الاعتداء المزدوج على رنكين شرو

هوشنك أوسي 
بخلاف ظهورها المعتاد على شاشة قناة «روداو» الكردية العراقية أثناء تقديمها تقاريرها التلفزيونية التي تتناول مواضيع إنسانية أو تسلّط الضوء على الأوضاع المتردية التي يعيشها اللاجئون الكرد السوريون في مخيمات اللجوء داخل كردستان العراق، ظهرت هذه المرة رنكين شرو على الشاشة باعتبارها مادة لتقرير تلفزيوني يرصد معاناة هذه المواطنة الكردية التي لم ترتكب أي جرم إلا أنها تعمل مراسلة في قناة «روداو» التي تتهمها سلطة حزب «الاتحاد الديموقراطي» (الأوجلاني) بأنها قناة أردوغانية موالية لـ «حزب العدالة والتنمية»، ومعادية للحزب الأوجلاني السوري. ظهرت رنكين في بداية المقابلة مصدومة، هادئة، وتؤثر ضبط النفس على البوح الجارح حيال ما ألمّ بها وما تعرّضت له من اعتداء وإهانة وسحل وشتم وطرد من أرض الآباء والأجداد إلى خارج الحدود. ولكن، سرعان ما فاضت العينان بالدمع الغزير، حين وصل الحديث إلى والدها وهي تصف حالته ورؤيته ابنته وهي تهان، فطالبها، دامع العينين، بالعودة من حيث أتت، خوفاً على حياتها.
أجهشت رنكين بالبكاء وهي تسرد حكايتها المؤلمة.
والحكاية، أن الإعلامية أرادت زيارة أهلها في القامشلي. ولأنها تعمل في قناة «روداو» الممنوعة من النشاط في المناطق الكردية السورية من جانب سلطة الحزب الأوجلاني السوري، منعت من زيارة أهلها، كمواطنة عادية، حتى بعد أن أفصحت لهم أنها ليست في مهمة صحافية. ووفق ما ذكرت رنكين أنها طالبتهم بدليل واحد، ضمن التقارير التلفزيونية التي أعدّتها، يؤكد اتهامها بأنها أردوغانية. إلا أن عناصر الأمن رفضوا الاستماع لها وعاملوها بعنف قائلين: «ليس لك مكان هنا. اذهبي إلى تركيا. إلى كردستان العراق التي فتحت أحضانها للأردوغانيين».
وليست جريمة الاعتداء هذه الأولى التي يتعرّض فيها صحافيون كرد للعنف من جانب عناصر الأمن التابعين للحزب الكردي المذكور. لكن ثمة من يرى أن واقع العمل الإعلامي في كردستان سورية أفضل قياساً بما هو موجود في المناطق الخاضعة لسلطة تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة». وينسى هؤلاء أن من غير الجائز مقارنة السيئ بالأسوأ، بخاصّة حين يصدر رأي كهذا ممن يشتغل في حقل الإعلام الحر. وفي تعبير آخر، هذه المقارنة تسعى إلى التغطية على هذه الانتهاكات عبر ذكر انتهاكات «داعش» و«النصرة» بحق الإعلاميين.
والأكثر إيلاماً أن كتاباً وإعلاميين ممن يعملون في قناة «روناهي» التابعة لسلطة «حزب الاتحاد الديموقراطي»، لم يكتفوا بإيجاد التبريرات المخزية لجريمة الاعتداء تلك، ومنعها من زيارة أهلها، وترحيلها قسراً، بل إن إحدى المذيعات في قناة «روناهي»، سخرت من رنكين، وكتبت على صفحتها في «فايسبوك» ما معناه أن رنكين، بعد حادثة الاعتداء، «صارت مشهورة، وستتحدث عنها منظمات حقوق الإنسان، وسيصار إلى إرسال فيزا لها كي تسافر إلى أوروبا». هذا الكلام، يظهر الفاشية الحزبية التي بدأت تتنقل من الوسط الإعلامي التلفزيوني الكردي إلى مواقع التواصل الاجتماعي. وكان الأحرى بتلك المذيعة الحزبية، أن تنحاز إلى زميلتها، التزاماً بأخلاق المهنة، مهما كانت مختلفة معها. أو أقلّه أن تنحاز لرنكين شرو، التزاماً بأخلاق الأمومة، بخاصّة أن رنكين كانت حاملاً، وحادث الضرب والسحل، كان من الممكن أن يهدد حياتها أو حياة الجنين. وعليه، جريمة الاعتداء على رنكين شرو كانت مزدوجة، من سلطات حزب «الاتحاد الديموقراطي» الأوجلاني من جهة، ومن كتبة هذا الحزب وإعلامييه.
جريدة الحياة

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…