عندما تتحول الهوية من مسالمة الى «قاتلة»؟!!

اكرم حسين

 قد يفاجئك احدهم بسؤالك هل
انت كوردي ام سوري ..!! للوهلة الاولى وبدون ادنى تفكير يأتي الرد :انا كوردي اولا
وسوري ثانيا وكوردستاني ثالثا ، اي كوردي سوري..!!، فكورديتي لا تنفي عني سوريتي
ولا سوريتي تنفي عني كورديتي ولا الاثنتان تنفيان عني كوردستانيتي !!، لان الكوردية
والسورية الى جانب امور اخرى هي عناصر متداخلة ومكونة لهويتي وانتمائي، وبدون هذه
العناصر وتفاعلها لا يمكن ان تتحدد هويتي الطبيعية!! فسيطرة احد العناصر على هويتي
في لحظة ما واظهارها كهوية بسيطة لا ينفي عنها تنوعها !! فالعربي السوري لا يحس
باية مظلومية لعروبته لانه يعيش ضمن دولته ويتكلم بلغته، ويطمح الى تجسيد احلامه في
الوحدة العربية، رغم فشلها واستحالة تحققها في المدى المنظور، بسبب تضارب مصالح
الحكام والامراء والسلاطين العرب وعدم الالتفات الى مصالح الشعوب العربية في
بلدانهم،
واذا كان الاعتراف بكورديتي ضمن سوريا يفرض على شركائي العرب الاعتراف بوجودي
القومي والتاريخي وبجغرافيا كوردية الحقت بالدولة السورية بعد اتفاقية سايكس بيكو
1916 ومؤتمر لوزان 1923الذي سلب ما تم اعطائه للكورد والارمن في اتفاقية سيفر1920
من حق تقرير مصير وحكم ذاتي في بعض المناطق، فان الدولة السورية الناشئة، لم تحاول
يوما ان تعترف بوجودي وكينونتي الكوردية ولم تعمل على تحقيق الاندماج الذي حلم به
الكورد طويلا !!بل عملت على اصدار مراسيم وقرارات جائرة اضطهدت ابناء الشعب
الكوردي، وعملت على الحاقه وتغريبه وصهره وزجت بمناضليه في السجون والمعتقلات، بتهم
محاولة اقتطاع جزء من الاراضي السورية والحاقها بدولة اجنبية!! فالتقاليد الثقافية
الكوردية السورية هي التي تحدد انتمائي وهويتي ولا يمكن الفصل حاليا بين كورديتي
وسوريتي لان الغاء اي من العنصرين سيؤدي الى اختلال التوازن في هويتي، وفي العلاقة
بين العناصر الاخرى التي تدخل في تكوين هذه الهوية !! فالعربية هي اللغة التي تعلمت
بها العلوم وأطلعت على الآداب والثقافات الاخرى، بينما الكوردية هي لغة الحياة
والعيش والتواصل مع شعبي ومحيطي، هي من شكلت ذاتي وهويتي الكوردية، وبالتالي فهويتي
هي هذا وذاك، هي كل العناصر التي اثرت فيَّ ودخلت عالمي وطبعت كينونتي بطابعها،
وهذه الهوية تختلف من شخص الى اخر حتى ولو كان كورديا حسب محيطه وثقافته ودرجة
تطوره ففي بعض الاحيان قد يسمو احد الانتماءات على الانتماءات الاخرى التي تحدد
الهوية وتوسم هذه الهوية بطابعها كالدين او اللغة او القومية حسب الزمان والمكان
والوضع الذي يجري، لأنه لا يمكن لأي انتماء ان يسمو سموا مطلقا، فقد يختصر الانتماء
الديني الهوية وذلك عندما يكون الدين في خطر، وقد تختصر اللغة هذا الانتماء، عندها
يمكن ان يتقاتل الاخوة في الدين (العرب والكورد) ويمكن ان نختصر كل ما سبق بالقول
بان الهوية غير ثابتة بل متحولة وهذا التحول يحدث في السلوك البشري تغييرات عميقة
قد تعيد ترتيب العلاقة بين العناصر المكونة لهذه الهوية من جديد.
   فكل عنصر من
عناصر الهوية يربط المرء مع عدد كبير من البشر(الدين، اللغة، القومية،
