امرأة ستقود العالم – 2/2

د. محمود عباس
  في اليوم الثاني، رد عليها مرشح الجمهوريين “المحافظين” دونالد ترمب، المنقلب خلال السنتين الماضيتين من ديمقراطي ليبرالي إلى جمهوري محافظ، ومن قاعة فندقه سوهو -ترمب بمدينة نيويورك. وبعكس توقعات الإعلاميين، والمحللين السياسيين، والعديد من الناخبين المتبعين لتطورات الأحداث، كان رده هشا من حيث الحجة، وقوة الإقناع، ولم يخرج من إطار الصيغة التهجمية المعروفة بها. ركز على شخصيتها، وإيميلاتها، وخدمتها وعلاقاتها أثناء وجودها كوزيرة للخارجية، وقضية مقتل السفير الأمريكي في بنغازي، واستغلال علاقاتها الدبلوماسية، لمصالحها الشخصية، مع بعض رؤساء العالم، واستلامها الملايين من السعودية ودول أخرى، أتهمتها بأنها أكبر سارقة، وشكك في المصداقية القانونية لثمن محاضرات زوجها ( بيل كلينتون) الرئيس الأمريكي السابق، الذي قبض ثمنها بالملايين من الدولارات،
كما ووصفها بأكبر كاذبة عالمية، ركز على الفضيحة العقارية القديمة التي اتهمت هي وزوجها فيها، عندما كانا محاميين، في أركنساس، والتي سميت حينها (المياه البيضاء) وهي شراء وبيع أراضي، علما أن القضية أحيلت إلى المحاكم، وتم إصدار الحكم حينها، مع ذلك دونالد ترامب، لم ينجح في لفت انتباه المواطن الأميركي؛ أو الإعلام لخططها الاقتصادية المستقبلية، والمستندة على استراتيجية الديمقراطيين، دافع ترمب عن ذاته بأسلوبه الشاذ المعروف، وخاصة حول قضية الكازينو، والإفلاس، وما ذكرته حول ما يلبسه من ألبسة على إنها من صنع الخارج، وهو يريد مقاطعة العالم.
  كرر أسم المرشحة الديمقراطية تقريبا عند كل جملة ذكرها، رغم التصنع في الهدوء، لكن الترديد عكس ضغينة شخصية أكثر منها دحض لما طرحته من نقد لأفكاره. ومن حيث الأسلوب الخطابي، كان ركيكا في تسلسل العرض، بُنيت على جمل متناثرة، فخرجت كلمته دون المستوى المتوقع، بالنسبة لشريحة السياسيين، هذا ما ذكر الإعلام الأميركي. قد تكون كلمته دغدغت مشاعر الشريحة المحافظة من الناخبين، ولم يثر انتباه الإعلام، كما يحدث عادة بعد كل كلمة، باستثناء نعته إياها بالكاذبة العالمية؛ والسارقة. وعلى الأغلب ستركز، لاحقاً، هيلاري كلينتون على الحيز الاقتصادي كثيرا لترمب، فقد تبين بأنه أحد أهم جوانب ضعفه، في الوقت الذي كان ترمب يعتبرها من مراكز قوته. 
  الصراع لا يزال في بداياته، والمسيرة طويلة، وسيكون حديث الإعلام الأميركي الدائم والمتواصل. هذه التفاصيل الشخصية لها تأثير على مواقف شريحة من الناخبين الأميركيين، إلى جانب استراتيجيتهم المستقبلية، مثلما يجري ومنذ أكثر من سنة. سيصرفان على حملتيهما ملايين كثيرة؛ حيث بلغ ما جمعته هيلاري كلينتون منذ بداية الحملة وحتى الأن 314 مليون دولار، ودونالد ترمب، ما عدى أمواله الخاصة، 66 مليون دولار، وهنا كان مكمن النقد على دونالد ترمب، وهو ما ركز عليه الإعلام، فيشاع بأنه لو دفع ما تحدثت عنه مراكز الدعاية والإعلام كمصاريف لبلغت 3 مليار دولار، مع ذلك يتباهى بأنه يصرف من أمواله على حملته الانتخابية، وهو في الواقع ليست سوى عمليات ربح قانوني لذاته ولمؤسساته، فكل ما يصرفه تذهب إلى شركاته وفنادقه ومطاعمه. وبشكل عام وبخلاف الحملات الرئاسية السابقة فحملة السيد ترامب توصف من قبل الإعلام الأميركي بأنها أكثر الحملات الأميركية سخونة وضراوة، ولا نزال على مسافة ستة أشهر من النهاية.  
