محاولة في فهم الحدث التركي

 صلاح بدرالدين
بعد اندلاع الثورة السورية اتخذت الحكومة التركية موقفا داعما لها وفي المرحلة الأولى كانت تطمح الى جانب دولة قطر استثمار ثورات الربيع لمصلحة الاسلام السياسي وخصوصا أحزاب حركة الاخوان المسلمين ولكن بعد هزيمة الاخوان بمصر وتراجعهم في تونس وانهيارهم وتحولهم الى عصابات مسلحة في ليبيا تضاءلت طموحات الحزب الحاكم في تركيا وكانت في مراجعة حساباتها منذ تشكيل الحكومة الجديدة قبل نحو شهر ولكن خلال السنوات الخمس المنصرمة وبسبب استعصاء الحل السوري وتفاقم مخاطر – داعش – وظهور الدور الروسي على المسرح والتعاون بين واشنطن وموسكو والتباعد بين أنقرة ودول الناتو وبعد الاتفاق النووي الايراني تزايدت أعداد الأطراف المعادية والمخاصمة لتركيا ودورها في المنطقة الى درجة تمني البعض ازالتها دولة وحكومة .
لاشك أن أول من تصدى للانقلابيين وكسر شوكتهم وأفسد خطتهم هو الشعب الأعزل اضافة الى قوى الأمن الداخلي والمخابرات وكذلك شخصية الرئيس التركي التي لم تتزعز ولم تنهار رغم كل المخاطر والضغوطات وعليه أن لايتصور لحظة أن مقاومة الانقلاب لم تكن من أجل عيونه أو طموحاته الشخصية بل جاءت كرها للعسكر الذي تسلط وأساء وتآمر على حقوق الشعب منذ عقود وكوفاء لشعوب تركيا عليه رد الجميل واحقاق الحقوق والتراجع عن طموحاته الامبراطورية والبدء فورا باحياء العملية التفاوضية السلمية لحل القضية الكردية والخروج مع حزبه نهائيا من أوهام الاسلام السياسي – الاخواني – والمضي في دعم الشعب السوري ونصرة قضيته وثورته حين ذاك سيتعزز موقع تركيا وستفشل كل المخططات المعادية من الداخل والخارج .
المحاولة الانقلابية الأخيرة الفاشلة تكون السادسة منذ اعلان الجمهورية التركية على أنقاض الامبراطورية العثمانية ودائما كان الجيش على حق ! بحسب البيان رقم واحد وسيد الموقف المنتصر على السياسيين المدنيين الفاسدين وحامي حمى نهج – كمال أتاتورك – القومي باني أول جمهورية تمجد العنصر التركي وتتجاهل المكونات الأخرى ورافع راية العلمانية أمام موجات المد الاسلامي حقيقية كانت أم وهمية الا هذه المرة التي شكلت استثناء حيث لم ينجح الانقلابييون ولم يسمع عامة الناس ببيانهم الذي أطلقوا عليه كمحاولة لجلب الاهتمام ( مجلس السلام ) بل سقطوا وتشتتوا وانهاروا منذ الساعات الأولى لأسباب عديدة .
منذ تسلم حزب العدالة والتنمية الحكومة منذ أكثر من عقد من الزمن كان واعيا لدور الجيش في الحياة السياسية التركية ولم يضع في برنامجه مناطحة الجيش أو ازاحته من موقعه الطبيعي المتواصل منذ قيام الجمهورية وهو التحكم من وراء الستار ويخطىء من يظن أن الحزب الحاكم في صراع مع العسكر بل بالعكس تماما هناك اعتراف بدور الجيش القومي وحمايته للدستور ونهج أتاتورك وقبول لامتيازاته المتوارثة منذ عقود وانسجام وتوافق على تقاسم السلطات واتفاق على السياسات الخارجية والقضايا الداخلية وخصوصا القضية الكردية .
هناك خصوصية تركية تتميز عن نظيراتها من دول الشرق الأوسط : حكومة اسلامية في دولة علمانية آسيو- أوروبية وحتى اسلامية الحكومة تختلف من حيث الشكل والمضمون والممارسة والوسائل عن اسلامية حكومة الاخوان المسلمين ( سابقا ) في مصر والحزب الحاكم الفائز في انتخابات ديموقراطية ( ع ت ) لم يعلن ولم يسعى ( الا بصورة بطيئة تكاد لاتلاحظ ) الى أسلمة المجتمع أو – اخونته – كما عمل على ذلك الرئيس المصري وحزبه عندما فاز بنسبة ضئيلة ومطعونة بصحتها أصلا كما أن حزب العدالة والتنمية التركي كأنه يجسد معاني الموقع الجغرافي لتركيا نصف آسيوي يميل الى التدين ونصف أوروبي أقرب الى سلوك الأحزاب المسيحية الديموقراطية التي لاتجسد القيم الدينية المعروفة ولاتحمل آيديولوجيتها الكنسية قبل فصل الدين عن الدولة والسياسة منذ الثورة الفرنسية ونهضة أوروبا بشكل عام .
وفي احتساب القوى التي يمكن أن تكون شريكة في الانقلاب الفاشل أو متمنية نجاحها لابد من تشخيص الأطراف المناوئة لحكومة أنقرة ففي الداخل هناك أحزاب المعارضة وضمنها حزب الشعوب الديموقراطية المحسوب على الكرد التي وان وقفت الى جانب الشرعية بعد فشل الانقلاب فانها تسعى الى اسقاطها بالطرق السلمية وليس لها امتدادات تذكر ضمن صفوف الجيش وهناك أيضا المكون العلوي المناهض للحكومة وله وجود فعلي ضمن الجيش والمؤسسات الأمنية ومن غير المستبعد أن يكون لهؤلاء صلات مع أجهزة النظام السوري ومن خلاله وحديثا مع الأوساط الروسية العسكرية والأمنية المتواجدة على الأراضي السورية وبالقرب من الحدود مع تركيا وكذلك مع الجهات الايرانية .
ولانستبعد هنا فرضية أن جزءا هاما من الاتفاق النووي الايراني كان لغير صالح تركيا لا على الصعيد الاقتصادي ولا بمايتعلق باستراتيجية الدفاع والدور التركي في الشرق الأوسط اضافة الى اختلال التوازن في صراع السنة والشيعة المحتدم بحسب منظور ومفهوم الدول الحاكمة بالمنطقة كما أن التقارب الأمريكي – الروسي الى حد التفاهم والتنسيق السياسي والعسكري حول سوريا موجه في الأساس ضد تركيا وسياستها ومشروعها وهذا مادفع الأتراك الى الاسراع في تحسين علاقاتها مع اسرائيل وروسيا والتوجه لاصلاح ذات البين مع العراق وايران وحتى سوريا النظام أو مابعد الأسد وقد ظهرت ملامح خلال الساعات الأولى للانقلاب تشير الى ضلوع قوى خارجية أو معرفة بعضها واطلاعها على حدوث ذلك كما أن الموقف الفرنسي والألماني لايتسم بأدنى شروط الصداقة مع تركيا بل يخترق المفاهيم الدبلوماسية واحترام سيادة الدول .
– للبحث صلة 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…