مصطفى أوسو
يبدو أن المرحلة المقبلة من عمر الأزمة السورية، ستشهد معركة سياسية حامية جداً، حول الدستور الذي سيحكم البلاد في المرحلة الانتقالية. وقد ظهرت بوادر ذلك بصدور قرار مجلس الأمن الدولي 2254 وتسريب ما قيل عنها أنها مسودة دستور روسية بتوافق أمريكي، والعمل على إقامة ورشات العمل التي دًعي لها النخب السياسية والحقوقية والثقافية… السورية، من قبل العديد من الأوساط والمراكز الدولية المهتمة بدراسات السلام وحل النزاعات، وحتى من قبل مكتب المبعوث الدولي الخاص لسوريا، السيد ستيفان ديمستورا.
وما يؤكد حماوة معركة دستور سوريا الجديدة، هو أن نظام الأسد، يصر حتى الآن على التمسك بتطبيق دستوره لعام 2012 المعدل شكلياً من دستور عام 1973 في سياق ما أطلق عليه بالإصلاحات بعد أندلاع الثورة، لضمان تحكمه بمسار هذه المرحلة وترتيباتها، فيما لو تم التوافق الدولي والإقليمي على بقاءه مدة زمنية معينة في المرحلة الانتقالية، بالاستناد للسلطات الواسعة التي يخولها له.
المرجعية الفكرية والسياسية لهذا الدستور، هي القومنة العروبية والأدلجة البعثية الشمولية، التي تنفي التعددية القومية والدينية وحتى السياسية في المجتمع السوري، مع ما يترتب عليها من إنكار للخصوصيات الثقافية وحرمان من الحقوق، عدا عن مصادرته للحريات الديمقراطية وحرية الصحافة والرأي والتعبير..
ومقابل ذلك فأن أغلب أطر وتيارات المعارضة السياسية السورية، تطرح تطبيق دستور عام 1950 في تلك المرحلة، وأن كان تمسكها أقل من تمسك النظام درجة، لعدم وجود الإجماع عليه، ولكن حتى المعارضة التي لا تطالب بتطبيق هذا الدستور، فأن مضمون ما تطرحه من رؤى وتوجهات لمستقبل سوريا، ليس بأفضل حالاً من مضمون هذا الدستور، خاصة فيما يتعلق بالقضايا القومية للمكونات السورية.
عموماً دستور عام 1950 الذي ينادي به المعارضة، كي يتم بناء سوريا الجديدة على أساسه، يشترك مع دستور نظام الأسد لعام 2012 في صيغته القومية العروبية وإنكاره للتعددية في المجتمع السوري، حيث تؤكد مادته الأولى على أن سوريا: ” جمهورية عربية ديمقراطية نيابية ” وبالتالي حسب هذا النص لا وجود لأي مكون أخر في سوريا غير المكون العربي.
حصيلة القول: أن لكلا طرفي الصراع الدائر في سوريا، نظاما ومعارضة، نفس العقلية والذهنية المستمد من نفس المرجعية الفكرية والإيديولوجية، فيما يتعلق بالأسس والقواعد والمبادىء الدستورية، التي يجب أن تحكم سوريا الجديدة، وخاصة لجهة التعددية القومية في المجتمع السوري، وبشكل أخص بالنسبة لقضية الشعب الكردي، من حيث كونها قضية أرض وشعب، ألحقت بالدولة السورية الحديثة، باتفاقات ومساومات دولية، وهما يصران حتى اللحظة، على تجاهل هذا الواقع للقضية الكردية في سوريا، ومحاولة الطمس عليه وإنكاره، رغم أن ما تشهده سوريا من مجازر القتل وحالات التشريد والتهجير والتدمير والتخريب…، تقتضي التعامل بعقلية منفتحة تتجاوز رواسب الفكر القومومي والإيديولوجي العنصري، مع كل قضايا المجتمع السوري، والتأسيس لسوريا جديدة، تتسع لجميع أبنائها ومكوناتها القومية والدينية والمذهبية والطائفية، يتمتع فيها الجميع بشكل متساو بحقوقهم القومية والوطنية الديمقراطية، وفق القواعد والقوانين الدولية، وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
وهذا المشترك بين نظام الأسد والمعارضة السياسية السورية، في تجاهل القضية الكردية ومعالجتها في رؤاهما وتصوراتهما السياسية لمستقبل سوريا، لم يعد يخفى على أحد، وهي تظهر بشكل أوضح في المنعطفات الهامة، كما حدث في الفترة الأخيرة أثناء مفاوضات جنيف والوثائق التي تم تسليمها من قبل الطرفين للوسيط الأممي في هذه المفاوضات، وكذلك مواقف الطرفين من الفيدرالية كمبدأ، بعد الحديث عنها من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي ( PYD ).
معركة الدستور لن تكون أقل أهمية من المعارك العسكرية التي تجري على الأرض منذ حوالي ست سنوات، فهي التي ستحدد شكل سوريا المستقبل وتوجهها وحقوق مواطنيها ومكوناتها وعلاقتهم مع الدولة ومع ببعضهم البعض..، ومن هنا وأمام الواقع العام السوري والمتفاعل سلبا مع قضية شعبنا الكردي وحقوقه القومية والوطنية الديمقراطية المشروعة، والتي من الممكن أن تنعكس على وثائق المرحلة الانتقالية وخاصة الدستور، الذي يعتبر القانون الأعلى في الدولة، ومن أجل تدارك آثارها ونتائجها ومفاعيلها الخطيرة جداً على مستقبل قضية الشعب الكردي وحقوقه، لا بد من ترتيب البيت الكردي وتوحيده والاتفاق على رؤية سياسية موحدة ومتكاملة يتم تبنيها في النقاشات الخاصة بالمبادىء الدستورية لسوريا الجديدة.
* المقال منشور في العدد ( 541 ) من جريدة كوردستان، التي يصدرها الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا.