فيصل سفوك
أن المواجهات المسلحة التي اندلعت في اليومين الأخيرين بين عناصر قوات الأسايش ” الشرطة والأمن ” و قوات الحماية التابعة لحزب الإتحاد الديمقراطي من جهة , وبين قوات الدفاع الوطني إحدى الأذرع العسكرية للنظام السوري من جهة أخرى , لم تكن الأولى وقد لا تكون الأخيرة , وعلى الرغم من ارتفاع وتيرة الاشتباكات وتوسّع رقعتها في هذه المرة ثم تحولها إلى حرب شوارع , أدت إلى ارتفاع كبير في حصيلة القتلى والجرحى من الطرفين وسقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين الأبرياء تحت القصف المدفعي العشوائي المكثف من قوات النظام , إلى جانب دعمه ومساندته تلك القوات بالعتاد والأسلحة الثقيلة , ليست بداية حرب طاحنة بين أصدقاء الأمس وأعداء اليوم كما يعتقد البعض , كما أنها ليست مسرحية تراجيدية من مسرحيات الطرفين كما يعتقد البعض الآخر .
إذاً ماذا يمكن تسمية ما يجري في ظل تلك التطورات وتسارع الأحداث من المواجهات المسلحة الدامية ؟
قبل الإجابة على هذا السؤال لابد لنا بدايةً أن نقرأ و نتبيَّن تكوينة وبنية عناصر الدفاع الوطني , حيث يضم في صفوفه أغلب أبناء العشائر العربية , التي تقطن منطقة الجزيرة , وهم من البعثيين والمتحالفين مع النظام السوري , وأن الحواجز المقيمة لتلك العناصر كانت ومازالت تنطلق منها الشرارة الأولى لمعظم المناوشات المتفرقة و المحدودة في محيط المربع الأمني , الذي يخضع إلى سيطرة النظام , ويحوي العديد من المراكز والمقرات الأمنية و حزب البعث في المدينة , وأهم ما يميز هؤلاء العناصر بدون أدنى شك هو العداء والحقد التاريخي والتوجه العنصري والشوفيني اتجاه الكورد في هذه المنطقة , ولعل ما حصل على أيدي هؤلاء العناصر في انتفاضة قامشلو عام 2004 , من ممارسات دنيئة ولا أخلاقية تمثلت بنهب وسرقة وحرق للممتلكات و المحلات التجارية للمواطنين الكورد خير دليل على ذلك .
أن التصرفات الاستفزازية المتكررة والشبه يومية التي تقوم بها تلك العناصر خلقت بالمقابل حالة كبيرة من الاستياء والتذمر بين صفوف عناصر قوات الحماية أثناء مرورها عبر تلك الحواجز , وبالتالي ولدت لديها ردات فعل قوية كانت نتيجتها صدامات مسلحة مباشرة , امتدت رقعتها هذه المرة و أدت إلى سقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى بين صفوف المدنيين الكورد .
ومن هنا يمكن القول أن ما جرى من عملية مواجهة عسكرية مباشرة لم تكن مخطط لها من قِبَل مراكز القرار في كل من حزب الاتحاد الديمقراطي والنظام , و إنما يمكن اعتبارها توريط و إقحام الطرفين فيها , وكانت محصلة لاستفزازات عناصر الدفاع الوطني وردات فعل قوات الحماية , و من خلال قراءة سريعة لبعض الحقائق والوقائع نجد ببساطة جداً أن هذا التصعيد الخطير و التصادم العنيف يضر بالمصالح الاستراتيجية لكلا الطرفين ولا يخدم أجنداتهم المرحلية .
حيث أن مجمل المناطق الكوردية والتي تخضع إلى سيطرة حزب الإتحاد الديمقراطي مع المحيط الخارجي مغلقة تماماً , من جهة الجماعات الإرهابية المتطرفة , وكذلك مع الحدود الجغرافية للدولة التركية من جهة أخرى , كما أن عصب الحياة لهذه المناطق والمتمثل بمعبر سيمالكا الحدودي مع إقليم كوردستان , يتم إغلاقه أيضاً بين الفينة والأخرى باستثناء الحالات الطارئة , وذلك نتيجة الخلافات والعلاقات المتوترة بين ذلك الحزب و إقليم كوردستان .
وتبقى الجهة الوحيدة والتي تخص محور حديثنا هي جهة النظام والمتمثلة بمطار قامشلو الدولي والذي يشكل أهمية حيوية كبرى و يكاد يعتبر المتنفس الوحيد الذي يتنفس منه كافة مكونات منطقة الجزيرة , وبالتالي إغلاقه يشكل خناقاً حقيقياً لحزب الإتحاد الديمقراطي و تلك المكونات , وبالتالي فأن أي تفريط أو مغامرة غير مدروسة أو غير محسوبة هو تهور يكلفه الكثير …
ومن الجانب الآخر فأن النظام أيضاً غير مستعد إطلاقاً على فتح جبهة قتال إضافية , في الوقت الذي يسعى جاهداً و بأقصى إمكاناته العسكرية وتحت غطاء جوي روسي ودعم لوجيستي ميداني من عناصر إيرانية وميليشيات حزب الله من أجل استعادة السيطرة على بعض المواقع الاستراتيجية المهمة والحساسة , لاستخدامها كورقة ضغط قوية في مفاوضات جنيف الجارية ومراحلها المتقدمة , كما أنه يدرك تماماً ووفقاً لحسابات سياسية وعسكرية , بأن المعركة مع الكورد خاسرة حتى إذا كان باستطاعته تحقيق بعض الانتصارات العسكرية الميدانية على الأرض , و لا ننسى أنه أصلاً يَعْتَبر المناطق الكوردية وديعة مؤقتة قابلة للاسترجاع في الزمان والمكان المناسبين و عند الطلب أو الحاجة , كما لا يتوانى في تصنيفها من ضمن الأراضي السورية الخاضعة لسيطرته أساساً .
وبناء على هذه المعطيات فأن مسألة تطويق هذه المواجهة العسكرية عاجلاً من قبل أصحاب القرار في الجانبين هي الأرجح والأكثر منطقية , كما أن احتمالات اندلاع حرب عسكرية حقيقية بين حزب الاتحاد الديمقراطي والنظام غير واردة بتاتاً على الأقل في الوقت الحاضر وحتى في الأيام القليلة القادمة , وبالمقابل أيضا فأن نفيها نهائياً في المستقبل القريب غير دقيقة استناداً إلى التجارب السابقة من العلاقات الهشة القائمة والمبنية على المصالح المشتركة الآنية للطرفين , وبغض النظر عن الخوض في تفاصيلها و دوافعها .