المجلس الوطني الكردي أمام مفترق طرق

علي شمدين*
لقد كان من أهم القرارات التي خرج بها المجلس الوطني الكردي في سوريا في مؤتمره التأسيسي الذي عقد في (26/10/2011)، هو أن المعيار الأساسي لتحالفه مع القوى الوطنية المعارضة وأطرها السياسية المختلفة، يكمن في مدى إقرارها بالحقوق القومية للشعب الكردي في سوريا، وإعترافها رسمياً بقضيته القومية، وعلى هذا الأساس قرر المجلس الوطني الكردي في سوريا، وبعد حوارات شاقة وطويلة الإنضمام إلى الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، موقعاً معه بتاريخ (27/08/2013) وثيقة سياسية مشتركة، لم تتضمن السقف اللازم من هذه الحقوق بكل تأكيد، إلاّ أنها اعتبرت في حينها أكثر تقدماً من سواها في هذا المجال، بأمل الإرتقاء بها فيما بعد شيئاً فشيئاً.
وبمتابعة مجريات الأحداث وتتبع مواقف المعارضة السورية عموماً ومواقف (الإئتلاف) خصوصاً تجاه قضيته الشعب الكردي في سوريا، نرى بإنها ليست فقط لم تتطور نحو الأفضل، وإنما تراجعت إلى أقل مما يقره النظام، وتجلى ذلك علناً في مؤتمر (الرياض) الذي انعقد في (12/12/2015)، ومؤتمر (جنيف)3 الذي بدأت محادثاته في (29/1/2016)، وغيرها من المحافل الدولية التي أجحفت بنسبة تمثيل الشعب الكردي في الهيئة العليا للمفاوضات واللجان المنبثقة عنها، وتجاهلت حقوقه القومية بشكل متعمد ومقصود، في الوقت الذي أفسح فيه المجال واسعاً أمام الشوفينيين والمتطرفين الإسلاميين ليتصدروا قيادتها، وفي مقدمتهم أسعد الزعبي المعروف بمواقفه المهينة للشعب الكردي، ومحمد علوش رئيس تنظيم جيش الإسلام الذي أدين مؤخراً بقصفه لحي شيخ مقصود ذو الأغلبية الكردية بالأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً، والأخطر من هذا وذاك هو تغييب القضية الكردية نهائياً عن المباحثات الجارية في جنيف، وخلو الوثيقة السياسية التي اعتمدها الوسيط الدولي ستيفان ديمستورا من أيّة إشارة للشعب الكردي وحقوقه القومية، ناهيك عن المواقف الأخرى التي تظهر هنا وهناك، المسيئة لقضية الشعب الكردي في سوريا وحقوقه القومية المشروعة.
لاشك بإن هذه المؤشرات العنصرية الخطيرة تؤكد بشكل قطعي مدى نجاح نظام البعث الذي ثار الشعب السوري بمختلف مكوناته من اجل إخراجه من الباب، ليعود من النافذة من جديد إلى قيادة المعارضة بشكل مبرمج ومدروس، ومن دون أيّة مقاومة أوردة فعل عملية ضد هذا التوجه سواءاً من جانب (الإئتلاف) عموماً، أو من جانب المجلس الوطني الكردي في سوريا وممثليه في هيئة المفاوضات بشكل خاص، الذين يواجهون اليوم مسؤولية تاريخية تجاه الشعب الكردي وقضيته القومية، في مثل هذا المنعطف المصيري الذي يتوقع أن تتحدد فيه ملامح سوريا المستقبل.
 إذاً فقد بات المجلس الوطني الكردي في سوريا أمام مفترق طرق: إما الإيعاز لممثليه بالإنسحاب من وفد المعارضة الذي يقوده أيتام محمد طلب هلال وتلامذته، إحتجاجاً على تنصلهم المهين من الوثيقة المشتركة التي وقعها المجلس الكردي مع الإئتلاف، وإمتثال ممثلي المجلس بمسؤولية للمناشدات الواسعة من جماهير شعبنا الكردي في كل مكان التي تطالبهم بصوت عال بالإنسحاب الفوري من الوفد الذي يترأسه هذا العنصري الأعمى، والعمل بجدية من أجل توحيد الصف الكردي في مواجهة هذه الحملة الشوفينية الشرسة مثلما يدعو إليه نائب رئيس الإئتلاف السابق السيد (مصطفى اوسو)، وعضو الهيئة السياسية السابق في الإئتلاف السيد (محمد خير بنكو)، أو الإستمرار في التشبث بمواقعهم كما هو حاصل بالفعل إرضاء لجهات بعينها ولمكاسب ضيقة مع الأسف الشديد، ليصبحوا شهود زور على هذه الانتكاسة الشوفينية الخطيرة في العمل الوطني المشترك، كسابقة لم يشهدها تاريخ الشعب الكردي منذ معاهدة لوزان التي تم توقيعها في (24/7/1923).  
14/4/2016
*- عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…