جان كورد
توالت الثورات الكوردية ضمن حدود الدولة العراقية التي أسسها الإنجليز لأسباب عديدة، تغلب عليها المصالح البريطانية البترولية واستراتيجية المملكة في الشرق الأوسط، وهذه الثورات كانت تحدث كرد فعل من الشعب الكوردي على الغبن الذي ألحقه الإنجليز ومن بعد حكمهم عملاءهم ولم تكن تلقى أي قبول من المثقفين العرب، بل كانت متهمة ب”خيانة الأمة العربية ومحاولة تقسيمها” لديهم كما لدى حكام العرب الذين نعتهم المثقفون أنفسهم بالعمالة للأجنبي دائما.
إلا أننا لا ننكر مواقف البعض القليل منهم، وقفوا في أحلك الظروف، قولا أو كتابة، إلى جانب القضية القومية الكوردية العادلة، ومنهم الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري الذي كتب قصيدته الشهيرة:
قلبي لكوردستان يهدى والفم ولقد يجود بأصغريه المعدم
ثم يقول في نهايتها عن شعب كوردستان:
شعب دعائمه الجماجم والدم تتحطم الدنيا ولا يتحطم
فاستحق بذلك حب وتقدير هذا الشعب المتعطش للحرية، ونصب له الكورد تمثالا يخلد ذكراه في وطنهم، بل في قلوبهم إلى الأبد… كما كتب الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش قصيدته “كوردستان” التي تستحق كتابتها بماء الذهب الخالص على لوحة مرمرية في وسط عاصمة كوردستان، ومع الأسف فقد تم حذفها من ديوانه لدى نشره.
وفي حين تعرض العالم الاجتماعي التركي، الدكتور إسماعيل بشكجي، إلى صنوف إرهاب الدولة بسبب مواقفه المؤيدة بقوة لقضية الشعب الكوردي، التي دعمها بعلمه الوفير وبحقائق التاريخ والواقع، وبخاصة في كتابه “كوردستان مستعمرة دولية”، وحكمت عليه المحاكم التركية بأحكام سجن قاسية بلغت (250) عاما، فإن المثقف العربي، إجمالا، لم يختلف في موقفه من هذه القضية عن ضابط الأمن السياسي، البعثي العنصري، بل كان ينافس أنظمته العربية التي يصفها بنفسه ب”خائنة للأمة العربية” في عدائه للكورد وتنكره لحقهم المنصوص عليه في الميثاق الدولي للأمم المتحدة، أي حق تقرير المصير لكل الشعوب دون انتقاص أو استثناء.
ولدينا اليوم، في الوقت الذي ساند فيه كل مثقفو الشعب الكوردي قضايا الأمة العربية، وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني، نماذج صارخة لهذا النفس العنصري الشوفيني الحاقد على الكورد، ليس بين “مثقفي البعث” فحسب، وإنما في قيادات ما نسميه مجازا ب”المعارضة الديموقراطية السورية” مع الأسف. وقد لا تتسع صفحات لسرد أسماء هؤلاء الناكرين للجميل والرافضين لحق تقرير المصير للشعوب والراكضين كصغار الذئاب وراء أمهم الشرسة التي لا تعرف من فلسفات الكون سوى فلسفة الاغتصاب والفتك والقتل.
بمجرد أن طرح طرف سياسي، يرفض أن يسمي نفسه ب”الكوردي” مشروعه لتأسيس “فيدرالية” في شمال سوريا، حتى دوت مدافع المثقفين العرب من كل الأنحاء والشرفات العالية على شعبنا الكوردي بأسره، وعلى وجوده وثقافته وتاريخه وحقه في الحرية والحياة، وبصور بشعة ومتدنية في الأخلاق السياسية، فكيف سيتبع شعبنا هذه النماذج وسواها التي لا يجد لها أي إحساس أو شعور بوجوده كشعب لديهم؟
بعض الكورد يقول: “لا يمكننا الآن انتزاع أي اعتراف بحقنا في (فيدرالية أو حكم ذاتي أو حتى بإدارة ذاتية قومية) حتى يفيق العرب، وعلينا الانتظار حتى يتفهم المثقفون العرب حالنا وما لنا من حقوق حسب المواثيق الدولية.” فأقول لهم: اعترف صدام حسين نفسه، وهو أحد أكبر طغاة التاريخ البشري، بحق الكورد في “الحكم الذاتي”، ولو تكتيكيا ومرحليا، حتى يتخلص من معارضيه، وتم تثبيت “الحكم الذاتي” في دستور البلاد، ثم زال صدام حسين من الخريطة السياسية العربية، رغم جبروته وبطشه وارهابه، فجاء موالي إيران ليعترفوا بحق الكورد في “فيدرالية” وتم تثبيتها في دستور العراق من جديد، كما اعترفت حكومة ملالي طهران بهذه الفيدرالية بشكل من الأشكال، وكذلك حكومة أنقره، بحكم المصالح والاستراتيجيات، مثلما اعترف العالم بها، ومن الدول من اعتبرها واقعا جديدا يجب التعامل معه بشكل طبيعي، ولكن حتى الآن، هناك مثقفون وأشباه مثقفين عرب لا يزالون يستخدمون تسمية (شمال العراق) للإقليم الفيدرالي الكوردستاني، في أحاديثهم وكتاباتهم ولا يعترفون بأي حق كوردي في كيان سياسي، إلا حين يقبل الكورد ب”حق المواطنة” ولا شيء سواه. فهل ينتظر السياسيون الكورد حتى ينزل القمر إلى البحر أو أن يتحول الجبل إلى جمل، ثم يبدؤون بدعم هذا الحق لشعبهم؟ وليتأكد الكورد جميعا بأن الغالبية العظمى من “حلفائهم!” العرب في النظام أوفي المعارضة لن يعترفوا بأي حق دستوري ساطع ومحدد بشكل جيد، لأنهم على الأغلب لا يعترفون بالدساتير والقوانين أصلا، ولا يزال منهم من يفكر ب”الفتوحات العربية” التي رافقها كثير من السلب والنهب والسبي والتقتيل والاستعباد والاستقطاع على حساب الشعوب الأخرى، بل يرددون أشعار تلك المرحلة التاريخية من الانتصارات العربية في أقنية التلفزيون العربية التي تزعم أنها تدعم “الديموقراطية” في العالم العربي.
لذا، على سياسي الكورد – رغم كل الجفاء بينهم – أن يقفوا مع “الفيدرالية” المطروحة “الناقصة” والتي تم طرحها كمفاجأة لأسباب وأسباب، ومنها التشويش على (جنيف3)، بل ولاختلاق وضع جديد يجد فيه النظام فرصة لجعل المكون الكوردي هدفا للمعارضة عوضا عنه، كما استغل فرصة ظهور “داعش” من قبل… والانتظار حتى يعترف “الديموقراطيون السوريون!” أو “النظام” بهذا الحق للشعب الكوردي كانتظار “غودو” في مسرحية بيكيت…
07 نيسان، 2016