بين إصبع الشهادة وإصبع الإفادة

 ابراهيم محمود

 

 لكل إصبع مقال ودلالة، وتلك المجاوِرة
للإبهام تكون للشهادة والإفادة، إنها السبّابة أيضاً، وكذلك تكون معتمَدة للاتهام
والكتابة بالمقابل، ويعني ذلك أن أي إساءة إليها إساءة إلى المعني بها. ولعلها
الأولى في لفت نظر من يريد إيذاء صاحبها، أو تهديده: بكسرها، أو قطعها، أو
تشويهها..الخ، فتكون الأكثر إغراء بالنيل منه عبرها، فتكون أكثر من اسمها وحجمها.
إنها الأضعف والأقوى، ولهذا دأب، كما يدأب الذين يحاولون إبراز عنفهم، أعني
همجيتهم في المتن، على التركيز عليها، لتكون الإساءة إليها، بحكم مهامها، إخراجه
من الوجود.
في شأن الأخ جنكين عليكو، المثال الأقرب، الجريمة مضاعفة، لأن الذين أرادوا
النيل منه، وجَّهوا رسالتهم إلى كل من يرى أن في وسعه الشهادة والإفادة، كما لو أن
تشويه الإصبع تلك أو قطعها، إسكات الصوت الذي يقول لا لهؤلاء الذين تخلَّوا عن
أصابعهم وقد استحالت مخالب مسمومة، كما لو أن هؤلاء الذين يتكلمون بلغتنا: وهم
أهلنا، أقاربنا، معارفنا، شركاء مصيرنا، آثروا أن ينزعوا عنا
اللسان الذي يوحدنا، ليثبتوا أن لا حاجة لهم إلى لسان فعلي، والأصابع التي تشهد على
وحدة الأصل والاتجاه والهدف، في هذه التي يريدونها روجآفا مراحَهم ومطلق سراحهم،
وحيث يثبتون للعالم أجمع أن أصابعهم لم تعد أصابع، أن لسانهم الكردي لم يعد اللسان
الكردي، إنما ما يقارب بين الناب والمخلب، وإرغام من يحيطون بهم بصواب فعلهم، وهم
دون لسان: إذ يكفيهم في مئات ألوفهم اللسان الذي يسمّيهم، وإن كانت الكردية غائبة
مغيَّبة ترثي ذاتها وكل ما يصلها فيها، وهم دون عين: إذ تكفيهم في مئات ألوفهم
العين التي تهديهم، وإن كانت الجهة التي تحدَّد نعياً للكردية الحقة، وهم دون إصبع
طبعاً: إذ تكفيهم  في مئات ألوفهم الإصبع التي ترهب الأهل والأقارب وقد أصبحت
مخلباً.
ماذا يعني تنامي هذا العنف الدموي الذي يخرج الإصبع عن طورها الطبيعي
كسراً أو سحقاً أو حرقاً أو قطعاً، ويخرج الوجه عن هيئته تشويهاً أو ما يرادفه،
تأكيداً على أن الكردية هي هذه التي يُدعى إليها ؟
لا، ثم لا، ثم لا! يا سادة
ليسوا سادة في روجآفا الكرد، إثر هذا الترهيب المرئي أو الملحوظ الذي يمارَس في وضح
النهار، ويكذّب صاحب الإصبع وهو بكامل أهليته العقلية وسلامة حواسه، إذ يشير إلى
رموز الإرهاب والترهيب، لا يا سادة أرادوها كردية، وقلنا مرحى، ومثّلوا في الكردية،
وقلنا بؤساً، ويريدونها حتى ما دون مجرد الاسم، وسنقولها سحقاً لكم.
يفترَض في
الفارض سلطته على الآخر أن يُسمّي نفسه جهاراً، وليس أن يرتكب ” الموبقات ” ويتنكر
لها، أن يعترف الفاعل بفعلته تأكيدَ شجاعة معينة تسجَّل له في التاريخ، لا أن يتهرب
من ظله واسمه وصورته ولسانه ” الدخيل ” عليه، كما يظهر، وهو جبن الجبن، كما يجري في
الآونة الأخيرة وباضطراد، وما في ذلك من إجهاز على البقية الباقية من روح الكردية
.
لا يا سادةً دون سادة يحيلون روجآفا إليهم، ومن جهة كردهم حصراً، وليس
الناطقين بلسان آخر، وذلك الانسلاخ الأعظم عن الكردية المزخرِفة للافتات ووجوه
الشهداء المخطوفة ألوانها في رعب الدائر والحاصل. ما كانت ولم تكن، ولن تكون
الكردية هكذا في رعب المعاش والمداس والمجهضة، لروجآفا أصابعها الخمس التي تعصى على
أي تشويه، وهي في شهادتها وإفادتها ووفادتها التاريخية.
عجبي من هذه الإصبع التي
تخيف من يترصدونها حتى وهي مضمومة إلى شقيقاتها من الأصابع الأخرى، رعبهم من أن
تؤلبها لترسم قبضة في وجه كل ممثل بكرديته قبل كردية سواه! عجبي من ناقم على جور،
فإذا به ينافس الجائر تأكيداً على أن له جوراً غير مسبوق، جور الكردي في الكردي
وعلى الكردي.
لا يا سادة يخافون من إصبع كهذه: إصبع تكتب، ترسم، تشهد، تتهم عند
اللزوم، إصبع على هيئة الديناميت، على شاكلة القلم المنتصب قامةً، على سوية الجسر
الذي لا يتزحزح، إصبع بليغة بشهادتها وإفادتها، وإن سُفِحت، وإن قطعِت، وإن شوّهت،
حيث تتنادى شقيقاتها الأخريات شاهدة على جرم مرتكب، جرم هو عار المرعوب من إصبع
تقول لا بحركة جلية، بكتابة تعنيها، لكل الذين يحولون بينها وبين حياة تستحق أن
تكون حياة ويُضحَّى من أجلها.
لا يا سادة كرداً روجآفاويين، ما كنتم سادة
بالصورة هذه، ولن تكونوا سادة كرداً بكل زخمكم المصرَّح به، والملوَّح به، في كافة
تشكيلاتكم الأسايشية وأضرابها، لن تمنحوا الكردية المسماة بكم ما يجعلها كردية
حقاً. تلك هي سُبَّة تاريخ !
لا يا سادة لا يكونون سادة أنفسهم وهم في تحريهم عن
كل إصبع تٌسمي الاتجاه الصحيح بحركة مسجَّلة، وتترك بصمتها التاريخية تجاه زور يحصل
في تاريخ منسوب إلى الكردية وهي براء منها، من شرق روجآفا إلى غربها، من شمالها إلى
جنوبها طبعاً، طبعاً، طبعاً.
لا يا سادة باسم الكردية يتحدثون ويتحركون وينالون
من كردهم أكثر مما ينالونه من المعتبرين أعداءهم، لا جهة كردية بخالية من نظيرة
إصبع الشاهد النافذ بروحه على كردية مسفوحة، كل الجهات أصابع، وإن شئتم، أصابعنا
موجهة إليكم من الجهات كافة، وأنتم تزيدون في عدد كماشاتكم وعصيّكم وميتاتكم
ومتفجراتكم التي تسميكم، أصابع لا تحصى، لا تحول دونها حدود محروسة من قبلكم، ولا
أسماء الذين يتباهون بأنيابهم ومخالبهم فيكم ومنكم، وكل إصبع بمائة إصبع..فهل
ستتمكنون من مطاردة هذه الملايين من الأصابع التي تشير إليكم، صحبة صوت مدوٍّ: كل
الطرق مسدودة في وجوهكم ؟ لننتظر !
دهوك- في 8 كانون الثاني 2016 
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس   باسم الضمير الكوردي، وبحسّ المسؤولية التاريخية التي لا تتكرر إلا نادرًا، نوجّه نداءنا هذا إلى كافة الأحزاب والقوى والمستقلين المشاركين في المؤتمر الوطني الكوردي المزمع عقده في مدينة قامشلو، أن يكونوا على مستوى اللحظة، وحجم الأمل، وثقل التحدي. إن ترسيخ النظام الفيدرالي اللامركزي في صلب الدستور السوري القادم، ليس مطلبًا سياسيًا عابرًا، بل ركيزة مصيرية لمستقبل…

