جان كورد
وقف ممثل بريطانيا في برلمان الاتحاد الأوربي ليعلن للحاضرين من مختلف دول الاتحاد بأن شعب بلاده قد قرر الخروج من الاتحاد، فتلقى البعض إعلانه بقليل من الامتعاض وعدم الرضا، إلا أن أحدا لم يعترض اعتراضا واضحا على إرادة الشعب البريطاني الذي اتخذه بموجب استفتاء ديموقراطي نزيه. ثم نهض أحد الأوربيين المتحمسين للاتحاد وقال للنائب البريطاني: “طالما قرر البريطانيون الخروج من الاتحاد، وأنت أحدهم، فماذا تفعل الآن بيننا، فهيا إلى بلادك.” عبارة تكاد تشبه هذا القول العربي الشعبي: “انقلع من هون قبل أن نطردك.” إلا أنها أقسى ما سمعه البريطانيون وهم يدعون خلفهم هذا الاتحاد الكبير الذي يضم شعوبا ودولا عديدة، ويبدو أن البريطانيين لن يخافوا من هجوم مباغت لجيوش فرنسا وألمانيا وإيطاليا واسبانيا وسواها من جيوش دول الاتحاد ليرغموهم على العودة إلى بيت الطاعة.
لماذا يحدث هكذا في أوروبا؟
باختصار: إن الشعوب الأوروبية والأحزاب التي تمثلها والحكومات والزعماء في هذه القارة التي شهدت حروبا فظيعة للغاية، ومنها الحرب العظمى والحرب العالمية الثانية اللتين راح ضحيتهما معا ما يقارب الثمانين مليونا إنسانا، قد تعلمت أن إرادة الشعوب هي الأقوى والأهم، وأن لا صوت فوق صوت الشعب، إنجليزيا كان أو سويديا أو برتغاليا أو بولونيا أو غيرها… ولأن أوروبا تؤمن بالديموقراطية قولا وعملا. وبعد الاستفتاء البريطاني فإن السياسيين الذين كانوا ضد الخروج من الاتحاد الأوربي سيتنازلون عن مناصبهم لمن كان ضد بقاء بريطانيا في الاتحاد، وهكذا ستجري الحياة بشكل اعتيادي، وستتعاون بريطانيا مع الاتحاد، وكذلك مع كل دولة من دولها، وكأن شيئا لم يحدث، فأمن واستقرار ورفاه وتطور البلدان في تعاونها وليس في سفك الدماء وتدمير المدن ونشر الرعب والإرهاب وإدانة بعضها بعضا…
وفي منطقة الشرق الأوسط، حيث تشعر القيادة الكوردية في إقليم جنوب كوردستان اليوم أنها غير قادرة بعد الآن على العيش مع النظام السياسي المركزي في بغداد، وتعلن فشلها في اقناع الحكومة، المفترض أنها لكل العراقيين، بأن لكوردستان الذي لايزال حتى هذه الساعة إقليما عراقيا حقوق يجب أن تعطى، وشرعت هذه القيادة في التمهيد لطرح مسألة البقاء ضمن الكيان العراقي أو الاستقلال في استفتاء شعبي يمارسه الشعب الكوردي في جو ديموقراطي نزيه، سنجد حتى سياسيي العرب في شمال أفريقيا يحشرون أنوفهم في المسألة ويقفون ضد استفتاء الشعب الكوردي على تقرير مصيره بنفسه، وها نحن نسمع التهديدات والتلفيقات والاتهامات بأن الكورد حلفاء إسرائيل، وما يقومون به لصالح إسرائيل، وبأن البارزانيين “يهود” وما إلى هنالك من أكاذيب ودسائس، وفي الوقت ذاته يسكتون عن عودة المياه إلى مجاريها بين أنقره وتل أبيب، كما يغضون الطرف عن اعتراف بعض الدول العربية بإسرائيل وتبادل السفراء معها، وقد يقدم بعضهم على شن الحرب على الكورد وكوردستان وتسخير العملاء والجحوش من أجل عرقلة أو منع قيام شعبنا بالاستفتاء الذي هو حق طبيعي لكل الشعوب.
وبغض النظر عن أهمية اجراء الاستفتاء بصدد استقلال كوردستان أو عدمه، فأنا لا أراه ضروريا وواجبا لا بد منه، فالأوضاع الاقتصادية والسياسية في الإقليم خاصة وفي العراق عامة ترينا أن الكورد لن يتمكنوا من العيش في ظل هذه الظروف الرديئة وتطوير بلادهم وهم تابعون لحكومة مركزية عراقية لا تهتم بمشاكلهم ولا تمنحهم حقوقهم كاملة وتسعى بشتى الوسائل للإضرار بالشعب الكوردي.
من البدهي أن نجد أقلية ضئيلة من العرب الحكماء يؤيدون اجراء الاستفتاء ولا يعارضون قرار الشعب الكوردي الذي سيتخذه بمحض إرادته ووفق القانون الدولي، وهم مشكورون في ذلك من قبل الكورد، إلا أن الغالبية العربية، حتى في السودان وصوماليا والجزائر، بل حتى المهاجرون العرب في شتى بقاع الأرض في غالبيتهم سيشحذون سواطيرهم وألسنتهم للنيل من شعبنا، لأن العنصرية التي سلبت عقول وأفئدة أجيال متتالية منهم لا تزول إلا بوجود أنظمة عربية ديموقراطية مؤمنة بالحرية وتحترم إرادة الشعوب، كما هو وضع الأوربيين في موضوع خروج البريطانيين من الاتحاد الأوربي، دون ولولة وتهديدات وطعن وسباب ومؤامرات على بريطانيا، فأين هو النظام العربي الديموقراطي الذي يعلم الأطفال مبادئ الديموقراطية ويحترم إرادة شعبه أو شعوب العالم الأخرى؟
المشكلة لا تكمن في الجماهير العربية، وإنما في تربية الأنظمة الفاسدة وغير الديموقراطية والرافضة للتمدن والتحضر الحقيقي.
إن القيادة الكوردستانية ستسحب البساط من تحت أرجل المعادين لاستفتاء شعبها بأن تعلن الاستقلال الكوردي من دون استفتاء، وسنرى من هم أبناء كوردستان الذين يفضلون الخنوع والخضوع لحكومة بغداد، فليخرجوا إلى الشوارع منددين باستقلال شعبهم ويعرضوا أنفسهم لازدراء العالم المتحضر بأسره، وليس الأمة الكوردية وحدها.
29 حزيران، 2016