضافة الى أن المجتمع السوري المتعدد الأديان والمذاهب والقوميات لم يكن يتقبل وجود الاسلام السياسي على رأس ثورته .
ثالثا – وعندما ظهر ( المجلس الوطني السوري ) بعد نحو عام من الثورة والذي تحول بعد فشله الى ( الائتلاف ) تبين أنه وبعد الاعلان السريع اللاديموقراطي والمفاجىء والجانبي عنه قد تم استبعاد معظم ممثلي المكونات السورية والوطنيين المعارضين الشرفاء وممثلي تنسيقيات الشباب والمستقلين وسائر نشطاء الحراك الثوري بالاضافة طبعا الى الجيش الحر وقوى الثورة لأخرى وجلب – الاخوان – شلة من الانتهازيين باسم تيارات سياسية وكذلك الحركة الكردية المستعدين للبصم لهم على طول الخط وهذا ماأدى الى فشله واخفاقه السريع بعد أن ألحق الأذى بالقضية السورية ودب فيه الفساد المالي .
الحالة الكردية السورية
الوضع الكردي جزء من المشهد السوري العام اذا أخذنا جانبا بعض خصوصياته فمنذ بداية الانتفاضة شهدت المدن والبلدات والمناطق الكردية وبالتزامن والتكامل مع ماجرى بالمناطق السورية الأخرى تظاهرات احتجاجية تتصدرها تنسيقيات الشباب الكرد حيث نظم نشطاؤها علاقات التعاون والتنسيق مع نظرائهم من مسؤولي الحراك الشبابي الثوري العربي في سائر الأماكن وبغياب شبه كامل لجميع الأحزاب الكردية التقليدية من دون استثناء وبعد مضي نحو عام تأسس ( المجلس الوطني الكردي ) في أجواء التمسك بموقف الحياد بين الثورة والنظام وبدلا من انتهاج طريق الانخراط في صفوف الثورة سلك درب التردد والتذبذب وواجه النشطاء الشباب بغية الغائهم وازاحتهم تماما كما فعلت سلطة نظام الأسد .
وبسبب ذلك الموقف عجز المجلس عن بلورة المشروع القومي الكردي والدفاع عنه والتحاور مع الشركاءمن عرب الثورة للتفاهم حوله كما كان ضعفه وهزالته سببا في قدوم جماعات – ب ك ك – من وراء الحدود والسيطرة على الموقف بدعم مباشر من سلطة الأسد واقامة مؤسساتها الأمنية والعسكرية والتحكم بكافة المناطق والمعابر الحدودية .
تمارس سلطة – الأمر الواقع – التابعة لحكم الحزب الواحد – ب ي د – كفرع لحزب العمال الكردستاني التركي نفس النهج الذي يسير عليه حكم حزب البعث العربي الاشتراكي في فرض حكم الحزب الواحد وكم الأفواه ورفض المختلف وتصفيته في مناطق سيطرتها بل تمضي في تفريغ المناطق وتهجير الشباب وفرض الأتاوات وسن قوانين منافية لكل الأعراف والتقاليد القومية والوطنية وتسخر كل شيء في سبيل مصالح حزبها الأم وتقدم الشباب الكرد ضحايا صراعاته المحلية والاقليمية وهدايا لمصالح النظامين السوري والايراني .
في خضم تنازع الأحزاب الكردية وتفكك الصف الكردي وانعدام الأمن والأمان في المناطق الكردية وفشل أحزاب ( المجلسين ) في تجسيد المشروع القومي والعزلة من الحركة الديموقراطية السورية والثورة وكما تفضل الأخ مسعود بارزاني رئيس اقليم كردستان ( ممارسات الأحزاب الكردية الخاطئة أدت الى فقدان البوصلة وضياع الشعب الكردي السوري أمام استحقاق هل هو مع الثورة أم مع النظام ) أمام كل ذلك فان الكرد السورييون وحركتهم بأمس الحاجة الى الانقاذ بأسرع وقت ممكن .
ومن الجدير ذكره هناك ومنذ عدة أعوام محاولات جماعية وفردية في الوسط الكردي السوري ترمي الى الانقاذ وتغيير الوضع المقلق السائد وفي الآونة الأخيرة تبلور مشروع جاد باسم – BIZAV – يرمي الى اعادة بناء الحركة الوطنية الكردية السورية عبر عقد المؤتمر الوطني الكردي من الكتلة التاريخية الغالبة في الساحة الوطنية الكردية وقوامها ( المستقلون والحراك الشبابي ومنظمات المجتمع المدني وسائر المناضلين القدامى وقسم من جمهور الأحزاب ) وقد عمد القائمون على المشروع الى تقسيم مساره الى عدة مراحل تبدأ بخطوة استقراء آراء الجمهور عبر وسائل الاتصال الاجتماعي ومن ثم طرح مشروعي البرنامج ( القومي والوطني ) للنقاش بواسطة لجان المتابعة في الداخل والخارج تليها الاجتماعات الفرعية الموسعة لانتخاب ممثلين الى اللجنة التحضيرية لتنظيم المؤتمر ومندوبين الى المؤتمر العام لاعادة بناء الحركة الوطنية الكردية السورية ويعتبر هذا المشروع المحاولة الأخيرة للانقاذ والذي ينتظر الدعم والاسناد من الأشقاء والأصدقاء .