احتفالات الدواعش في بروكسل، وبعد ؟!

ابراهيم محمود

 

 ما أقلَّ الذين يُظهِرون كما يُسمّون أنفسهم اختصاراً ” الدواعش
“، ولهم احتفالاتهم الخاصة في إرهاب الآخرين وقتلهم بفصل الرؤوس عن أجسادها
غالباً علامة فارقة ومارقة لهم عن سواهم، ودورياً، وآخرها وليس آخر آخرها مشاهد
إرهابهم بضحاياها وجرحاها في بروكسل الوادعة البلجيكية ” 22 آذار 2016
“، ليثبتوا للعالم أجمع وليس إسلامهم وحده أنهم ماضون في مستجدات عنفهم
الدموي مااستطاعوا إليها سبيلاً، وما أكثر الذين يهلّلون ويترقبون كل جديد إرهابي
تحت راية إسلامية متأسلمة، ودائماً في مضمار محاربة الكفرة ولو من بني ”
ملَّتهم “، دائماً ولو كانوا الضحايا في صدارة المحسنين إليهم وهم يحتمون
بها.
تلك هي أوربا التي تفيق مذعورة على تفجير إرهابي دواعشي، وتلك هي أوربا التي تعيش كابوساً وهي بالكاد تنام وفي الجوار أكثر من تفجير إرهابي. أحقاً أن الدواعش هم هؤلاء الذين يجري تمييزهم بعلامة لِحيوية، زيّوية، وغيرهما، أم أنهم أكثر مما يُحصون، أكثر مما يحاط بهم ملايين ملايين ملايين؟ حيث تجلّي تعطشهم للدماء المسفوكة، البريئة، الساخنة، القانية، القرمزية، دماء صغار، كبار، متوسطي الأعمار… لا فرق، والكيّس الكيس هو في التنويع، تأكيداً دواعشياً أنهم لا يميّزون بين ذكراً وأنثى، بين فتى وفتاة، بين صغير وكبير إلا بإخضاعهم دون استثناء لمنطق السكين المبسملة والتكبيرية ووحام الدم النازّ من بين العروق والأوداج، ليكون في المقدور المزيد من الانتشاء/ السَّكَر المعظَّم والمفخَّم ؟
أحقاً، أن الدواعش هم هؤلاء الذين يشار إليهم، أم باتوا أقرب إلى كل منا أكثر من قرب الوريد للوريد من بياض العين لسوادها، أنّى كنا؟ كما لو أنهم توزعوا فجأة كالطاعون المعولم أرضياً وجوياً، ووعدوا كل ابن أنثى، كل ابنة ذكر، ومنتسب جنسية أو قومية، أو طائفة، أنهم ماضون، كما تقدَّم في تفعيل اشتراكيتهم المتأسلمة الخاصة، كما تقول ” شُوراهم ” الخاصة.
أحقاً، أن هذا الانفجار القياماتي الويلي الإرهابي إيجازاً، وليد الآن، في عمر بضع سنين، أم أن تاريخاً مديداً يؤرشف ليس لأداتهم الصلبة والحادة في قطع الأعناق، ورصاصهم المأجور والمسعور في غربلة البطون والصدور والأعين فحسب، وإنما لكل ما يصلهم بسلالات تمتد في الزمن، وفي الجهات الأربع: دواعش بالاسم، ودونهم بأكثر من اسم أيضاً؟ عن أي مبدأ استقامة ديني يجري التهليل والتكبير والتعظيم لأمة ” الله أكبر ” وسط هذا الحشد المرعب من سكاكين شبقة إلى إراقة الدماء، ومتفجرات موقوتة على الطريقة الإسلامية المتأسلمة، وقنابل معدَّة للتفجير على تعويذة ” الله أكبر ” ؟ لينال كل ابن نصيبه من قتل خاص ورعب خاص !
كيف يُراد منا أن  نصدّق ما هو متداول هنا وهناك أن هؤلاء طفيليو الدين، ويحصون تقديرياً بالآلاف، وثمة الملايين التي تفرّخ إرهاباً بطرق طرق غاية في الترويع، كما لو أن صحوة من نوع خاص تنبههم إلى ما فاتهم والتعويض الدموي عنه ؟
أي شرق محمَّل بخطايا مجهولة، لتنال كل هذا النوع المستحدث من القتل الخاص على الطريقة المتأسلمة ؟ أي غرب، وهو يحتضن سنوياً آلافاً مؤلفة سنوياً من الهاربين من بلاد ” الله أكبر “، وأمة ” التوحيد “، والبحث عن لقمة العيش، وأمان نسبيٍّ، وما هي إلا أيام معدودة، حتى يدخلوا في جلسات تهيئة خاصة ناسفين، متفجرين، ملغمين دورهم، ودور من أجاروهم، وساحات من أعدّوها لاستقبالهم، ومطارات فتحت كما وسَّعتْ أحضانها لتسهيل عبورهم إلى داخل مدنهم، نواحيهم قراهم، مزارعهم، حدائقهم، بساتينهم، حاراتهم، تجمعاتهم السكنية، سوبرماركاتهم، مؤسساتهم، دور حضانتهم، مدارسهم جامعاتهم، أريافهم؟ كما لو أنهم، وعلى طريقتهم دائماً، يعلِمون المحسنين إليهم كيف يكون رد جميلهم. فمعتاد الموت ورائحة الدم المراق، ومشهديات الذبح، والجلادين المبرمجين على صنوف الترهيب، كما يظهر، يبقى مخلصاً للسان موته المنخور، ودمه المجرثم، وحياته التي تعادل: للقتل وهِبتَ، وفي القتل تكون نهايتك، فاجعلها حصيلة المزيد من الفتك في الآخرين: الكفرة، فالجنة مقرك الأبدي؟
ويا أمة أوربا، يا العزيزة بروكسل اليوم، وأنت المنكوبة مدينة ودولة وقارة ومحبّيها، لا علم لي بنوع النهاية لهذا الرعب الذي يجري، سوى أن بعضاً من الجواب بين يديك، وكثير من الإرهابيين أمام ناظريك، أما تراك ماضية في تأكيد هذا اللين وسياسته، والمسايرة وأخلاقيتها؟ ألم تحن لحظة الانتقال إلى المعاملة بالمثل، أم تستعذبين هذا الرعب، وأنت جهدت كثيراً في بناء حياة لها حق عليك في لزوم الحزم المضاعف إزاء من ولِدوا للقتل، ويؤمنون بالموت قتلاً ؟
دهوك- 22 آذار2016 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ريزان شيخموس في الثامن من ديسمبر، سقط النظام الأسدي بعد عقود من القمع والاستبداد، وساد الفرح أرجاء سوريا من أقصاها إلى أقصاها. خرج الناس إلى الشوارع يهتفون للحرية، يلوّحون بأعلام الثورة، وتغمرهم مشاعر النصر والكرامة. لقد ظنّ السوريون أنهم طووا صفحة قاتمة من تاريخهم، وأن الطريق بات سالكاً نحو دولة مدنية ديمقراطية تحتضن كل أبنائها دون إقصاء أو تهميش….

