عنايت ديكو
هناك جانبان أساسيان في الزيارة التاريخية التي قام بها السيد صـلاح ديمرتاش الى ” هولير ” ، فهما … جانبٌ ظاهري … وجانبٌ باطني .!
الجانب الظاهري
إن زيارة السيد ” صلاح ديمرتاش ” إلى العاصمة الكوردستانية ” هولير ” تأتي في وقتٍ عصيب وزمنٍ مفصلي تاريخي ودراماتيكي مهم، وفي توقيتٍ حسّاسٍ على الصعيدالكوردستاني والإقليمي والدولي . نعم هذه الزيارة تأتي في زمنٍ لم يستطع فيه حزب الـ ” HDP ” من فك تلك العزلة الخانقة التي فُرضَتْ عليه داخلياً وخارجياً نتيجة ارتباطاته العضوية واللصيقة مع مملكة ” قنديل ” والمدعومة من العراق وإيران وسوريا. فلم يبق لهذا الحزب أي هامشٍ يُذكر للعبِ والمناورة ، ولا أي عمق استراتيجي لمشروعه السياسي يُمكّنه من الاعتماد عليه. أجل ، فلم يبق أمامه سوى سلك طريق ” هولير ” الوحيد والشاك . عسى ولعل أن تحصل انفراجات بعد كل هذا القتل والتعنت والاحتقان .
تأتي هذه الزيارة بعد خسارة الـ ” HDP ” بشكلٍ كبير للكثيرمن الأصوات والمقاعد في الانتخابات وحصول انسداد كبيرفي الأفق والحالة الحزبية والسياسية والعسكرية في شمال كوردستان بشكل عام ، خاصة بعد قيام الرفاق بحفر الخنادق وتسيير دوريات وإعلان بعض الكانتونات الوهمية في العديد من المدن الكوردستانية في تركيا وفرض الجبايات والأتاوات في بعض المقاطعات . لكن القشة التي قصمت ظهر البعير ، كانت هي تلك المحاولة الانقلابية العسكرية الفاشلة في تركيا ، والتي هَلَّلَتْ وطبَّلَتْ وزمَّرَتْ لها القنوات التلفزيونية الآيكولوجية الديمقراطية . وبالتزامن مع كل هذه التطورات التي حصلت في الداخل التركي ، صعَّدَتْ جماعة ” ثيران الجبال ” من لهجتها أيضاً وهددت بتحويل تركيا الى ساحات من الدماء والجماجم والضرب بيدٍ من حديد في العمق التركي ، في محاكاةٍ هارمونية للمؤسسة العسكرية التركية وتوزيعٍ للأدوار . وإقليمياً توجهوا بزعيقهم الصاعق الى إقليم كوردستان العراق وأرسلوا تهديداتهم الواضحة والصريحة الى قيادة وحكومة كوردستان بعدم الشروع نحو الاستقلال وإعلان الدولة الكوردية ، وأعلنوا إنشاء كانتون شنغالي إيزيدي في كوردستان العراق ، وباتوا يتكلمون مع حكومة إقليم كوردستان من الشرفة العالية ومن موقع المنتصر وبمنخارٍ ” مُبَوَّزْ ” . خاصة بعد حصولهم على الدعم من الحكومة العراقية والإيرانية ودخولهم منطقة شنغال . لكن بعد فشل الانقلاب العسكري في تركيا ودخول الجيش التركي الى الأراضي السورية وحشر الـ ” PYD ” وإلزامه بالبقاء خلف نهر الفرات وتجميده حتى إشعارٍ آخر ، ولجم تحركاته وعدمالسماح له بالتمدد ، وإزاحة المالكي من المشهد السياسي العراقي وزيارة أردوغان إلى موسكو ووضع ملف الأمة الديمقراطية برمته فوق الرَّفْ ، وزيارة الرئيس البارزاني الى تركيا ومن ثم الى فرنسا وقوله بأن المنطقة مقبلة على تطورات مهمة عميقة وكبيرة. هنا، التقط حزب الـ ” HDP ” الإشارة وأدرك بأن السحر قد انقلب على الساحر ، وحصل إرباك كبير في الحلف الإيراني السوري القنديلي العراقي الروسي ،فباتت قيادة قنديل تبحث عن مخارج لها ، فدفعت بجناح ” الحمائم ” لإطلاق مبادرة جديدة لإعادة ترتيب الأوراق مرّة ثانية ومن جديد . خاصة بعد تلك الخسارات السياسية والعسكرية والشعبية التي مُني بها هذا الحزب في عموم تركيا . فقام جناح” الحمائم ” بإرسال السيد ” صلاح ديمرتاش ” إلى ” هولير ” العاصمة لطلب طوق النجاة وإحياء وإنقاذ ما تبقى من عملية السلام بين الكورد والحكومة التركية . وهذا ما تجلىٰ وجاء واضحاً في كلام الرئيس ” مسعود البارزاني ” عندما قال : بأن الكورد هم بحاجة إلى السلام لا إلى الحرب .وأن الحرب لا تولّد أبداً سوى الخراب والدمار ، وعلى الجميع التفكير جدّياْ في إيقاف الحروب وبأقرب وقت ممكن ، مبدياً استعداده لبذل كافة الجهود من أجل البدء بعملية السلام في تركيا بين الكورد والحكومة التركية . وعلى الضفة الثانية من الزيارة قال السيد ” صلاح ديمرتاش ” : إن الرئيس ” مسعود البارزاني ” هو بمثابة الأخ الأكبر لنا في احتضان الجميع .
ثانياً : الجانب” الباطني”
فالقيادة الكوردستانية تدرك جيداً معاني هذه الزيارة وأبعادها وأهدافها ، وهي بدورها ستستفسر عن أسباب استمرار هذه الحرب في شمال كوردستان ، وعن الدعم اللوجستي العراقي لهذه الحرب ، وستسأل أيضاً أسباب تلك الهجمة الشرسة علىالقيادة والحكومة الكوردستانية من قبل الأمة الآيكولوجية ومن لفَّ لفها .
وبدوره سيستفسر السيد ديمرتاش حكومة إقليم كوردستان عما حصل في زيارات الرئيس ” مسعود البارزاني ” إلى تركيا وفرنسا والاستفسار أيضاً عن نتائجها وتأثيراتها وارتداداتها ، الى جانب العلاقات الدولية والصورة المستقبلية لمنطقة الشرقالأوسط برمتها .
وحتماً ستنقل القيادة الكوردستانية الطلب التركي إلى الطرف الكوردي الديمرتاشي ، وما دار بينهم من ترتيبات ومشاريع .
وستستفسر القيادة الكوردستانية أيضاً عن أسباب فشل مبادرات السلام السابقة ، وتهديد حزب العمال الكردستاني بتحويل تركيا الى مقبرة ، وعن تلك الهجمات ضد الجيش والشرطة والأهداف الأمنية داخل الأراضي التركية .
وستستفسر القيادة الكوردستانية من الأخوة في الـ ” HDP” عن أسباب تشريد آلاف وعشرات الآلاف من العائلات الكوردية وتركها لبلداتها وقراها نتيجة التدمير الكبير للبنية التحتية الذي حصل للممتلكات الخاصة والعامة بكوردستان تركيا ، جرّاء الحرب الأخيرة بين العمال الكوردستاني وبين الدولة التركية والتي كان ضحيتها الأولى والأخيرة … الشعب الكوردي .
الكلمة الأخيرة : لقد جَرّبَ ” الشباب” في العمال الكوردستاني كل أشكال الحروب ، الشخصية والجماعية والعسكرية ، وأيضاً جرَّبوا كل أنواع الشتم والاتهامات والتخوين والتزوير والتصفيات الجسدية والمعنوية والعقلية عبرالقتل والتهديد والتخوين، وأيضاً كل أنواع وأشكال الإقصاء ومحو الآخر وبترهِ من الوجود ، والدخول في التحالفات الرمادية والكيدية ، وممارسة ثقافة جلد الذات للوصول الى اللذة المازوشية الحزبية ، وركوب موجة الإندثار والانتحار .!
لكن يظهر في الأخير ، يتبين لهم وللجميع بأن زيارة ” هولير ” مهمة ولا مفر منها ، وهي البوصلة الوحيدة التي سترشدهم الى العمق الاستراتيجي الكوردستاني لهم .