تزايد حالات نقطة اللاعودة عن الصدام والقطيعة

عبدالغني علي يحي

  تبرز حالة نقطة
اللاعودة عن الصدام والقطيعة نتيجة ظهور إرادتين متقاطعين لطرفين متنازعين، بحيث
إذا تراجع أي منهما عن إرادته، فأن هزيمة نكراء تلحق به. في مستهل حرب الخليج
الاولى احتل العراق مناطق إيرانية كثيرة، وقام صدام حسين بتمزيق اتفاقية الجزائر
التي كان بموجبها قد تنازل عن نصف شط العرب ومناطق حدودية لأيران، مطالباً إيران
بتلبية مطالبه. إلا أن إيران بدورها امتنعت عن الخضوع لمطلبه وأصر الخميني على
مقاومة الاحتلال العراقي لأراضي ايرانية، وبذلك فأن التقاطع بين بغداد وطهران بلغ
نقطة اللاعودة عن الحرب التي طالت بينهما (8) أعوام الى ان أوقفها المجتمع الدولي
عام 1988 ولعقود نجد الفلسطينيين والأسرائيليين أسرى تلك النقطة، الفلسطينيون
يطالبون باقامة دولتهم في حدود عام 1967، لكن اسرائيل تأبى ذلك بقوة، وبذلك يتواصل
الصراع بينهما بسبب اصرار كل طرف على موقفه.

لقد كانت حالات نقطة اللاعودة عن الصدام والقطيعة في الماضي نادرة جراء الاستقرار
النسبي للأوضاع في العالم، غير أنه نتيجة توترها بعد زوال نظام القطبين، فان حالات
(نقطة اللارجعة.. الخ) راحت تتزايد، والامثلة كثيرة (1) مطالبة موسكو لأنقرة
بالاعتذار عن اسقاطها للطائرة الروسية فأمتناع أنقره عن الاعتذار (2) اصرار تركيا
على ابقاء قواتها في كردستان العراق والعراق لايكف عن المطالبة بمغادرتها. ومن
الحالات هذه (3) مطالبة الحزب الديمقراطي الكردستاني بعقد اجتماع مع حركة التغيير
من دون عودة رئيس البرلمان الى رئاسة البرلمان، بالمقابل تريد التغيير عودته قبل
عقد الاجتماع، عليه فأن القطيعة قد تمتد بينهما. (4) ان استمرار الخلاف بين روسيا
واوكرانيا بلغ تلك النقطة منذ زمن ولا يلوح في الافق ما يوحي بتجاوز البلدين للنقطة
تلك (5) وفي سوريا تتمتل نقطة اللاعودة عن الصدام المسلح دعوة الغرب الى تنحي الاسد
عن السلطة كحل للأزمة السورية، بيد ان روسيا وايران ومعهما دول اخرى ترى في الاسد
خطاً أحمر… الخ من الامثلة.
ان تجارب العالم تجمع أنه عند بلوغ تقاطع الارادات
الشديد نقطة اللاعودة عن الصدام والقطيعة فأما الحرب أو قطيعة مزمنه تترتبان عليها،
ويلعب الاعلام دوراً واضحاً في تعميق تلك النقطة في غرسه للعداء بين الامم
والجماعات وكان التراجع عن الموقف حتى وان كان (الموقف) عيب مشين، ويبدو وذلك منذ
فطرة أن الطرفين المتخاصمين يفضلان القطيعة المزمنة على الحرب، وبالاخص الاطراف أو
الدول التي قطعت شوطاً هاماً من التطور والتحضر. والان ينتظر العالم بلهفة حلول
نهاية للأزمة بين موسكو وانقرة و موسكو واوكرانيا وبين انقرة وبغداد وايران والغرب
حول سوريا وبين الاسرائيليين والفلسطينيين والهنود والباكستان حول كشمير.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بالرغم من أنَّ التصرف الأخير للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد الذي تمثل في حرصه الشديد على خلاص ذاته وأسرته القريبة فقط، وعدم إخبار حتى أقرب الناس إليه من محيطه العائلي أو السياسي بما سيُقدم عليه في اللحظات المصيرية، يظهر بوضوحٍ تام أنه شخص أناني وانتهازي ومريض نفسياً وغير معني أصلاً بمصير بالطائفة التي يدّعي الاِنتماء…

صلاح بدرالدين ملاحظة برسم شركاء الوطن باالإدارة الانتقالية واذا كان من حق الإدارة العسكرية ذات اللون الواحد تسييرشؤون البلاد بعد نيلها شرف اسقاط نظام الاستبداد – وهو عمل يحظى بكل التقدير – من جانب معظم السوريين الذين ناضلوايضا منذ عقود، وساهموا في اضعاف النظام، وقدموا في سبيل ذلك التضحيات الجسام، ولاشك انهم يتاملون ان يتم تنظيم الحوارات الداخلية…

فرحان كلش الملاحظ أن هناك تكالب دولي واقليمي مثير للريبة على المساهمة في تثبيت أقدام الإدارة الجديدة في دمشق، هذا الإندفاع ربما له أسبابه بالنسبة لكل دولة، فالدول الغربية تنطلق من الخطورة التي تشكلها الأحزاب اليمينية المعادية لللاجئين والتي تهدد الحكومات اليسارية واليمين الوسط الأوربي، لذلك نشهد أن هذه الحكومات تتقاطر إلى دمشق والمؤتمرات الخاصة بها بهدف التخلص من ملف…

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)* يتجلّى الحل الحقيقي لمشكلة الاستقرار والأمن والتعايش في إيران والشرق الأوسط بشكل أوضح، يوماً بعد يوم. وهذا الحل هو “إسقاط دكتاتورية ولاية الفقيه الحاكم في إيران”. فلماذا؟ قبل التطرق إلى الإجابة على هذا السؤال، لا بد من الإقرار بحقيقة جلية وهي أن القوة الوحيدة التي وقفت منذ البداية موقفًا راسخًا ضد دكتاتورية ولاية الفقيه،…