حساسية الكرد الايزيديين والشعور القومي لديهم

ماجد ع  محمد
لعل حساسية الأقليات في الشرق الأوسط لم تأتي اعتباطاً، إنما كانت نتيجة لتجاهل طويل لخصوصيتهم من قبل الذي تبوأ مقام الأكثرية، وأحياناً قد يكون دافع الحساسية سببه تعرضهم للعنف المعنوي المتواصل من قبل من أشرنا إليهم، ولعلّ ذلك الشعور كان نتيجة طبيعية بسبب العنجهية الظاهرة من قبل الكثير من أبناء الأكثرية، أي أكثرية كانت لا على التعيين، سواءً أكانت أكثرية قومية أم دينية أم أيديولوجية، إذ أن تلك الحساسية قد تبلغ ذروتها في بعض المراحل وذلك كلما تفاخرت الأكثرية بذاتها أو بماضيها التليد، وطبعاً من دون إية أهمية لمشاعر الآخر، حيث تعاملت الأكثريات مع الأقليات وكأنهم لواحق أو هوامش ليس إلا، لذا فإن ذلك التعامل الغير سوي والطويل عمرياً ظلا يحفران الشروخ عميقاً في دواخل ذلك المنتمي للأقلية،
وخاصة الذي بلغ مرحلة الإعتزاز بالذات ماضياً وحاضراً، بالرغم من منعه مِراراً من بلوغ ذلك الشعور من قبل الاكثرية، ومنعه من التعبير عن أناه، حيث تم أو يتم حرمانه من نعمة الاعتزاز بالنفس ككائن وجودي بكل ما له وعليه، إما بواسطة السلطة الحاكمة أو من خلال المناخ الاجتماعي العام الرافض للآخر بطريقة غريبة قد لا يفهمها ممارسها نفسه، بكونها جاءت نتيجة ثقافة تاريخية وتراكمات زمنية طويلة.  
ومنها فلعل سبب انسحاب الكرد الايزيديين من المجلس الوطني الكردي ومن ثم من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، مرده تلك الحساسية التي يشعرون بها أكثر من الكرد السنة أنفسهم، ومن بعض دوافعها ربما كان بسبب الغبن التاريخي الذي تعرضوا له كأقلية داخل أقلية، وطبعاً على المستوى الاجتماعي قبل الغبن السياسي، لأن الأيزيدي حتى يوم أمس مثله مثل الاسماعيلي والدرزي لم يكن ليتجرأ الواحد منهم على أن يعلن عن أناه في أي محفلٍ كان، بسبب سطوة الثقافة الشمولة ليس على مستوى مؤسسات الدولة فقط، إنما  حتى على مستوى التعامل اليومي بين خلايا المجتمع السوري ككل. 
وفي هذا السياق فقد أشار السيد سرحان عيسى المتحدث الاعلامي لمجلس ايزيديي سوريا صراحةً الى تقاعس المجلس الوطني الكردي تجاه الايزيديين، وعدم اشراكهم للايزيديين في القرارات السياسية، كما نقد عيسى تصرفات المجلس تجاه مجمل القضايا الكردية ومنها تجاهل المجلس للإساءات المتعمدة من قبل شخصيات معارضة محسوبة على الائتلاف، فضلًا عن تحسسهم من الورقة المقدمة من قبل الهيئة العليا للتفاوض في لندن، والتي قال عنها فؤاد عليكو عضو الهيئة السياسية للائتلاف الوطني في مقابلة له مع مدار اليوم في الثامن والعشرين من شهر أيلول “بأن الهيئة العليا للمفاوضات، لا تملك رؤية لحل القضية الكوردية، ورأى عليكو بأن رياض حجاب ترك الباب مفتوحا لاعادة النظر فيها خصوصا بعد الاعتراضات الكثيرة من قبل المجلس الوطني الكوري والمجلس التركماني والمنظمة الآشورية.
