صلاح بدرالدين
القضية السورية
وفي تداعيات الحدث التركي واسقاطاتها على القضية السورية ليس هناك من شك أنها كانت في قلب عوامل محركات الانقلاب الفاشل وضمن أهدافه القريبة والبعيدة وقد يكون من المبكر الولوج بعيدا في تفاصيل الموضوع قبل ظهور نتائج التحقيقات مع المعتقلين من رؤوس الانقلاب ولكن الملف السوري كان حاضرا في كل تفاصيل الحدث ومازال حتى في الشارع والتظاهرات المؤيدة للحكومة الشرعية ومايعزز ذلك أن معظم الانقلابات العسكرية التركية السابقة كانت تتمحور أساسا حول القضايا الداخلية والصراع بين العسكر ككتلة واحدة مع الأحزاب السياسية ماخلا هذه المرة حيث الجيش منقسم وبصمات عملية الصراع الدولي – الاقليمي على سوريا في أبعاده الروسية والايرانية والمذهبية واضحة ومكشوفة على هذا الحدث الذي لم ينتهي بعد .
في سياق التراجع العام للمعارضة السورية بسبب أخطائها وانحرافها عن خط الثورة وأمام خذلان الشعب السوري من جانب ( أصدقائهم ) المفترضين وخاصة الادارة الأمريكية وتحديدا بعد مضيها في التقارب مع ايران واتفاقية – فيننا – والتفاهم مع روسيا شعرت الحكومة التركية بنوع من العزلة ( اقليميا ودوليا ) ورأت بضرورة اعادة النظر في كل مواقفها خصوصا سياستها السورية – التي لم تكن مستقرة أساسا – على ضوء المعطيات المستجدة وكان خطاب الحكومة الجديدة بهذا الصدد متناقضا وغير مفهوم ليس حول روسيا والنظام السوري فحسب بل تجاه الثورة السورية وهو ماحير المراقبين وكأن هناك ماهو مرتقب حدوثه والذي حصل فعلا بعد أيام .
المآخذ على الموقف التركي من المسألة السورية ليست بنت اليوم بالرغم من أن الانقلاب الفاشل قد أعاد طرحها من جديد فقد بانت منذ تحول تركيا أو حكومتها الى طرف مناصر للاخوان السوريين وافساح المجال لهم للسيطرة على ( المجلس الوطني السوري ) منذ قيامه أواخر عام 2011 ناهيك عن الامتيازات الممنوحة لهم والدعم المالي السخي مما أثار ذلك امتعاض الوطنيين والثوار السوريين كما منح ذريعة لمعارضي الحكومة من عناصر الأمن وضباط الجيش وبينهم من المنتمين الى الطائفة العلوية للعمل لمصلحة النظام السوري وضد الثورة وحادثة تسليم قائد الجيش الحر ( العقيد حسين هرموش ) والمضايقات على ضباط الجيش الحر في المناطق الحدودية الموازية للحدود السورية كأمثلة على ذلك .
الملف الكردي السوري
في الشهر الثاني من عام 2012 دعيت رسميا كشخصية وطنية كردية مستقلة من قبل وزارة الخارجية التركية وتباحثت في أنقرة وقبلها في أربيل مع كل من ( فريدون سنرلي أوغلو ) وكيل وزارة الخارجية و خالد جفيك – شفيق – المسؤول عن الملف السوري آنذاك وقد نقلت حينذاك لهما الانطباع السائد لدى السوريين بانحياز تركيا الى – الاخوان – من دون غيرهم وكذلك ارتياب كرد سوريا من الموقف التركي المعادي للكرد في كل مكان وبشكل مستمر وكل ما تلقيته من أجوبة وتبريرات حينها لم تقنعني واستمرت تلك المواقف المتناقضة حتى عشية الانقلاب الفاشل الذي تبين أن بين الانقلابيين ( من عسكريين وأمنيين ومدنيين ) عناصر ساهمت في الاساءة الى الثورة السورية والتلاعب بالملف الكردي السوري فهل ستعيد الحكومة الشرعية النظر مستقبلا في هذه الملفات وتشخص مكامن الخلل ؟.
التعامل التركي مع الملف الكردي السوري لم يكن سليما ففي حين كان المأمول منذ بداية الثورة السورية أن يتم تشكيل لجنة ثلاثية من تركيا بسبب مشاركتها بحوالي ألف كم مع الحدود السورية وعلى جانبيها الكرد وممثلين عن كرد سوريا واقليم كردستان العراق لدوره في القضيتين السورية والكردية وتشاركه الحدود مع كل من تركيا وسوريا كجزء من التنسيق العام حول القضية السورية ومن ضمنه قوى الثورة والمعارضة وكان ذلك كفيلا بازالة الهواجس والتعقيدات وقطع الطريق على كل من أراد السوء من كل الأطراف .
وماحصل للأسف في غضون تلك السنوات الماضية كان بعكس المرتجى وظهر تذبذب المواقف التركية تجاه الملف الكردي السوري واضحا فمن جهة لم يصدر أي موقف رسمي واضح تجاه الحقوق الكردية كما لم يجري العمل على تحقيق اللجنة الثلاثية وهنا وحول هذا البند لاينفرد الجانب التركي بتحمل المسؤولية لوحده بل يتشارك معه اقليم كردستان العراق وحالة التشرذم الحزبي السائد في الساحة الكردية السورية ولكن الخطأ الآخر الذي وقع فيه الجانب التركي اما بشكل مقصود كقرار رسمي أو من جانب فئات وعناصر مدسوسة في المؤسسات التركية وهو الانجرار في خلط القضية السورية بمسألة صراع تركيا و – ب ك ك – بل تجيير الثورة السورية وكرد سوريا لمصلحة حزب – ب ي د – وأجندته الخارجية خاصة بعد استقبال تركيا لوفود ومسؤولي – ب ي د – في أنقرة واستانبول وكأنهم يمثلون الشعب الكردي السوري .
ان طرح سلسلة المآخذ على المواقف والسياسات التركية ماقبل الانقلاب حول الوضعين السوري عموما والملف الكردي السوري بمثابة دعوة الى اعادة النظر وهذا لايعفي بطبيعة الحال السوريين ومن ضمنهم الكرد من مسؤولياتهم في اعادة بناء ثورتهم ومعارضتهم وحركتهم عبر المؤتمرات الوطنية لصياغة البرامج وانتخاب القيادات الجديدة المؤهلة لمواجهة التحديات الماثلة التي تهدد البلاد والعباد كما يجب أن تشكل الأحداث المتلاحقة والخطيرة في تركيا حافزا لمزيد من المراجعة والتقييم والبحث عن مصالح شعبنا ووطننا وثورتنا .