ذكرى تأسيس اول حزب كوردي في سوريا

محمد قاسم
انا مواليد 1951 عندما تأسس اول حزب عام 1957 كان عمري ست سنوات ومن حظي ان اخي المرحوم محمد حسين قد انضم الى هذا الحزب باكرا-لا أستطيع تحديد التاريخ والتفاصيل، فتلك أشياء كانت لا تزال يكتنفها السر والاخفاء. لذا فقد كنت قريبا من بعض ما ربما يخفى على غيري. 
في ديرك مثلا، كنت ادرس الصفوف الثاني والثالث والرابع، كنت الاحظ لقاء اخي بزملائه في الدراسة، يتحدثون عن قضايا سياسية؛ كانت تغمض عليّ أحيانا، لكنني كنت أدرك انه نشاط حزبي خاف، وفي الكشف عنها خطورة، كان أخي يثق بي، فلا يخفي عني سوى ما له خصوصية حزبية جدا، كنا نسكن معا، ويحتاجني لأعمال أحيانا.
وعندما حل موعد الاحتفال بعيد نوروز، لم يعلم بالخبر سوى عدد قليل من الرعيل الأول من منتسبي الحزب، وأربعة أطفال في الصف الثالث أو الرابع الابتدائي-كما اذكر-وهم: إبراهيم حاجي، هازم لوند، سليم حمي، محمد قاسم. وأعطي كل منا مبلغ ليرة سورية واحدة. اشترينا به ما نحتاجه من الخبز (سعر الكيلو حينها سبعة فرنكات) وطعاما؛ بندورة (سعر الكيلو فرنكين) والعنب كذلك وعلب سردين…الخ. وكنا في باجريق باكرا حيث مكان الاحتفال.
على حافة نهر باجريق الجاري زيادة في التخفي كان هؤلاء يحتفلون بالنوروز، لا أتذكر من تفاصيلها سوى رقصة (فقتي) وأغنية:
” از كوردم .. كوردم.. كوردم –ولّاتي مه كوردستان. ميرو ﮔرناس ومردن-تـﭪ عـﮕيد و ﭙيلوان.
وصورة (أبو روشن) والخيزران في يده يلوّح بها ويلقي قصائد او أغنيات…
وفي قامشلي حيث درست الصفين السابع والثامن …كان اخي هذا لا يزال منتميا للحزب، وكنت ألاحظ اجتماعات بينه وبين زملاء له في المدرسة منهم من عرفته ومنهم من لم اعرفه مباشرة في غرفتنا، وكنت أقدم لهم الشاي وما يحتاجون.
ومذ ذاك كنت أسمع أن بعضهم لديه ما لا يرضى عنه زملاؤه من وسائل، ولا أدرى بالضبط، فقد تكون من طبيعة السياسة، لكن شبابا في المرحلة الثانوية لا يزالون مشبعين بقيم أخلاقية وحماس نضالي قومي/وطني… لم يكونوا يتأقلمون مع ذلك، فتظهر على ألسنتهم معاتبات تصل –أحيانا –إلى حد التذمر.
ولا زال نبأ لا أتذكر تفاصيله، هو أن شابا أقدم على الانتحار في احدى الاجتماعات –ربما مؤتمر-بسبب الضغوط الشديدة عليه لغايات خاصة كما ذكر المرحوم الحاج خليل طاهر.
في السياسة روح تنافسية تحاول كسب المواقف لكن بعضهم فقط يدمرون العلاقات بروح شريرة عدوانية ذات طبيعة أنانيه… استطاع الغرب تجاوز هذا النزوع المنحدر، لكنه لا يزال منهجا لدى سياسيين في مجتمعات متخلفة وغالبا ما يكون وراء تغذيتها قوى غريبة منتفعة ذات طبيعة استخباراتية. وأخشى أن الكورد من هذه المجتمعات. وبالذات نخبة قيادية لا تزال مؤثرة في حياة الشعب الكوردي.
ومن المؤسف أن الجميع ساهم في انقسامات ضارة، ولم يعترف أحدهم حتى اللحظة بانه أخطأ بل هناك من كان مسؤولا عن الحركة كلها ولا يزال مستمرا في عمل حزبي جزئي، ويظل يتهم الآخرين بالانحراف دون أن يراجع نفسه للحظات يستعرض فيها أخطاءه.
مقارنة بسيطة بين كاميرون وموقفه في ترك منصبه دون إكراه وبين قيادات حزبية تصر على الاستمرار في المنصب حتى لو كرس كل ما يسيء إلى القضية؛ تشير إلى أن الكورد لا يزالون في آخر الركب الثقافي /السياسي.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   مرت مئة يوم ويوم على سقوط الأسد، لكن الواقع الذي يعيشه السوريون اليوم يتجاوز بكثير الساعات التي مضت. هذه الأشهر الماضية التي تنوف عن الثلاثة كانت مليئة بالتحولات السياسية غير المنتظرة، إلا أن الواقع الأمني والمعيشي للمواطن السوري لم يتحسن بل ازداد تدهورًا. إذ من المفترض أن يكون تأمين الحياة للمواطن السوري هو أولى الأولويات بعد السقوط،…

شيروان شاهين تحوّل الصراع في سوريا، الذي بدأ منذ 14 سنة كحركة احتجاجات شعبية، من حالة صراع بين ميليشيات مسلحة وسلطة منهكة على مستوى أطراف المدن والأرياف إلى صراع طال شكل الدولة ككل. حيث أفرزت الحرب الأهلية واقعًا وعنوانًا جديدًا في 8 ديسمبر 2024: انهيار دولة البعث وإعلان دولة القاعدة. تميّز حكم البعث، الذي بدأه أمين الحافظ “السني”…

اكرم حسين   طرح الأستاذ عاكف حسن في مقاله هل ما زلنا بحاجة إلى الأحزاب السياسية؟ إشكالية عميقة حول جدوى الأحزاب السياسية اليوم، متسائلاً عمّا إذا كانت لا تزال ضرورة أم أنها تحولت إلى عبء ، ولا شك أن هذا التساؤل يعكس قلقاً مشروعًا حيال واقع حزبي مأزوم، خاصة في سياقنا الكردي السوري، حيث تتكاثر الأحزاب دون أن تنعكس…

صلاح عمر   ثمة وجوه تراها حولك لا تشبه نفسها، تبتسم بقدر ما تقترب من الضوء، وتتجهم حين تبتعد عنه. وجوهٌ لا تعرف لها ملامح ثابتة، تتشكل وفقًا لدرجة النفوذ الذي تقترب منه، وتتلون بلون الكرسي الذي تطمح أن تجلس بقربه. هؤلاء هم “المتسلقون”… لا يزرعون وردًا في القلوب، بل ينثرون شوك الطمع على دروب المصالح. لا تعرفهم في البدايات،…