ولا شك بأن اعتراضات المجلس الكردي لم تساهم في إخفاء الحفرة التي أحدثتها تصريحات الزعبي لأكثر من مرة في مناسباتٍ عديدة، وربما الأخوة الايزيديين كانوا أكثر شعوراً بالمهانة مما يصدر عن هكذا شخصيات متبوأة مواقع المسؤولة في المعارضة التي قد تحل محل طاغية دمشق في يومٍ ما، حيث سبق للزعبي أن تحدث بكلامٍ غير لائق بحق ملة الكرد أجمعين من خلال تسجيلٍ له في قناة أورينت، كما وفي المرة الأخيرة وصف العميد المنشقّ ورئيس وفد المعارضة السورية إلى جنيف أسعد الزعبي الكرد بالإرهابيين وذلك من خلال مداخلة له على تلفزيون سكاي نيوز، بقوله: “أن الولايات الاميركية المتحدة لم تقبل خلال  فترة حربها مع داعش أن تتعامل مع الجيش الحرّ وفضّلت التعامل مع الارهاب الكردي المتمثل بالـ: ( p y d ) وبعض اليزيديين والبيشمركة ”  فتصريح السيد زعبي ليس فقط مجافي للحقيقة، إنما هو مشغول عليه لقلب الحقائق رأساً على عقب، وهذا بحد ذاتة جريمة أخلاقية، إذ العالم كله شاهد على ما فعله اخوانه الدواعش المسلمون بالايزيديين، ومع ذلك جعل السيد زعبي الايزيديين هم الإرهابيين مع البيشمركة، ولا شك عندما نجعل من الضحية مجرماً هذا يعني بأننا نود رفع المجرم إلى مستوى الضحية، ومن خلال معادلة الزعبي فالحثالة البشرية التي شغلت العالم كله بجرائمها هم الأبرياء بنظره والايزيديين والبيشمركة هم مَن غدوا إرهابيين، وأعمى البصيرة فقط من لا يتوقع حيال هذه المعادلة بوجود مستبطنات داعشية لدى هذا المعارض النحرير، وإلّا لما سواهم أبرياء وجعل من الضحايا إرهابيين.
واللافت للنظر أن بيان انسحاب مجلس ايزيديي سوريا لم يكن فقط بسبب تصريحات معارض ما، أو الورقة التي قدمتها الهيئة العليا للتفاوض في لندن، إنما لتصورهم “بعدم قدرة المجلس الوطني الكردي على اتخاذ أية مواقف جدّية حيال بعض التصريحات المسيئة للكرد والقضية الكردية في سوريا بوجهٍ عام من قبل قياديين في المعارضة، بدءاً من الزعبي ومروراً بميشيل كيلو وليس آخراً تصريحات هيثم المالح وغيرهم من أقطاب المعارضة.
حقيقة وليس بعيداً عن سياق ما قيل، فبتصوري أن هذا الموقف الملفت للنظر لم يأتي من باب المزاودة، لأنه لو كان المجلس الايزيدي في العراق لقلنا ذلك ربما بدون تحفظ، باعتبار أن الحس الديني طاغي على الحس القومي لدى ايزيديي كردستان العراق، حالهم كحال الكرد العلويين في تركيا، حيث ترى أغلب أنفارهم من الجهل وربما من الغباء الصرف يقدمون انتماءهم المذهي على الانتماء القرمي، أقول غباء لأن طبيعة الانسان العاقل والحر والموضوعي يفرض عليه أن يعمل جاهداً على إعطاء الأولوية فيه للجانب الذي كان متعرضاً للقمع والإقصاء، ومعروف أن الكرد في تركيا تعرضوا للقمع ككرد وليس لأنهم زردشتيون أو إيزيديون أو علويون أو ملحدون، ولكن سياسة الشرذمة والتفريق كما نجح فيها البعث في العراق، نجح فيها الكماليون في تركيا وبامتياز.
ولكن والحق يقال فالبعث العربي لم يقدر على أن يلعب لعبته النتنة في سوريا كما فعلها مع الايزيديين والشبك والفيليين في العراق، حيث الحس القومي لدى أيزيديي سوريا بقي متأججاً مثل أي كردي آخر، ولم يهبط يوماً الشعور القومي لدى الايزيديين الى دون الشعور الديني، كما هو الحال بالنسبة للايزيديين في كل من العراق وجمهوريات الاتحاد السوفيتي التي قام بسياسة التشريخ فيها طاغية روسيا جوزيف ستالين، بينما في سوريا فكانوا ضمن صفوف الحركة الكردية منذ تفتقها ومنهم نذكر: وليد حسو، خالد حسو، أسعد حسو، حكمت حسو، جميل عمر، نديم حسو وهم من قرية قطمة، حنان إيبو قرية قيبار، علي رشيد شيخ زيندو قرية برج عبدالو، منان جاويش وأبو زردشت قرية سنكلري، وليد علي بيرم، مصطفى أحمد بيرم وجلهم كانوا من منتسبي حزب الاتحاد الشعبي الكردي باستثناء نديم حسو فهو من الديمقراطي التقدمي.