د. محمود عباس   عزيزي إبراهيم محمود، قرأت كلمتك التي جاءت إضاءةً على مقالتي، فلم تكن مجرد “ردّ”، بل كانت استئنافًا لحوارٍ أعمق، طالما تهرّبت منه الساحة الثقافية الكوردية، أو تم اختزاله في شعارات مستهلكة، لم أتفاجأ بجرأتك في تسمية الأشياء، ولا بذلك الشجن الفكري الذي يسكن سطورك، فأنت كتبت كمن يعرف أن لا أحد سينقذ هذا الجسد الكوردي من…

بوتان زيباري   في مسرح الشرق الأوسط، حيث تتبارى الإمبراطوريات القديمة والحديثة في نسج خيوط مصائر الشعوب، تبرز سوريا كقماشةٍ ملوّنة بدماء التاريخ وأحلام الثوار، تُحاك عليها سرديات القوة ببراعة الفيلسوف ودهاء المحارب. ها هي أنقرة، وريثة العثمانيين، تُعيد تمثيل مسرحية “الفوضى الخلّاقة” بأدواتٍ أكثر تعقيدًا، حيث تتحول الجغرافيا إلى رقعة شطرنجٍ وجودية، والسياسة إلى فنٍّ مركبٍ لإدارة الأزمات عبر…

سمعنا عن الأحداث من الراديو، وبعدها حاولت الاتصال مع أخي دجوار، الذي كان متواجداً في ملعب قامشلو البلديّ، لكن ردّ عليّ شخصٌ آخر وهو الصديق حسن، قال: إنّ دجوار ترك هاتفه معي..!، وبعدها علمنا أنّ هناك شهداء، حاولتُ الاتصال بالكثيرين وأخيراً اتّصل دجوار من قامشلو. الساعة الرابعة أتى جوان خالد إلى منزلي، وقال: شعبنا يُقتل.. علينا أنْ نفعل شيئاً، ولا…