تصويب – مغالطات – في ذكرى الخامس من آب

صلاح بدرالدين
بمرور أكثر من نصف قرن على أول محاولة جادة ومدروسة معززة بالشرعية التاريخية والشعبية والتنظيمية وأقصد كونفرانس الخامس من آب لعام 1965 الذي أفرز وبلور النهج القومي الديموقراطي اليساري ودشن مفهوما متجددا معززا بالبرامج والمشاريع في تعريف الكرد وتحديد مطالبهم والعلاقة المصيرية الكردية العربية والموقف من النظام والحركة الديموقراطية السورية والحل الوطني السلمي للقضية الكردية ومراجعة العلاقات القومية وارسائها على أسس صحيحة كنت مشاركا في ادارة عمليتها التي أعتبرها ظافرة الى أبعد الحدود تحضيرا وتنفيذا وقيادة بهدف تصحيح مسار الحركة القومية الكردية في سوريا 
أرى لزاما علي ومن أجل الفائدة العامة وتنوير جيل ما بعد آب بحقائق يراد طمسها من جانب البعض والتوجه بشكل خاص نحو أشبال هبة آذار الذين أبدعوا في تطوير آلية الصراع مع نظام الاستبداد وناشطي الثورة السورية من الحراك الشبابي الكردي الذين أبلوا البلاء الحسن وأثبتوا عن جدارتهم على قيادة المرحلة والأخذ بيد كل من أبدى الغيرة ووضع في سلم أولوياته المساهمة الفكرية والثقافية في اجراء التغيير الجذري في الحركة السياسية الكردية ووضع الحلول لأزمتها الراهنة المستعصية مثقفين ومهتمين بالشأن السياسي وسائر الوطنيين أن أطرح بعض المسائل المهمة التي أراد البعض تشويه حقائقها وأدعو في الوقت ذاته الجميع وبدون استثناء التناول النقدي المسؤول لأنبل وأهم حدث في تاريخ حركتنا .
– أولا  –
الاطار السياسي – الحزب الديموقراطي الكردستاني – سوريا – وليس الكردي كما يقول البعض خطأ ولدت وفي داخله أسباب تناقضاته فقد كان تجمعا قوميا شمل كل الطبقات والفئات الاجتماعية ذات المصالح المتباينة والمواقف السياسية المتباعدة ليس حول الفكرالقومي والطرح الثقافي المعبر عن الشخصية الكردية وليس حول كيفية وسبل حلها فحسب بل حول تعريف الكرد هل هو شعب يقيم على أرضه التاريخية أم جالية مهاجرة لاتتمتع بشروط القوم والشعب وبالتالي يقاس على ذلك درجة وحجم المطالب والحقوق كذلك الأمر بالنسبة لتحليل المشهد الوطني والعلاقة مع الحركة الديموقراطية السورية والعلاقات الكردية العربية والعيش المشترك لم يمر مايقارب العقد من الزمن وتحديدا عام 1965 حتى انفجر الوضع الداخلي واشتد الصراع بكل الأشكال التنظيمية والسياسية والفكرية وأحيانا بأشكال اخرى الا أن تبلورت قضايا الخلاف بين يسار قومي ديموقراطي متنور متقدم ويمين في غاية الأمية السياسية .
– ثانيا –
 عندما اعتقلت قيادة الحزب برمتها ماعدا متزعم اليمين القومي ( وهو مازال كماكان ) والذي كان قبل ذلك عوقب بقرار التجميد بالكونفرانس الرابع بقرية جمعاية عام 1964 ثم تحرك بتنسيق مع الأجهزة الأمنية للاجهاز على الحزب وتحويله الى جمعية اصلاحية وبث أفكاره اليمينية بالتنازل عن الحقوق والاصطفاف وراء المنشقين عن ثورة ايلول في كردستان العراق والمتمردين على شرعية قيادة الثورة والحزب واعتقدنا نحن غالبية رفاق القاعدة الحزبية وخصوصا تنظيمات الشباب والطلبة وبعض القياديين الشرفاء أن الحزب أصبح في خطر وخلال وجودي في حلب بعد معسكر الفتوة بالراموسة قابلت مع رفيق آخر من عفرين ( م . ع )  رفاقنا السجناء بسجن القلعة مرتين وكانوا : عثمان صبري وعبد الله ملا علي ورشيد حمو وكمال عبدي وشرحت لهم الوضع المزري للحزب ورغبتنا في الاقدام على انقاذ الحزب فأيدنا الجميع وباركوا أية خطوة بهذا الاتجاه وبعد عودتي انعقد الكونفراس الخامس من آب 1965 أيضا بقريتنا جمعاية وتشكلت ( قيادة مرحلية ) وتقرر مراجعة أعضاء القيادة المعتقلين بعد خروجهم من السجن للعودة الى مواقعهم وفعلا تم الاتصال بعد عدة أشهر ووافق عثمان صبري على العودة واستلام سكرتارية الحزب .
– ثالثا –
 طرح اليسار المنبثق من كونفرانس الخامس من آب وجهة نظره حول مسائل الخلاف على شكل كراريس وأبحاث ومنشورات وصحف ومجلات بخصوص تعريف اليمين واليسار وتسليط الضوء على موضوعة ( الشعب والأقلية ) وبرنامج التحالف الكردي الديموقراطي ضد نظام الاستبداد ومن أجل حقوق الكرد كما أصدر برنامج الجبهة الوطنية الديموقراطية السورية من أجل التغيير وازالة الاستبداد وأوضح الموقف الواضح المؤيد للثورة الكردية في كردستان العراق بقيادة الزعيم الكبير ملامصطفى بارزاني .
