ألو أوباما

شفان إبراهيم
 أطبق السيد أوباما على مقاليد الحكم في البيت الأبيض لثمان سنوات. ربما كان أكثر ما يُضحكه, انتظار الشرق الأوسط نتائج الانتخابات الأمريكية ما قبل الماضية, ثم التريث لأربع سنوات أخرى على أمل أن يتقلد الحكم شخصية أخرى. لم تُطبق الجفون وهي تتشوق لمعرفة نتائج الانتخابات الأمريكية الماضية, فنامت نوم الكهف في انتظار انقضاء أربع سنوات أخرى. 
ربما العالم كان يترقب الانتخابات الأمريكية, لكن لا شك, ينفرد الشرق بترقبه الخاص, وكأن القلق الذي أضحى كالجينات المتوارثة من جيل إلى جيل لا يكفي حتى يلجأ إلى ترقب من سيحمل مفاتيح البيت الأبيض. 
بسطاء جداً نحن الشرقيون نظن أنهم كأنظمتنا يقررون كل يوم بيومه, أو كأحزابنا يبحثون عن خلق المشاكل لبعضهم البعض. الأمر محسوم لدينا لا مشاريع وطنية, لا أجندات داخلية, لا رغبة في حلحلة أي مشكلة تتأزم بشكل مستمر, حتى تخلق متواليات متأزمة نعتقد إنها لن تُحل دون انتظار نتائج الانتخابات الأمريكية.
الصراعات المريرة تطفوا على السطح لدرجة أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أصبح من الثانويات أو الأخبار الهامشية لسد أي نقص أو فراغ في النشرات المتلفزة. ثمة صراعات أفضل, الصراع السني الشيعي, الصراع الكوردي – العربي, الصراع الكوردي – الكوردي وأن كان الأخير يفتقد إلى مفهوم الصراع الثنائي لمعطيات عديدة أهمها ثمة من يتحمل الجلد والصفع وكل شيء على أمل أن ينال العنب, وثمة من يصر على الحُصرم. هذه الصراعات ترسم لنا سياسة من ننتظر نتائج انتخاباتهم. كم يُسعد الشرقي ببلاهة عقله, ظاناً أنه قرأ التاريخ وفكفكه, بل أنه يعتقد في قرارة نفسه أن أوباما لا ينام الليل لأجله.
بات الشغل الشاغل لنا من سيخلف أوباما, لا همَّ كيف نتطور وكيف نُحيي أحلامنا, ونُرمم مخلفاتنا. الهدف لم يعد هدف إعاد أعمار دولنا ومناطقنا, أضحى الهدف نبوءةُ مَن تصدِقُ في معرفة القادم وخليفة أوباما, أوباما الذي غدر ونكل بالربيع العربي, واكتفى في وقفته إلى جانب محنة السوريين جمعاء بحملهم سبب شيب شعره. 
ما فاتنا جميعاً أن أوباما لم يغدر بالسوريين وحدهم, ولم يُجهض الربيع العربي حده, بل أنه ملأً حقيبته بمئات الملفات التي لم يحلها ولم يجد لها مستقبلا مشرقاً. لما لا فالرجل يُفكر بأمريكا, أمريكا يا رجل! وليس الغيبيات ولا الماورائيات ولا الترسبات الخيالية. على الأقل حافظ على حياة أسوء جندي لديه, حمى وبنى الإنسان فحمى وبنى الأوطان.
فالرجل وللإنصاف لم يهمل السوريين وحدهم, بل أنه خيب آمال السود ولم يبدي الاهتمام اللازم بشأن الحفاظ على أرواحهم في أمريكا, أغمض عينيه عن ممارسات الشرطة الأمريكية ضد السود في ولاياته المتحدة. فهل ينقده احد لعدم توجيه أي ضربة عسكرية إلى سوريا حتى بعد استخدام الكيماوي, يا سادة هو لم يهتم بشريحة كاملة في مجتمعه, وأي شريحة, الشريحة التي تُشبهه, فهل سيهتم بأطفال سوريا.
إن كانت اليمن تطفوا على بحر الدماء, وتتشاكس مع السعودية, وللأمريكان قضايا حساسة في الخليج وعلاقتها مع إيران, فهل يتساءل أحدهم لماذا أصبحت سوريا مجرد صفقة للمساومة بين القوى الإقليمية, حتى في كلماته التي اعتاد على التأثير النفسي في المتلقي, لم يكترث بآهات وعذابات المهجرين واللاجئين والنازحين, وكأنه يقول: هل تصدقون شعاراتي التي حصلت بها على أصوات المقترعين والناخبين.
لكن الأجمل أن يوجد من يُتابع خطابات الرجل وهو يتكلم عن السلام والأمان والمساواة وهو الذي أرسل 17 إلف عسكري إلى أفغانستان بعد مضي 17 يوم على استلامه للسلطة. هو ليس برجل سلام, وليس سوى صاحب شعارات السلام, لكن عزز من قيمة الإنسان الأمريكي في مواجهة باقي شعوب العالم, ورفع من مستوى الاقتصاد وقوة الدولار مقابل باقي عملات العالم, وصنع من سوريا مستنقعا للجميع, أعدائه وحلفائه من يعتمد عليهم ومن يرغب في إجهاض مشاريعهم.
ربما خسارته الخفيفة كانت في مقتل سفيره في بنغازي, لكن في النهاية قد حصل لأجل شعبه على معظم النفط الليبي الثقيل ها هو حصل على مراده ولا يزال السوري يتابعه بشغف.
ذهب إلى اليابان لكنه لم يعتذر عن قصف هيروشيما ونغازاكي. ومع استمرار سوء علاقاته مع الصين, ربما عوضها بإثارة المشاكل في أوكرانيا مع روسيا, ولجم الطموح والغطرسة التركية بحماية فتح الله غولن.
الرجل لم يهتم بالقيل ولا بالقال, كرث كل حياته وفترة رئاسته لخدمة الداخل الأمريكي, لم يهتم كثيراً بآراء الصحفيين ولا المنظمات ولا الدول ولا أي أحد بخصوص سياساته الخارجية, بل اكتفى بضرب جميع المتنافسين بعضهم ببعض, فكتفى بما حققه من فوضى في الشرق الأوسط  ويتمثل السبب في أن الولايات المتحدة تريد أن تعيش بقية البلدان وفق قوانينها.  وزرع ديمقراطيتها ضمن عقولهم فأدى ذالك من جانب إلى الفوضى، ومن جانب آخر إلى تقويض الأمن العالمي والقانون الدولي.
كوردياً فإن المجلس يترقب الانتخابات الأمريكية على أمل أن تحقق النتائج الجديدة تغيرا في سياسات أمريكا تجاه سوريا وحل القضية الكوردية, والاتحاد الديمقراطي يترقب زيادة مساندة الأمريكان لهم في محاربة داعش.
المعارضة السورية تنتظر الأوامر للتنفيذ, دول الجوار تترقب ما ستقرره أمريكا هل ستُحرك داعش بإتجاه تركيا أم إتجاه إيران, وهل ستدعم استقلال كوردستان العراق أم تدفع إلى مزيد من التعقيد في علاقة الإقليم مع المركز.
الكل يترقب وينتظر, ثم يعلوا صوت أحدهم..مؤامرة مؤامرة, أمريكا صاحبة مشروع تقسيمي تفتيتي وينسى أنه ينفذ خطوات ذاك التقسيم.
حينها ربما يبادر احدهم إلى الاتصال مع أوباما قائلاً: ألو أوباما  أنت أنهيت الشعب السوري.
.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…