(جنيف3) .. والفرصة التاريخية

علي شمدين

 
معلوم كم من الجهود تبذل حتى تتوافق الأطراف المتنازعة وتقبل بمبدأ التفاوض والجلوس معاً حول طاولة الحوار للبحث عن حل للأزمة التي يعيشها الشعب السوري بمختلف مكوناته، وكم من الضغوطات والمهارات الديبلوماسية تمارس لإدارة النقاشات والحوارات للوصول إلى قواسم مشتركة تلزم الأطراف المعنية بتتنفيذها، وتقنعها بأنها تضمن جزء من مصالحها..
ولهذا وبالرغم من انحسار فسحة الأمل في نجاح مؤتمر (جنيف3) أسوة بغيره من المؤتمرات والاجتماعات التي سبقته والتي فشلت بسبب تعنت الأطراف المعنية وتصرفها بعيداً عن الشعور بالمسؤولية الوطنية وانجرارها خلف مصالحها وأجندات المحاور التي تدور في فلكها،
 إلاّ أنه وبالرغم من ذلك فإننا جميعاً مدعوون إلى التشجيع على ضرورة استغلال هذه الفرصة التاريخية والعمل بمسؤولية وطنية عالية وشعور انساني صادق من أجل تسهيل الطريق للوصول إلى مخرج لهذه الأزمة التي أشعلها نظام البعث بعقليته الدكتاتورية، وأججها أمراء الحرب وتجارها على طرفي النزاع، الذين لايهمهم في استمرار هذه الحرب سوى مصالحها، حتى تحولت البلاد إلى فريسة يتقاسمها اليوم الوحوش الضارية من كل حدب وصوب.
وفي هذا الإتجاه تقع على عاتق الأعضاء الكرد المتمثلين في (جنيف3)، مسؤولية صعبة ومزدوجة: مسؤولية وطنية في دفع النقاشات والحوارات- بعيداً عن الشعارات الخيالية-  باتجاه بوابة الخروج من هذا النفق المظلم والنجاة من هذه الحرب المدمرة التي لم تخلف ورائها سوى المزيد من الضحايا والمهجرين والمشردين والمفقودين والمعتقلين، ومسؤولية قومية تجاه شعبهم كثاني أكبر قومية في البلاد، لابدّ من العمل على تثبيت حقوقه القومية دستورياً في سوريا المستقبل، وتعويضه على مالحق به من ظلم وقمع واضطهاد جراء سياسات التعريب التي نفذت بحقه على يد الأنظمة الدكتاتورية المتعاقبة، وعلى يد الشوفينيين والعنصريين الذين أخذوا مكانهم اليوم بين صفوف المنظمات الإرهابية المتطرفة أو ضمن صفوف المعارضة، من العروبيين الذين لاينظرون إلى الكرد إلاّ بعيون البعث فيرونهم جسماً غريباً لابدّ من اجتثاثه..
إذاً وبالرغم من أن فرص نجاح (جنيف3) مازالت ضعيفة -كما أسلفنا- إلى حد أن الجماهير لم تعد تتابع مجرياته بحماس لاقتناعها بأن القضية السورية باتت خاضعة لأجندات خارجية بحتة، إلاّ أنه مع ذلك هناك بصيص من الأمل لابدّ من استغلاله من أجل انجاح هذا المؤتمر الذي يشكل فرصة نادرة أمام الشعب السوري للخروج من هذه الكارثة، فهو ينعقد في وقت وصلت فيه جميع الأطراف المعنية بالأزمة السورية إلى طريق مسدود حتى تكاد الأوضاع تنفلت من بين يديها، لتصبح بيد المنظمات الإرهابية والمتطرفة والعصابات وأمراء الحرب وتجارها، وبالتالي توسع دائرة خطرها لتنتقل إلى خارج البلاد.
 ومن هنا فإن الجميع مدعوون للعمل بجدية وإخلاص من أجل عدم تفويت هذه الفرصة التاريخية وذلك بالتحلي بالواقعية في النقاشات بعيداً عن الإرهاب الفكري والشروط التعجيزية، والإنفلات من الإجندات الخارجية والإمتثال للمصلحة الوطنية العليا ومستقبل البلاد الذي لابدّ أن يكون مشرقاً تسوده الحرية والعدالة والمساواة، بعيداً عن القهر والدكتاتورية والإستبداد، ويؤسس لبناء نظام ديمقراطي اتحادي برلماني يضمن الحقوق القومية للشعب الكردي وغيره من المكونات القومية والدينية، وإلاّ فإننا سنعيد تجربة (الراعي والذئب).
28/1/2016
علي شمدين/ عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عقدت ممثلية المجلس الوطني الكردي في سوريا (ENKS) بإقليم كوردستان اجتماعها الاعتيادي يوم الأحد، 26 آذار 2025، في أربيل، لاختيار قيادة جديدة. استُهل الاجتماع بالوقوف دقيقة صمت إجلالًا لأرواح شهداء الكورد وكوردستان، وشهداء الثورة السورية، وعلى رأسهم القائد التاريخي ملا مصطفى البارزاني والمناضل إدريس البارزاني. وبحضور كامل الأعضاء، جرت مناقشات مستفيضة أعقبها فتح باب الترشيح، حيث تم انتخاب السيدة أسماهان…

إبراهيم اليوسف تعرض الكرد، عبر العقود الماضية، لحملات متكررة من التشويه والتشكيك في انتمائهم، ووصلت إلى حد اتهامهم بالأسرلة، بعد الثورة الكردية في بداية الستينيات من القرن الماضي في كردستان العراق، وفي مطلع التسعينيات، وكأنهم مطالبون وحدهم بتقديم فروض الولاء والطاعة لشعوب المنطقة، دون أن يتم منحهم الحد الأدنى من حقوقهم القومية. وما يثير السخرية أن هذه الاتهامات…

د. محمود عباس في عام 1980، وفي ختام كرّاسي التحليلي (الكورد وثورة الخميني)، دوّنتُ بحروف الغضب والخذلان، عن كيف سُحقت اليد الكوردية الممدودة إلى الجمهورية الإسلامية الوليدة، لا بخطاب فكري، بل بسيفٍ مشرّع باسم الدين. واليوم، بعد أكثر من أربعة عقود، يعود ذات المشهد – لكن على مسرحٍ سوري – بوجوهٍ مختلفة، وشعارات متغيرة، وأدوات شبيهة. يا حكومة…

– المبادئ: وأنا أدلي بشهادتي عمّا جرى في يوم الجمعة/ الثاني عشر من شهر آذار عام 2004م وفي الأيام التي تلتها، (بعد مضى 20 عاماً عليها)، أودُّ بداية أنْ أنوّه بالآتي: حينها كُنت مُدرِّساً لمادة التربية الفنية التشكيلية، وعضو اللجنة النقابية في شعبة مدينة قامشلي لنقابة المعلمين، وسبق لي (شخصياً) أنْ كُنتُ لاعب كرة قدمٍ ضمن التشكيلة الأساسية لنادي…