فَرَمَزْ حسينْ
لا شك أن للكرد دور محوري في التأثير على مجريات أحداث الثورة في سورية و كان النظام أسرع في الاستشعار بهذه الحقيقة أولاً ثم المعارضة وهو الأمر الوحيد الذي يشترك فيه النظام و المعارضة على حد سواء, لدرجة التناغم في الرؤى بينهما في هذه المسألة خلافاً لكل شيئ آخر .
لكن على الرغم من معرفة الطرفين بهذه الحقيقة يبقى تعاملهما محصوراً ضمن دائرة ضيقة من الشك و الإرتياب .النظام الذي قام بتهجير الكرد من أراضيهم وإقامة الحزام العربي على طول الحدود مع تركية و قدم الدعم والامتيازات للمستوطنات العربية التي تم نقلهم من حوض الفرات في الرقة وذلك بغرض التفوق على السكان الأصليين, حاول منذ بدايات الثورة تحييد المكون الكردي من المشاركة في الحراك المناهض له من خلال إعادة الجنسية للمجردين منها و تفويض حزب الاتحاد الديمقراطي ب ي د أمر الاهتمام بالكرد المناوئين للسلطة مقابل اطلاق أيديهم في المناطق الكردية دون أي اعتراف رسمي بحقوق قومية مشروعة.
كما أن قوى المعارضة بمختلف فصائلها لم ترتقي في طروحاتها إلى مستوى تطلعات السوريين عموماً و فيما يتعلق بالشق الكردي خصوصاً في سورية المستقبل أي ما بعد الأسد.
المفقود المشترك بين السوريين العرب و الكرد هو فقدان الثقة المتبادلة, عربياً هو عامل فوبيا التقسيم الذي من منظور عربي إن حصل فسيكون بمبادرة من الكرد . كردياً هو الخشية من عودة من يحل بديلاً للنظام و تصبح بأيديهم زمام الأمور أن يعودوا إلى ممارسة السياسة العنصرية نفسها التي مارسها حزب البعث الشوفيني على مدى عقود طويلة فتقوم الأغلبية العربية بانكار حقوقهم القومية و السياسية تحت ذريعة حقوق المواطنة الفردية دون مراعاة للحقوق الجماعية ومن ثم ممارسة سياسة الدمج القسري و هذه المرة تحت استبداد المواطنة السورية بدل المواطنة العربية السورية في زمن النظام.
بناء جسور الثقة بين السوريين عرباً و كرداً هو مفتاح الحل الذي سيقود إلى التغيير ولن يكون الخاسر فيه أحداً سوى نظام الأسد و حزبه الحاكم. لكن مسألة بناء جسور الثقة ليست بالسهلة و تتطلب تنازلات مشتركة من الطرفين.
كردياً كسوريين يجب التخلص من الوصاية المفروضة علينا من الرموز السياسية في كردستان العراق و كردستان تركيا معاً , فنحن على الرغم من أننا في الأساس إثنية واحدة لكن هناك واقع معاش نلمسه كل يوم في ظل هذه المحنة التي يعانيها السوريون بمن فيهم الكرد فأهلنا المهجَّرون ليسوا أكثر من لاجئين ساكنين في مخيمات الأمم المتحدة في كردستان العراق و في تركية, بالتالي فإن حل المسألة الكردية لن يكون إلا مع شركائنا السوريين .
عربياً كسوريين لا مفر من الاعتراف بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي على أرضه بما فيه حق تقرير المصيرو لن تنجح أية محاولة أخرى إلى لم شمل السوريين ضمن أراضي و حدود الدولة السورية الواحدة التي رسمها حولنا الإنكليز و الفرنسيون منذ قرابة مائة عام .
اللجوء من قبل بعض المثقفين العرب إلى تزوير التاريخ كوسيلة لتمييع القضية الكردية و التهرب من الاستحقاقات الشرعية لن تكون مجدية فالوجود الكردي كأغلبية ساحقة على أراضيه يمتد على مدى الذاكرة خاصة في منطقة كوباني وكرداغ مع مدينة عفرين شمالي غربي حلب أما في منطقة الجزيرة فهناك قسم من الكرد نزحوا إليها من تركيا في مطلع العشرينات من القرن الماضي في أعقاب الانتفاضات الكردية هناك و حسب احصائيات سلطات الاحتلال الفرنسي في منتصف الثلاثينات من القرن المنصرم و المدونة في كتابات السفير و الدبلوماسي السويدي السابق انغمار كارلسون كانت الإحصائيات السكانية في الجزيرة على الشكل التالي:
إثنان و ثمانون ألف كرد بشكل رئيسي سكان قرى يعملون في الزراعة.
اثنان و أربعون ألف نسمة مسلمين عرب, غالبيتهم بدو رحل ,مربي المواشي ولكن مع ازدياد في أعداد الذي يتحولون إلى سكان قرى.
اثنان و ثلاثون ألفاً من المسيحيين بشكل رئيسي سكان مدينة القامشلي والحسكة حرفيين و تجار.
كما يجب أن لاننسى التواجد الكردي الكبير في دمشق والذي يعود إلى أيام الأيوبيين, وتواجد مماثل في حلب.
الأسد بنظامه البعثي كان ولايزال مهندس العداء للكرد السوريين و يوصفهم برامج حزبه الفاشي بالورم السرطاني الذي ينتشر في الجسم العربي وأن الكرد هم أعداءنا ولا فرق بين كردستان و يهودستان , لذلك على من يعتبر نفسه من المعارضة السياسية الوطنية عليه أن يعمل جدياً على محو ثقافة االبعث نهائياً من مخيلته . في المحصلة فإن الطرفان السوريين عرباً و كرداً مطالبين بالعمل على مدّ جسور الثقة و إعطاء الشعور بالإنتماء المشترك إلى وطن واحد فيه متسع للتنوع الإثني , الطائفي و التعددية الفكرية.
فَرَمَزْ حسينْ
سُتُوكْهُولمْ
2016-04-03
twitter@farmazhussein
Farmaz_hussein@hotmail.com
Stockholm-sham.blogspot.com