احمد قاسم
التقارير التي أصدرها مركز فيريل للدراسات الإستراتيجية في برلين عن وجود خطة لحلف ” الناتو ” لضرب الجيش السوري, وتدمير مطاراته ومركز القيادة, من خلال هجمات جوية تشارك فيها 800 طائرة من 14 دولة إلى جانب إطلاق صواريخ ” توماهوك ” من قواعد أمريكية في منطقة الخليج, تشير ذلك وفقاً لتلك التقارير إن صحت إلى أن سوريا على حافة حرب عالمية ثالثة.
تذكرنا هذه الخطة بالعملية الجوية التي نفذها حلف الناتو قبل عشرين سنة في صربيا, وكذلك في عملية ” ثعلب الصحراء ” ضد العراق عام 1998, والقصف الجوي لليبيا عام 2011 . وحسب الخطة ستركز العملية على الجيش السوري من دون إستهداف أي هدف عسكري روسي.
نتيجة لإنتشار هذه المعلومات على الصحف الأوروبية والأمريكية, ترد روسيا بالإعلان عن أن أي هجمة من هذا النوع على مواقع الجيش السوري نعتبرها هجوماً على القوات الروسية, وبالتالي يجب أخذ الدفاعات الجوية التي تمت نشرها في سوريا من بطاريات إس 300 وإس 400 من قبل روسيا بعين الإعتبار.
بغض النظر عن صحة التقارير أو عدم صحتها, فالحرب الجارية على الأرض السورية لاتقل نتائجها عن حرب عالمية بين القوى الكبرى في سوريا. حيث القتل بالمئات يومياً وبعدة أشكال, والدمار مستمرة بدون حساب, أما المدنيون العزل يبحثون عن منفذ للخروج من الجحيم الذي يحيطهم من كل حدب وصوب, فماذا الذي سيتغير في الأمر غير المواجهة المباشرة بين الدولتين الكبريين اللتان سببتا في إطالة عمر هذه الحرب وترك مساحة سوريا ملعباً للإرهاب والإرهابيين تفتك بأرواح الناس من دون حساب نتيجة لخلافاتهما ” المصلحية ” على سوريا. لو كانت الدولتان صادقتان على أنهما تعملان من أجل حل سلمي في سوريا, فهل بإمكان النظام في دمشق الخروج عن طاعته لروسيا؟ أم أن الإرهاب وبحجمه المخيف قادر لمواجهة روسيا وأمريكا عسكرياً, وذلك إن حزمت الدولتان من أمرهما على إنهاء التنظيمات الإرهابية ( هذا إن كانتا بريئتين من عملية تواجد كل هذه التنظيمات الإرهابية بما فيهما ” داعش ” وجبهة النصرة )
أعتقد أن في حالة تشابك قوات روسيا مع قوات حلف الناتو سيخف من قتل المدنيين الأبرياء على الأقل, وكذلك عملية تدمير المدن, لأن العملية ستستهدف مراكز القوات العسكرية, وهي في الغالب بعيدة عن الكثافة المدنية في المدن. أذكر تماماً بأن عملية إسقاط ” صدام حسين ” وجيشه لم تتأذى أية مدينة أو سكان مدنيين, فكان الهدف المراكز العسكرية والأبنية التي كانت مستعملة للأغراض العسكرية. أعتقد أن تلك الحرب أهون للمدنيين من هذه الحرب التي لاتهدف إلا المدنيين الأبرياء ومدنهم ومواقع سكناهم. إنني عندما أنوه لذلك, لا أعني بأنني أتمنى أن تنفذ خطة حلف الناتو على الأرض السورية. لكن عندما تكون آفاق الحل مسدودة, أعتقد أن من كل بد أن تكون بعد العاصفة سنرى الهدوء والسكون شئنا أم أبينا. فلطالما هناك من يقاتل بالنيابة عن الدول ذات الشأن, ولطالما أن مصالح تلك الدول لم تتحقق حتى الآن, فستدفع بالأزمة نحو الإستمرار لقتل المزيد وتدمير المزيد من المدن وتهجير المزيد من السكان إلى أمد مفتوح. إما إذا لدغت الحرب أمراء وتجار الحرب ومن ورائهم فستأتي الحلول من كل بد وفي زمن قياسي.
عملية السلام في سوريا وعلى يد روسيا وأمريكا كادت أن تكون كذبة بعد أن أصبحت سوريا محمية روسية في ظل نشر كل هذه الأسلحة والقوات الروسية. إن الأسلحة الإستراتيجية التي تم نشرها في سوريا من إس 300 وإس 400 وصواريخ أرض جو 101 التي تطال مداها 4500كلم هل أنها تشير إلى تحقيق سلام في سوريا, أم أنها تشير وبوضوح على إحتلال روسي من دون الإعلان عنها؟ أعتقد أن المشهد اليوم في سوريا يشبه المشهد في أفغانستان مع العهد السوفيتي. عندها أصر حلف الناتو على إخراج روسيا من أفغانستان بأي ثمن, فهل ستكرر روسيا تجربتها الفاشلة عند إحتلالها لأفغانستان؟ أعتقد أن ما حصل لأفغانستان ويحصل إلى اليوم تتحملها السوفييت سابقاً وروسيا اليوم بغض النظر عن السلبيات التي طالت حلة أفغانستان من بعد السوفييت. لكن أعتقد أن سوريا ليست أفغانستان, وأن حسابات روسيا ستكون خاطئة إن فكرت بعقلية الإحتلال من خلال الشرعية المنهارة للنظام في دمشق.
وأخيراً, أعتقد أن روسيا اليوم أمام مسؤولية كبيرة, مع تحمل الولايات المتحدة جزءً من هذه المسؤولية. فالذي خسره الشعب السوري حتى اليوم لايمكن أن تخيفه الخسائر التي توحي إليها القادم من المراحل من الشدة والحرب. لكن يبدو على الدولتين أن تلدغان بنيران الحرب التي دارت تحت إشرافهما, كدلالة, تشير إليهما كيف تعملان من أجل السلام, وإخراج سوريا وشعبها من هذه المحنة الإنسانية الكبيرة.
6102016