ماهين شيخاني   تُمثل القضية الكوردية إحدى أقدم وأعمق قضايا الشعوب في منطقة الشرق الأوسط، حيث يرتكز الصراع الكوردي على حق تقرير المصير والحفاظ على الهوية القومية والثقافية. في هذا البحث، نسلط الضوء على العلاقة التاريخية بين الكورد والقبائل العربية الأصيلة، ونناقش محاولات الإنكار والإقصاء، لا سيما في سياق الحرب السورية الحديثة، مع إبراز الدور المركزي للثقافة والأدب الكوردي في…

خوشناف سليمان ديبو   يترقّب الشارع الكُردي انعقاد المؤتمر الكُردي المقرر في 18 أبريل/نيسان بمدينة قامشلو، وسط مشاعر متباينة تجمع بين الحذر والتطلع. ويأمل كثيرون أن يُشكل هذا الحدث محطة مفصلية تُنهي سنوات الانقسام والتشرذم، وأن يُمثل بارقة أمل لشعب طالما حلم بوحدة الصف وتوحيد الرؤية في مواجهة التحديات المتزايدة. أبرز تلك التحديات هو غياب وحدة الموقف داخل الحركة الكُردية…

اكرم حسين   تمضي سوريا في أحد أكثر مراحلها التاريخية تعقيداً، حيث تتزاحم الأزمات وتتداخل التحديات في مشهد يشبه الركام. نظام قمعي راحل خلّف دولة فاشلة ، واقتصاداً مفلساً، ونسيجاً وطنياً ممزقاً، وأرضاً مباحة لكل من يريد الاستثمار في الفوضى والدم. لكن ما بعد السقوط لا يجب أن يكون سقوطاً آخر. ما نحتاجه اليوم ليس مجرّد حكومة جديدة، بل…