وهذا الأمر ينسحب أيضاً على الكرد المحسوبين على الطائفة العلوية في سوريا، إذ أن من بعض أوائل من انتسبوا للحركة الكردية في سوريا كانوا من من الكرد المحسوبين على تلك الطائفة في منطقة عفرين، ومنهم محمد علي خوجة وهو من مؤسسي أول تنظيم كردي سياسي في سوريا، ومنهم أيضاً حسن ادلو، حسين حاجي ، شكري ايبشانو ، ابراهيم نعسان ، علي مامو ألا ، محمد يوسف حموتو ، محمد عارف ، خليل سعيد ، يوسف اوسكيلو، علي منان، المهندس زهير علي يعتبر من الجيل الثاني من الحركة الكردية في المنطقة*، كما أن أكثر حزب أعطى أهمية للثقافة القومية الكردية وقتها أي (اتحاد الشعب) فكان معظم سكان معبطلي، إما من أعضائه أو مؤيدين له ومؤمنين بأفكاره، حيث كان أول حزب كردي يطالب بحق تقرير المصير للشعب الكردي، وأولى المسارح الكردية التي تجرأ على إقامتها في عفرين كانوا أهل معبطلي وذلك من خلال حفلاتهم وأعراسهم والمناسبات القومية التي أقاموها، بل وبعد اتصالنا بالأستاذ كمال عبدي وهو من الرعيل الأول في البارتي أي (الحزب الديمقراطي الكردستاني) فقال عبدي بأن محمد علي خوجه لم يكن فقط أحد المؤسسين للبارتي وإنما كان تأسيس أول حزب كردي في بيته بمدينة حلب في الرابع عشر من حزيران عام 1957.
وبالنسبة للايزيديين وللتأكيد على حسهم القومي فما جاء في البيان الانسحابي لمجلس ايزيديي سوريا يشير الى ذلك صراحة وهو يقول بأنه” على الصعيد الكردي ومواقف المجلس الوطني الكردي من حزب الاتحاد الديمقراطي، إننا في مجلس ايزيديي سوريا رغم انتقاداتنا الشديدة لسياسات الاتحاد الديمقراطي وممارساته، إلا أننا كنا ومازلنا نرفض المشاركة في أية فعاليات ونشاطات تسعى إلى خلق صراع كردي كردي، ورؤيتنا لحل الخلافات يتم من خلال العودة إلى الصحوة الكردية ووحدة الصفوف لمواجهة كافة التحديات”، حيث لم يشعر أزيديو سوريا ولا علويو منطقة عفرين بأنهم غير أكراد بل العكس تماماً فكان خطابهم القومي في بعض المواقف أشجع بكثير من خطاب الكرد المحسوبين على السنة.
وفي هذا المقام يمكننا القول وبلا تحفظ بأن كرد سوريا متقدمون جداً على كرد العراق وعلى كرد تركيا معاً، إذ أن هذا الجانب الاشكالي لا يزال يُعاني من علته الكثير من كرد العراق وكذلك كرد تركيا، فأولئك وبكل صراحة وعلى خلاف كرد سوريا استطاعت الأنظمة الحاكمة إحداث شروخ ظاهرة وملموسة حتى على مستوى الممارسات اليومية بين الناس في مجتمعهم، أي شعور التمايز بين كل من المحسوبين على الكرد السنة أو الشيعة أو العلويين أو الايزيديين، بينما كرد سوريا فلا الدين طغى على خطابهم القومي يوماً، ولا كانت الطائفية تشغل بال معظمهم إن لم نقل كلهم. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
*ملحوظة: فالمعلومات المتعلقة بأسماء منتسبي الحركة الكردية في ناحية معبطلي هي من لدن كل من القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني عبدالرحمن آبو والمهندس زهير علي وهو أحد سكان الناحية نفسها.
أما أسماء الاخوة الإيزيديين في الحركة الكردية في منطقة عفرين فهي من قبل المهندس علي أكرم عمر، وجديرٌ بالانتباه أن جل من ذكرهم الاستاذ علي كانوا من حزب الاتحاد الشعبي الكردي أي صاحب أعلى خطاب قومي كردي أنذاك، كما وكان الاستاذ كمال عبدي أحد الذين استشرتهم بخصوص المعلومات الدقيقة عن المؤسسين، وذلك باعتباره من الرعيل الأول في الحزب الديمقراطي الكردستاني بسوريا. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…