الصور النمطية المعيقة للعرب والكرد 3/4

د. محمود عباس 
3- مرحلة انتشار الفكر القومي العروبي 
 على مدى القرون الماضية، كان العربي يحمل صورة عن الكردي، الشعب المطيع، لأسيادهم المسلمين، وهي الصورة التي كانت حاضنة لغيرها من المترسخات الذهنية الأخرى عن الكرد، والتي لا تزال المهيمنة على تحديد مواقفهم  من الكرد وقضيتهم، وكانت فيها الكثير من الحقيقة، فصورة لعربي المسلم كان المهيمن في اللاشعور الكردي، لكنها تغيرت وبشكل خاص من بدايات القرن الماضي، انقلبت الصورة، فغلبت عليها الحيز السلبي، وتكونت الاستدلالات النمطية الحديثة هذه عن طريق التراكم المعرفي الذاتي، ووضوح الرؤية عنده، كالتمييز بين العروبي والعربي، وذلك على خلفية ما غرزته الأنظمة الاستبدادية من مفاهيم، المتناقضة عند العربي عن الكردي، وضخها أفكار سلبية في الطرفين، لتفاقم العداوة والكراهية، ولتوسع هوة عدم الثقة بينهم، لديمومة سيطرتها، فحلت صورة العروبي المستعمر مكان العربي المسلم. وقد استخدمت السلطات العربية ثلاث وسائل في هذا التكوين، الإعلام العربي عن الكرد؛ والتعامل السياسي؛ والمجال الثقافي، ومن ضمنها التدريس في المدارس والجامعات، والمسخرة لها شريحة واسعة من المدرسين المتخصصين لهذا المجال.
فالإعلام العربي، ومنذ تصاعد الموجة القومية العروبية، عند ذكرهم للكرد، أحضرته بالصورة النمطية كشعب يجحف فضائل  العرب، لا يؤمن جانبه، وعندما تجاوزوا مرحلة التعتيم على الوجود الكردي، وبدأت المرحلة الجارية والتي لا محيد لإعلامهم من عدم ذكرهم، توجهوا نحو العربي في عمقه، لتبيان الكردي  بصورة مشوهة سياسيا وثقافيا، وضخت وبقوة بين مجتمعهم،  مفاهيم عن الكردي، كالإنسان المشاكس، واللاوطني، وتم تصويره، بأن مطالبه بالحرية أو المساواة تنجرف إلى غاية وحيدة وهي الانفصال، إلى أن بدأت تتكون عند العربي مفهوماً مسبقاً، بأن الكردي تعني العداوة؛ وهو اليهودي بشكل آخر؛ مسلم مرتد عن الإسلام، لأن معاداة العربي تعني لديهم معاداة الإسلام، فمن المعلوم أن العربي ومنذ قرون بدأ يحتضن الإسلام في ذاته، بعدما كان الإسلام تحتضن شعوب الشرق وبينهم العرب، وخير مثال حاضر عند العربي عن الكردي هو تشبيهه باليهودي، وهي الصورة النمطية المدمرة لشعوب الشرق، حيث العداوة المطلقة، نهجا ودينا وفكراً، فاقمت الأنظمة العربية فيها، وسخرت لها شريحة واسعة من مثقفيهم وسياسييهم وكتابهم، لتكوين الصورة النمطية الطاغية عند العامة من العرب عن الكرد، ونقشوا كلمة الانفصال تحت صورة الكردي الموجودة في مخيلة العربي، وهي ذاتها المترسخة في ذهنية الأغلبية من الكتاب العرب، وبينهم العديد من الذين يقدمون ذاتهم على الساحة كوطنيين. فعلى خلفية هذه الصورة، يرفضون وبشكل تلقائي، ودون حوار، المطلب الكردي في الفيدرالية والنظام اللامركزي، ويعرضون استنتاجات مسبقة، تعكس متطلبات السلطات الاستبدادية، فأصبح ذكر الكردي مرافقا بالانفصال، والصورة النمطية هذه عن الكردي الانفصالي حاضرة في كل الأبعاد السياسية والثقافية العربية، وهي في الواقع منافية للغايات وطموحات الكرد.