  ومعظم التوقعات تبين أن حظ هيلاري كلينتون بأن تكون سيدة أميركا، وزوجها الرئيس السابق أن يكون هو الجنتلمان الأول لأميركا، فهو الاقتصادي الناجح، عندما غادر البيت الأبيض، كان في ميزانية أميركا فائض يتجاوز 281 مليار دولار. تشير إحصائيات مراكز الدراسات الاستراتيجية المختصة، وشبكات الإعلام كالـ CNN والفورين بوليسي، تقدم المرشح الديمقراطي على المرشح الجمهوري، الذي يشمئز منه أقطاب من الجمهوريين، أمثال آل بوش، لرعونته، وتبجحه، وتطاوله على شخصيات سياسية وقضائية، وكذلك على الأقليات، تحت حجة الهجرة غير الشرعية، والإسلام تحت مفهوم الإسلام الراديكالي والإرهاب، كما واشتراطه على الدول الموجودة تحت الحماية الأميركية بدفع تكاليف تلك الحماية، وأيضاً رده غير اللائق على البابا في الفترة الماضية.
  توقعات تلك المراكز مبنية على تحليلات خلفية نجاحه ضمن الحزب ذات الأغلبية المحافظة، وهذا لا يعني أن الناخب الأميركي يتبنى وجهة نظر تلك الشريحة.  ومعظم الجمهوريين ينزعون إلى الذهنية الفوقية للعرق الأبيض، ولكن بشكل مخفي، خشية من القوانين، وهم أقلية بين الشعب الأمريكي. وإذا كنا نعلم، أن نسبة الجمهوريين لا تتعدى 27% من جملة الناخبين، والديمقراطيين 30%، وما تبقى مستقلون، ويقال المترجحون، وهي 11 ولاية، كولاية أوهايو، وفلوريدا وكاليفورنيا وغيرهم، وتسمى بالولايات الراجحة، ويتم التركيز عليها كثيرا لتأمين النجاح، ونسبتهم تبلغ 43% وبضمنهم الأحزاب ألـ 16 المذكورة سابقاً، مع الانتباه أن هذه النسب في تغير دائم. 
   وكلمة الأغلبية، والتي تعني الأوروبيين من سكان الولايات المتحدة الأميركية، أصبحت حالة نسبية، ترجحها الأن الأقليات إذا جمعت مع بعضها، ومعظمها في هذه الحملة الانتخابية تساند المرشحة الديمقراطية، كما والإحصائيات الأولية بين النساء ترجح حصول هيلاري كلينتون على قرابة 70% من أصواتهن، ولكن النسبة تراجعت قليلا في الشهر الماضي. يرجح مركز بلومبرغ امتناع نصف مؤيدي المرشح الديمقراطي السابق بارني ساندرز والمنافس لهيلاري كلينتون عن التصويت أو التصويت لمرشحي أحد الأحزاب الستة عشر، لكننا نتوقع العكس لأنه تنازل عن ترشحه، وترك المنافسة، وقام بتأييد هيلاري كلينتون. وتوقعات مراكز أخرى تبين تقدمها بين مجمل الناخبين الأمريكيين، وحصتها حتى اليوم تبلغ 47% مقابل 36% والنسبة الباقية متأرجحة. علما أن نسبة 51% من المنتخبين وجدوا أن دونالد ترمب أفضل لأمريكا لتحسين الاقتصاد، هذه الإحصائية كانت قبل كلمة هيلاري كلينتون حول سياسة دونالد ترمب الاقتصادية، ونتوقع إحصائيات جديدة مغايرة لما مر معنا، وذلك بعد انعقاد مؤتمري الحزبين. 
  ومن الأهمية ذكره، أنه في الفترة الرئاسية الأخيرة للرئيس براك أوباما، خسر الديمقراطيون أغلبية المقاعد في السنات (مجلس الشيوخ) فأصبحت النسبة 54 سناتورا جمهورياً مقابل 45 من الديمقراطيين، وواحد مستقل، وكذلك في مجلس النواب لصالح الجمهوريين والبالغ عددهم 247 مقابل 187 ديمقراطيين، ومثلهم في رئاسة الولايات 31 ولاية جمهوريون و18 ديمقراطيون وواحد مستقل، وهو ما كان متوقعا أن تكون في صالح المرشح الجمهوري، لكن دونالد ترمب بسياسته الرعناء، كما وصفها أحد الجمهوريين، يقلل حظ الحزب في الفوز. 
  معظم التوقعات ترجح هيلاري كلينتون، وعلى الأغلب ستكون المرأة الأولى في التاريخ الأميركي، وبعد قرن من حصول المرأة الأميركية على حق الانتخاب في آب عام 1920م على مستوى الدولة، بالدخول إلى البيت الأبيض كرئيسة للولايات المتحدة الأميركية، والغريب أن الأغلبية من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ حينها كانوا ضد حق المرأة في الانتخاب. علماً أن براك أوباما دخل البيت الأبيض كأول أفريقي-أمريكي قبل المرأة الأمريكية، رغم أن زنوج أمريكا تم تحريرهم من قبل الجمهوريين، في عهد الرئيس أبراهام لينكولن ( 1809-1865م)، وحصلوا على حق الانتخاب بقرار فيدرالي نهائي من مجلس القضاة الأعلى عام 1966م.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamkurda@gmail.com
22/6/2016م  

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

النقل عن الفرنسية إبراهيم محمود باريس – أكد البروفيسور حميد بوزأرسلان على ضرورة تحقيق الكُرد للاندماج الداخلي، وشدد على أن المسألة الكردية، بسبب الاستعمار فوق الوطني لكردستان، لا تقتصر على دولة واحدة بل هي شأن إقليمي. وتحدثت وكالة الأنباء ANF عن المسألة الكردية مع حميد بوزأرسلان، مؤرخ وعالم سياسي متخصص في الشرق الأوسط وتركيا والمسألة الكردية، يقوم بالتدريس في كلية…

درويش محما* خلال الاعوام الستة الماضية، لم اتابع فيها نشرة اخبار واحدة، وقاطعت كل منتج سياسي الموالي منه والمعادي، وحتى وسائل التواصل الاجتماعي لم اتواصل معها ولا من خلالها، والكتابة لم اعد اكتب واصبحت جزءا من الماضي، كنت طريح الخيبة والكآبة، محبطا يائسا وفاقدا للامل، ولم أتصور للحظة واحدة خلال كل هذه الأعوام ان يسقط الاسد ويهزم. صباح يوم…

إبراهيم اليوسف من الخطة إلى الخيبة لا تزال ذاكرة الطفولة تحمل أصداء تلك العبارات الساخرة التي كان يطلقها بعض رجال القرية التي ولدت فيها، “تل أفندي”، عندما سمعت لأول مرة، في مجالسهم الحميمة، عن “الخطة الخمسية”. كنت حينها ابن العاشرة أو الحادية عشرة، وكانوا يتهكمون قائلين: “عيش يا كديش!”، في إشارة إلى عبثية الوعود الحكومية. بعد سنوات قليلة،…

سمير عطا الله ظهر عميد الكوميديا السورية دريد لحام في رسالة يعتذر فيها بإباء عن مسايرته للحكم السابق. كذلك فعل فنانون آخرون. وسارع عدد من النقاد إلى السخرية من «تكويع» الفنانين والنيل من كراماتهم. وفي ذلك ظلم كبير. ساعة نعرض برنامج عن صيدنايا وفرع فلسطين، وساعة نتهم الفنانين والكتّاب بالجبن و«التكويع»، أي التنكّر للماضي. فنانو سوريا مثل فناني الاتحاد السوفياتي،…