صلاح بدرالدين
منذ دخولي معترك العمل السياسي قبل نحو خمسة عقود كان ومازال الهاجس الأخطر شرور الفتنة العنصرية بين صفوف المكونات السورية وخصوصا القوميتين الرئيسيتين العربية والكردية التي عمل عليها السلطات الرسمية تحديدا منذ تسلط حزب البعث على مقاليد الدولة عبر انقلابه العسكري بدايات ستينات القرن الماضي وأجهزتها واداراتها ومنظماتها الحزبية التي تحولت الى ميليشيات مسلحة تتناغم في ممارساتها القمعية وتهديداتها مع الآيديولوجية السائدة : ” الكرد عنصر غريب تسللوا الى سوريا ويجب اما اخراجهم أو تشتيت شملهم واخضاعهم وتعريبهم ” .
أتذكر كيف كان من احدى المهام الأساسية لأجهزة الأمن والمسؤولين في المناطق الكردية والتي كان يتولاها عناصر شوفينية تنتمي الى حزب البعث على الأغلب وفي مختلف المراحل اثارة التفرقة والانقسام وممارسة الضغط والاكراه والاسهام في تغيير طبيعة التركيب الديموغرافي لأسباب قومية والهدف كما ذكرنا الاجبار على التهجيرفحتى الآن يتذكر الفلاحون المعمرون الكرد مقولة وزير الاصلاح الزراعي البعثي – مصطفى حمدون – في عهد الوحدة السورية – المصرية عندما زار الجزيرة لتوزيع الأراضي : الكردي مالو شي عندي تعبيرا عن حرمان الكرد من الأرض كما أن الكثيرين من أهل القامشلي يتذكرون كيف كان ضباط – المكتب الثاني – من البعثيين يشرفون على متابعة خطوات التعريب ومحاربة ومنع الثقافة الكردية الى درجة الاقدام على تصفية فنانين مبدعين .
أمام كل ذلك وقفت الحركة الوطنية الكردية وبعد أن انتظمت صفوفها أواسط الخمسينات بصلابة وعقلانية أمام كل تلك المخططات متمسكة بالأخوة والصداقة ووحدة المصير عاملة على تعزيز الوحدة الوطنية والتلاحم في وجه العدو المشترك ومؤكدة على مبدأ حق تقرير المصير في اطار سوريا الديموقراطية الواحدة الموحدة كتجسيد لمصالح الشعبين ومصلحة الوطن السوري المشترك والتمسك بسيادة واستقلال البلاد اسوة بالرواد الأوائل من الكرد الوطنيين وبناة الاستقلال أمثال محمد علي العابد ويوسف العظمة وابراهيم هنانو وأحمد بارافي والذين وقفوا الى جانب الاتحاد السوري في عفرين والجزيرة من زعماء ووجهاء وقادة سياسيين .
جاءت الانتفاضة الثورية السورية وبطابعها الوطني وأهدافها المعبرة عن تطلعات كل الأطياف وفي مقدتها المكون الكردي الأكثر تضررا من نظام البعث الأسدي لتدشن مرحلىة جديدة في تاريخ سوريا عناوينها الأبرز ما ظهرت كشعارات للثوار أطلقت من درعا الى القامشلي ( واحد واحد الشعب السوري واحد ويسقط الاستبداد ومن أجل الحرية والكرامة والشراكة العربية الكردية في سوريا الجديدة و آزادي آزادي …) وما استتبع ذلك من اعادة التواصل بين الشعبين عبر تنسيقيات الشباب والحراك الثوري في مختلف المناطق وفي موجات الاحتجاجات الأولى التي سبقت اندلاع الانتفاضة حيث تشارك الناشطون العرب والكرد في الوقفة الاحتجاجية أمام وزارة داخلية النظام في السادس عشر من آذار لعام 2011 .
لم يتوقف النظام في أداء وظيفته باثارة الفتن العنصرية بل ضاعف من خططه في هذا المجال منذ بداية الثورة فسلاحه الأجدى في مثل تلك الظروف هو اختراق الصفوف وضرب العرب والكرد وتأليب البعض على الآخر بهدف اضعاف جبهة الثورة واغراقها بالنزعات العنصرية وألوان ارهابية تحت غطاء جماعات الاسلام السياسي بكل أشكالها السنية والشيعية وبالتعاون والتنسيق مع حلفائه في طهران وبغداد وموسكو وعلينا الاعتراف بأنه نجح ولو الى حين في تحقيق خطوات من مخططاته في هذا المجال خاصة بعد تمكن محوره من اختراق صفوف المعارضة منذ تشكل ( المجلس الوطني السوري مرورا بالائتلاف وحتى الآن ) هذا اضافة طبعا الى معارضات مدجنة معروفة لدى السوريين .
الى جانب ذلك نجح نظام الأسد وبدعم مباشر من أوساط النظام الايراني ولاحقا من حكومة المالكي والطغمة الحاكمة بموسكو من اختراق الساحة الكردية السورية بجلب واستحضار حزب – ب ي د – والآلاف من مسلحي الحزب الأم – ب ك ك – من خارج الحدود وتطبيق عملية التسليم والاستلام حيث نتج عن ذلك عزل المناطق الكردية عن مناطق الثورة وتضييق الخناق على الناشطين الشباب وسائر مراتب الحراك الثوري الكردي بهدف اسكات أصواتهم وتصفيتهم وتهجيرهم وصولا الى مجتمع – صاف – حزبيا وآيديولوجيا وسياسيا واتخاذ اجراءات وخطوات في خدمة مشروع النظام بمافيه ترسيخ مفاهيم العنصرية واثارة الفتن والموامأة مع أجندة ايران وروسيا وضد قيادة اقليم كردستان العراق .
من خلال تواصلي مع الأصدقاء العرب من أوساط الثورة والمعارضة ظهر لي كم هو من الأخطاء الفادحة عندما يحسب البعض انحراف بعض الأحزاب الكردية وممارساتها الانقسامية وموالاتها لنظام الأسد كمواقف ثابتة جامعة للشعب الكردي أو اعتبار البعض من الكرد الحزبيين وغيرهم شوفينية وعنصرية بعض الأفراد العرب السوريين المحسوبين على المعارضة كموقف كل العرب أو كل المعارضة أو كل الثوار فلا هذا ولاذاك حيث كما لايجوز أخذ الكرد بجريرة – ب ي د – وغيره من الجماعات الحزبية كذلك لايجوز أخذ العرب بجريرة – داعش – والقاعدة – والنظام وغيرهم من الجماعات الارهابية والعنصرية .
وطننا في خطر ووحدتنا الوطنية مهددة ومخططات النظام تتوسع وأمام ذلك فلتسكت كل الأصوات النشاذ بين العرب والكرد وليس هناك خيار أمامنا سوى التكاتف والتفاهم والعمل سوية من اجل اعادة الاعتبار لثورتنا المندلعة منذ خمسة أعوام وذلك بالعمل الجاد من اجل عقد المؤتمر الوطني السوري لتصحيح المسار وصياغة البرنامج السياسي التوافقي والخروج بمجلس سياسي عسكري لقيادة المرحلة ومواجهة كل تحدياتها .