وفي الحيز الاجتماعي، أو الثقافي، الصورة لا تختلف عن السياسي، إن لم تكن أبشع، وقد زادت عليهم الأنظمة الشمولية والأحزاب القومية الفاسدة، رتوشات لتصبح أكثر قتامة، وبألوان أكثر قتامة. فالتلميذ العربي يلقن ومنذ الصفوف الأولى، أو في المجتمع العربي المحاط به، بأنه صاحب اللغة والسلطة، ومالك الثقافة الإسلامية، والكرد لا يملكون من الثقافة والتاريخ واللغة ما يمكن مقارنته بما يملكونه، مشابهة للثقافة التي كانت تنشرها النازية عن اليهود والفوقية الألمانية، فتتعمق عند الأطفال المفاهيم الشاذة، ويصبح التعامل مضطربا عنده، والصورة هذه تنقل بتشوهاتها المعرفية إلى المراحل الدراسية المتقدمة، وتكبر معه، إلى أن تبلغ الحدود الخطرة، فعندما يبدأ الكردي بالمطالبة بحق المساواة، والتعامل بالمثل، في الشارع وفي الدستور، تكون عادة الردود جاهزة، مبنية على المفاهيم التي تربى عليها العربي، والصورة النمطية المركبة في  ذهنه عن الكردي، وقد أضافت عليها الحركة الثقافية العروبية في العقود الماضية، علل أخرى، منها أن الكردي عالة على الجغرافية التي تسود عليها اللغة العربية، ومطالبه ليست سوى مطالب ناكرا للجميل، وهي صورة نمطية شاذة لها حضور وغياب حسب اللحظة، وقد غيبت الأنظمة العربية الاستبدادية عن شعبها، عند تشكيل هذه الصورة، نظرية المقارنة، وتاريخ الكرد، وأنه كان لهم في الماضي حضارات، ودول، والغزوات العربية الإسلامية الأولى قضت عليها وسيطرت على الجغرافيات مثلما دمرت الحضارات. 
  جمدت الأنظمة العروبية في ذهن العربي صفحات تاريخ الشعوب التي استعمرتها عند تلك اللحظة، وبينهم تاريخ الشعب الكردي، وكونت عندهم صورة الكردي الذي لا دولة ولا تاريخ له، وصاحب الثقافة واللغة الضحلة. دفعت هذه الحالة بالكردي وكرد فعل وقائي، أو التصدي على التعامل العروبي الفج، ولادة الصورة النمطية السلبية عند الكردي عند ذكر أسم العربي، وهي في عمقها لم تكن عدوانية بقدر ما كانت حالة دفاعية، إلى أن ترسخت أفكار الأحزاب العروبية وسيطرت الأنظمة الاستبدادية، فأضطر الكرد على تنميتها لحماية الذات، ونشرت في ساحاتهم الفكرية وعلى الإعلام بشكل علني، ليواجهون بها العروبيين بشكل مباشر، كرد فعل دفاعي على ما يفعله العروبيون وسلطاتهم الاستبدادية، وهاتين الصورتين النمطيتين المعاصرتين، المشوهتين، هي نتيجة أفعال الأنظمة العربية الهدامة، والحركة الثقافية الداعمة لها، والتي لم تكتفي بذلك، بل ولإضفاء البشاعة عليها، نقلتها من الحالة العفوية إلى الحالة التكوينية الذاتية، فأغلبية المجتمع العربي وشريحة واسعة من حركته الثقافية بدأت تنمي ذاتيا، دون مساندة السلطات، مفاهيم عداوة الكرد، فما نسمعه من شخصيات تفرز ذاتها من المعارضة السورية، وبعضها المعروفة حتى البارحة بالوطنية، تعكس ما ذكرناه، بل والبعض تجاوز في تهجمه لغة السلطات الاستبدادية.
    والأغرب أن الأنظمة والحركة الثقافية العربية، لم تكتفي بحلقتها، بل تمادت في نشر هذا الشاذ ضمن المجتمع العربي، إلى أن بلغوا مرحلة ظهور صور نمطية عن ذاتهم ضد ذاتهم، فكثيرا ما تظهر في الإعلام، عن العربي المتخلف، والجاهل، والذي لا يفكر إلا بالجنس، والجلف، واللاحضاري، وغيرها من الصور النمطية السلبية والشاذة عن الذات العربية. 
 في البدايات غرزتها الأنظمة العروبية الدكتاتورية، لديمومة الهيمنة، وتبرئة الذات من التخلف والثقافة اللاحضارية بين الشعب العربي. وقد سخرت لهذه الغاية إعلامها، وكتاب البلاط، ومراكزها الاستراتيجية، إلى أن ساندتها في نهجها هذا شريحة واسعة من الحركة الثقافية والسياسية الانتهازية. وخير مثال عليه، مقولة بشار الأسد العجيبة! عندما قال بأنه في سوريا ألاف الإرهابيين أي في كل عائلة سورية يوجد إرهابي، وأتهم العائلة جميعها بأنهم متعاونون معه! واستنتج بأن سلطته أمام مجتمع سوري مريض، متناسيا، خلفيات هذا المرض، فيما إذا كان فعلا كل المجتمع السوري مصاب به؟! أو يوجد مجتمع سوري مريض، وليست منظمات موبوءة نشرت بقدرة قادر بين المجتمع السوري، وهي من أفعاله ونتيجة عقود من طغيانه وطغيان والده، وما قامت به سلطاتهما وبتخطيط على نشر هذا المرض، وفيما إذا كان فعلا نشروا مرضاً واحداً وليست أمراضاً، ويحاول بشار الأسد، بهذه بالدونية من الحكم، تبرئة ذاته ووالده، مثلما حاولت وتحاول غيره من الأنظمة العربية الفاسدة، المنتجة لكل هذه الأوبئة في شرقنا، التملص من الحقيقة…
يتبعها المطلوب من النخبة 
 
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
8/7/2016م
نشرت في جريدة بينوسا نو العدد(51) الناطقة باسم الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…