تدويل استقلال كوردستان ضرورة

جان كورد
في أعوام التسعينيات زرنا باسم الهيئة الإدارية للمؤتمر الوطني الكوردستاني، أنا والجنرال الراحل عزيز عقراوي (كاتب ومنشق سابق عن الثورة الكوردية في عام 1975)، حسب موعد كان قد أخذه لنا زميل آخر من الهيئة الإدارية، مقر قيادة حزب ليبرالي في السويد، في مدينة    Linköpingفدارالحديث الذي دام ما يقارب الساعة حول طموحات الشعب الكوردي وحقه في الحرية والاستقلال، وقدم الجنرال عقراوي لمسؤولي الحزب نسخة من مذكرة بالإنجليزية، كان قد كتبها وأرسلها باسم المؤتمر الوطني الكوردستاني إلى منظمة الأمم المتحدة من قبل، فقال مسؤولو الحزب: إن السويديين على الأغلب يثمنون جهود الكورد عموما من أجل حريتهم واستقلالهم، ومن جهتهنا كحزب فإننا لن نبخل بدعمنا التام للمطلب العادل لهذا للشعب الكوردي، إلا أن المشكلة تكمن في أنكما ستذهبان بعد هذا اللقاء فيأتي إلينا ممثلون من الأحزاب الكوردية ليقولوا لنا: لا… لا… نحن نرفض استقلال الكورد ونريد العيش مع شعوب المنطقة ضمن الحدود الموجودة… هذه هي المشكلة، لذا فاسهروا على أن يكون الخطاب الكوردي في هذا الموضوع موحدا. 
وأتذكر كيف خرجنا من ذلك المقر والغضب يكاد يخنق الجنرال الذي ظل كئيبا ومنزعجا جدا للحقيقة التي عليها الحراك السياسي – الثقافي في كوردستان. 
اليوم، بعد ما يقارب العقدين من الزمان على مضي ذلك اللقاء، وجريان كثير من ماء الأنهار في وديانها، وحدوث تحولات عظيمة، سياسية واقتصادية وتكنولوجية، في عالمنا المعاصر، وعلى الأخص التغيرات التي شهدتها المنطقة من جراء الحروب وثورات الشعوب، ومرور مائة عام على اتفاقية سايكس – بيكو الاستعمارية التي تعرضت كوردستان بسببها إلى مزيد من التجزئة والتقسيم، أثبت الكورد أنهم رأس حربة الإنسانية ضد الإرهاب والاستبداد، وتمكنوا من تقوية الأرضية اللازمة لبناء “دولة” بكل المواصفات المطلوبة على أرض الواقع، في جنوب كوردستان، سوى الاعتقاد بأنها لن تكون “شرعية” دون استفتاء، يجدر بالحراك السياسي – الثقافي إعادة النظر في استراتيجية التحرير والتحرر بعمق واستخلاص الدروس منها، ووضع خطط جديدة تتلاءم مع هذه التغيرات والإنجازات وتعكس البروز الصارخ لقضيتهم القومية في مختلف المحافل الدولية، وفي الأوساط الدبلوماسية وعلى ألسنة رجال الدول الأهم في العالم، بل حتى الحديث عنها في المجامع الدينية العالية، سواء أكانت مسيحية أم يهودية أم علمانية، وفي أهم المنظمات العالمية. وهذه الخطط يجب بالتأكيد أن تعكس ارتفاع منسوب الوعي القومي السياسي للشعب الكوردي واندفاع الشباب صوب التنظيم والعمل من أجل حقهم، وتواجد مئات الألوف منهم في شتى أنحاء العالم الحر الديموقراطي، وهم في احتكاك مباشر مع سائر الأوساط المهتمة بحقوق الإنسان وكفاح الشعوب من أجل الحرية.
وأولى هذه الخطط، يجدر أن تكون خطة “تدويل موضوع استقلال كوردستان” على أنقاض سايكس – بيكو، ولا يعقل أن يأتي الإرهابيون من مختلف الأنحاء إلى سوريا والعراق ويعلنوا نهاية الاتفاقية، فيهدمون مخافر الحدود بين الدول وينزعون الإشارات الدالة عليها، وأصحاب الحق في المنطقة، وفي مقدمتهم الكورد الضحايا لازالوا متمسكين بذنبها ويرددون: “لا حياة لنا من دون سايكس – بيكو”، ويعلنون الوفاء للدول التي ظلت تستعمرهم وتستبد برقابهم منذ أن تم عقدها، بل يقول بعضهم عن دمشق التي لم يبق فيها شيء سوري سوى الركام المخضب بدماء الشهداء: “إنها عاصمتنا الحبيبة!” فهل هذا هو الطريق الصحيح لحرية واستقلال الأمة الكوردية؟
لا بد من “تدويل استقلال كوردستان”، والخطوة الأولى تبدأ بخروج المثقفين والشباب والمتنورين في الحراك السياسي الكوردي إلى الساحات العامة في شتى أنحاء العالم ليدقوا المسامير في نعوش كل سياسات التجزئة والتقسيم في الحياة السياسية الكوردية، فهل يمكن قبول موقف محافظ مدينة كوردستانية أو مسؤول حزبي “كوردستاني!” في منطقة كوردستانية لينكر في الإعلام حق أمته في الوحدة والاستقلال، أو يعمل على ابعاد مدينته أو منطقته عن كل جهد كوردستاني أصيل؟ 
نعم، المثقفون والشباب هم مسؤولون بالدرجة الأولى عن تحطيم الأواني الفخارية التي ملأها أعداء أمتنا بالكره والحقد على “المشروع الكوردستاني”، وحمل المسؤولية التاريخية لهذا المشروع يبدأ ب”تدويل القضية” حيث الأجواء السياسية الدولية ملائمة الآن، وقبل أن تتحول هذه القضية إلى “ملف مهمل” بعد القضاء على الإرهاب من قبل من يهمهم أمر ذلك. 
ويجب ألا يخرج الكورد من هذه الحرب الضروس “من دون حمص”، وقد قدموا فيها شبابهم، فتيانا وفتيات، في حين يقف أعداؤهم من “مثقفي الربيع العربي” مثلا ليسخروا من الكورد ويتوعدونهم ويهينونهم، بل ليطلقوا تصريحات قذرة بحق محارباتهم الشريفات الكريمات، كما فعل الإعلامي السوري المنحط بسام جعارة مؤخرا.
فهل نفيق من نومنا الذي طال أمده ونطلقها حملة جادة من أجل “تدويل استقلال كوردستان” بعد أن تأكدنا من أن “الذقن تطول شبرا والعدو لا يصبح صديقا” كما يقول المثل الكوردي العريق: Rih dibe bost, neyar nabe dost  
    

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…