– رابعا –
 لم يكن هناك أي خلاف فكري بين القائدين عثمان صبري ود نور الدين ظاظا ولم يكن الأخير يميني كما يشيع البعض تركز الخلاف الذي ظهر في سجن المزة حول التكتيك السياسي وكيفية مواجهة تهم المحكمة العسكرية وقد سألت شخصيا لأكثر من مرة رفيقنا وسكرتير حزبنا ( سابقا ) الراحل آبو أوصمان حول الموضوع كما التقيت مرتين برفيقنا ورئيس حزبنا ( سابقا ) د نور الدين قبل رحيله وأكد الاثنان على اتفاقهما حول الأسس والمباديء وتعريف الشعب والقضايا الداخلية والنظام الدكتاتوري والموقف من قيادة البارزاني ولكنهما اختلفا في الاجتهاد حول التكتيك في مواجهة المحاكم وتقديم الافادات وكانا متفقان على تقييم متزعم اليمين الذي كان في دائرة الشكوك لصلاته السرية بالأجهزة واللعب على عدة حبال ونزعته الانقسامية التآمرية .
– خامسا – 
 لم يطرد آبو عثمان صبري في المؤتمر والكونفرانس كما يدعي البعض من المنافقين ولم يتهم من جانب حزبنا بأية صفة شنيعة وكنا على اتفاق حول القضايا المبدئية الأساسية بخصوص القضية القومية والمطالب واسلوب النضال ومواجهة مخطط الحزام العربي بالوسائل الممكنة مع وجود اختلافات بطبيعة الحال حول الأمور التفصيلية وبعض المواقف السياسية والتي لم تكن سببا في حدوث الافتراق وكان ومازال – أوصمان صبري – موضع احترام بالرغم من انحيازه الكامل قبل رحيله الى مواقف – ب ك ك – الموالية لنظام الأسد والمناهضة لحزبنا ولكل الحركة الكردية السورية عندما كان – أوجلان – في دمشق لقد ترك هو الحزب بقرار شخصي في الكونفرانس الحزبي المنعقد بعامودا عام 1968 مبررا ذلك برغبته في التوجه الى تركيا واشعال ثورة كردية هناك وحاولنا اقناعه بالعدول وأن شعب كردستان تركيا وحركته السياسية هم ( وليس نحن ) المسؤولون عن تقرير مصيرهم ولكن دون جدوى .
– سادسا – 
  طبعا جملة ظروف وأسباب كانت وراء الأزمة الخانقة في الحركة الكردية السورية من ضمنها تركيز النظام في الجانب الأمني في محاربة الكرد الوطنيين عموما وحزب الاتحاد الشعبي الكردي على وجه الخصوص بعد تكليف المقبور ( محمد منصورة ) للاشراف على الملف الكردي  وجلب ( عبد الله أوجلان ) ورعايته ودعمه لوجستيا وتسليحا وتجميع أعداد من ( المثقفين الكرد !ومنهم من دخل برلمان النظام وتبوأ وظائفا  وبعضهم الآن من الذين لم يحالفهم الحظ في تبوؤ مراكز قيادية لدى حزب أوجلان فانقلبوا عليه شكلا ومازالوا يخدمون مشروع النظام عبرتزوير تاريخ الحركة الكردية ومحاولة اعادة الاعتبار لسلوك ومنهج اليمين عبر مقالات وتصريحات ) لأنهم لم يكونوا جزءا منها وكانوا متواجدين آنذاك بدمشق والمناطق الكردية للقيام بمهام الاحاطة بأوجلان وأفراد قيادته تحت بند الترجمة وتقديم التقارير الدورية والتورط في مهاجمة الحركة الكردية السورية الأصيلة وسيأتي اليوم الذي يتم فيه التوسع في تناول هذه الشريحة الانتهازية التي لعبت دورا سلبيا في احدى المراحل  .
– سابعا – 
 مهما حاول – ب ي د –الغاء الآخر وتجاهل التاريخ السياسي النضالي للكرد السوريين وحركتهم الوطنية منذ – خويبون الثلاثينات – والحزب المنظم الأول أواخر الخمسينات مرورا بمحطة التحول الفكري والسياسي العميقين من خلال كونفرانس الخامس من آب 1965 ومابذلت من جهود انسانية وسياسية وثقافية وقدمت من تضحيات في مواجهة الشوفينية ومخططاتها وأدواتها القمعية على طريق الحفاظ على الوجود وتحديد الهوية والدور والحقوق والبعدين القومي والوطني في مختلف المراحل التي اجتازتها سوريا نقول أمام كل محاولات – ب ي د – الالتفاف على تاريخنا وانكار ماقبل ظهوره الحديث فانه شاء أم أبى ماهو الا دخيل على القضيتين القومية والوطنية ونتاج مشاريع الأنظمة المقسمة للكرد ومزور للتاريخ وسارق شعاراتنا وتحويرها بلغة مغايرة فنحن من طرحنا مبدأ حق تقرير المصير للشعب الكردي السوري منذ نصف قرن وبكل وضوح ومسؤولية تاريخية وبدون مزايدات لفظية أو تجييش للمشاعر  ربطنا تحقيقه بتوفر الأسباب الموضوعية والشروط الايجابية وهي : الاجماع الكردي والتوافق الوطني السوري خاصة مع الشريك العربي والمناخ الديموقراطي المرتبط بانتصار الثورة. 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…