المكان.,,الخ) وهي بمجملها من تصيغ هويته وتجعله كائنا بشريا يمتلك خصوصية ثقافية
وتاريخية لن تجدها عند اي شخص اخر، لان لكل شخص هوية خاصة تتحدد به ويتحدد بها وهي
بهذا المعنى صورته في هذا العالم الواسع المليء بالصراعات والتجاذبات، فتعرض
الكوردي للاضطهاد هو الذي يجعله لا ينسى الاهانات التي لحقت به والاساءات التي وجهت
الى كرامته، وعندما ينتهك هذا الانتماء ينفعل بكل كيانه ويتماهى مع هذا الانتماء
الذي يتعرض للتجريح ويصبح عموميا يشعر به كل كوردي ويسيطر على الهوية بكاملها، لابل
تتحدد الهوية بهذا العنصر المسيطر، الذي سيكون سببا في كل ما يقوم به من افعال، وقد
يدفع هذا الشعور كل الجماعة القومية الى الاجتماع والتحريض ومن ثم الفعل في مواجهة
الغريب الاخر، وتصبح الهوية في هذه الحالة فعلا ايجابياً وعملا تحرريا، لكن قد ينجح
بعض المتطرفين وغلاة القوميين من فرض انفسهم كمدافعين عن الهوية عندما تتعرض لخطر
او تحَّول، وبسبب سيطرة الفهم البسيط والمسبق للهوية وعدم القدرة على التفاعل معها
كعناصر مندمجة ومتفاعلة والنظر اليها على اساس العقل ووحدة الكائن البشري؟؟! تتحول
هوية الانسان من هوية “مسالمة ” الى “هوية قاتلة” حسب تعبير امين معلوف بسبب
اختصاره للهوية في احد عناصرها وهو ما يحصر المرء في موقف متحيز ومتعصب، لذلك يتحول
هؤلاء الى مجرمين وقتلة منحازين ومتعصبين الى جماعتهم في مواجهة الاخر الذي يصبح في
هذه الحالة خائنا وعدوا ومرتدا، ونتيجة للغبن والاضطهاد الذي لحق بالكوردي يتبدى له
بان كل ما يقوم به في مواجهة هذا الغبن مشروعا ومباحا، حتى لو تم اقتراف المجازر
والموبقات من اجل استعادة حقوق الكوردي دون ان يشعر باي تأنيب للضمير لانه في حالة
مشروعة في الدفاع عن النفس، لذلك على العربي السوري ان يتعاطف مع محنة الكوردي
ويتفهم رغبته في حرية التحدث بلغته وممارسة ثقافته وطقوسه القومية دون خوف او
استبداد، لانهم ابرياء وضحايا لأنظمة تسلطية والغائية منذ زمن بعيد وان يقف ويساند
هؤلاء الضحايا من اجل الاعتراف بوجودهم واستعادة حقوقهم القومية في الوقت الذي
يتطلب من الكوردي ان يبتعد عن المفهوم العشائري للهوية وان لا ينحاز للجماعة لان كل
البشر لهم مصالح مشتركة في كل الميادين وبالتالي على الكوردي ان يقوم بصياغة مفهوم
جديد لهويته على اساس عناصرها ومكوناتها المختلفة، بما يعيد له كرامته وانسانيته،
وان ينحاز الى هويته الانسانية الجامعة كوحدة عامة متكاملة وليس كانتماء محدود او
الى عنصر رئيسي من عناصرها، وان يكون حلقة وصل بين الجماعات السورية وثقافاتها
المختلفة، ليحقق بذلك لحمة المجتمع السوري الناشئ بعد كل ما حصل في الفترة الماضية
من انقطاع، وما ساد من حقد وضغينة في نفوس اطياف الشعب السوري، فالسوريون يجب ان
يبنوا مستقبلهم بذهنية جديدة، قائمة على المساواة والكرامة والشراكة وقبول الاختلاف
والعيش المشترك ، وبذلك فقط يمكن ان نضمن استمرارية العيش معا في دولة وطنية حديثة،
دولة المواطنة المتساوية بإطلاق دون تمييز بسبب العرق او الجنس او
الدين؟!!!
____________

نشرت في صحيفة “بوير برس”  العدد 37 تاريخ
15/2/2016

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…