الشعارات الحزبية.. والواقع السياسي الكوردي ..!

 

دهام حسـن

 

 كثيرا ما يطرح بعض
الحزبيين شعارات فضفاضة بلا مضمون واقعي، ولا احتساب للظرف. فطرح الشعارات حقيقة،
يقتضي قراءة سياسية سليمة للمرحلة، كما يستوجب حالة من وعي وتفهّم للواقع المعيش،
وحتى اكتناه الآفاق بقدر ما واستشرافه، ناهيك عن مدى الحاجة للكفاءات الفكرية عند
تناول هكذا مسائل..
علينا ألّا ننساق وراء الشعارات القومية هكذا بسذاجة وعاطفة
طفولية، أو التوهّم بأن طرح هكذا شعارات يكسبنا شعبية ومصداقية، فثمة من يحسنون فنّ
اللغط والكلام، وإثارة المشاعر، والقدرة على استمالة الجمهور دون محاججة عقلية،
فالسفسطة هي بالأساس، لا تهدف، لا إلى إنارة العقول، ولا إلى نتيجة مرضية، بل
تقودنا إلى الإيهام والتضليل، دون احتساب لا للواقع ولا للآفاق، ولا حتى دون اعتماد
العقول والكفاءات وخبرة المناضلين، علينا ألا نسرح بعيدا مع الخيال،

 

فالظرف يقتضي منا وحدة الكلمة، والتركيز على الجانب الديمقراطي في الحياة السياسية
والعمل المؤسساتي، إذ لابد من التغيير في نظام المستقبل، فالنضال الاجتماعي
والديمقراطي أولى من التركيز على أشكال النضالات الأخرى ولو مرحليا، إذ لا بدّ من
العمل معا بالضد من النظم الاستبدادية القائمة، وما تمارسه الأجهزة الأمنية
بمسمياتها المختلفة من ارتكابات وفظائع، أجل.. لا بد من النضال في سبيل التغيير
الثوري في كافة مؤسسات الدولة والمجتمع، فالمواطنة الفعلية والحقيقية هي أساس
القومية، فالوطن بتعبير مؤرخ فرنسي: (هو ما نحبّ، قد تكون الإلزاس ألمانية العرق
واللغة، ولكنها فرنسية القومية والشعور بالوطن) من هنا لا بدّ من تثبيت قيم
أخلاقية، وقانونية تشريعية، بفحوى أن كل مواطن حرٌّ ومساو لغيره في الحقوق،
فالدولة، أية دولة كانت، يجب أن تعبر عن إرادة مجموع السكان، مجموع الشعب سواء
بسواء، بغض النظر عن التمايز في العرق أو اللغة او الدين أو المذهب أو سوى ذلك.. من
هنا أقول: لابد أن يعترف واحدنا بالشرعية التاريخية للحركات القومية، مع التنبه
بألا يتحوّل هذا الاعتراف إلى تمجيد التعصب القومي، فالشعور القومي أمر طبيعي لا
صنمي، والنضال ضد كل نير قومي فعل تقدمي وواجب نضالي دون ريب..
وهنا لا بد من
إيضاح موقفي من فكرة حقوق القوميات حتى لا يفهمني أخي القارئ بشكل خاطئ، وحتى لا
أتهم بالكوسموبوليتية كما يحلو للآخرين أن يسموا بعض الناس بها، أقول بشكل واضح لا
لبس فيه، أنا مع فكرة أو مقولة “حقّ الأمم في تقرير مصيرها” وهذا (يعني بوجه الحصر
حق الأمم في الاستقلال بالمعنى السياسي، وفي حرية الانفصال السياسي عن الأمة
المتسلطة المضطهِدة) بتعبير لينين، رغم هذا الوضوح في التعبير والتفسير، فالحكم على
هذه الفكرة أو تلك يبقى رهنا بالواقع والتاريخ، فمثلا وجدنا ماركس مع استقلال
بولونيا عن روسيا القيصرية، في الوقت الذي عارض استقلال التشيك والسلاف باعتبارهما
مراكز أمامية لروسيا في أوربا، ما أريد قوله هنا عدم التشبث بنظرية الأمس حتى لو
كانت صحيحة في الماضي، ربما كانت ملائمة للحالة حينها، لكنها قد لا تتلاءم مع
الواقع الحيّ الدائم التجدد، أجل.. فالنظرية بتعبير أحدهم: (رمادية اللون – يا
صديقي – ولكن شجرة الحياة دائمة الاخضرار) أكرر ثانية أنا مع هذا الحق “حق الأمم في
تقرير مصيرها” دون قيد أو شرط، او أيّ شكل من  العلاقة ترتضيه أية قومية مع النظام
القائم، مع المركز: إدارة ذاتية، فدرالية، كونفدرالية، لامركزية، الانفصال وتشكيل
دولة قومية مستقلة، وانسجاما مع قناعاتي بهذا الحق القاعدة، أنا مع حقوق شعبنا
الكردي حتى في تطلعاته بكردستان كبرى موحدة، فعندما أناقش هذه الفكرة لا يغرب عن
بالي هذا الحق، كما لا يغيب عن بالي هذا المأثور الشعري: (ما كل ما يتمناه المرء
يدركه..) هذا من جانب، ومن جانب آخر، علينا أن نعي أن كل تعصب قومي يلحق الضرر
بقضية الحرية والديمقراطية، أي بالمسألة القومية، ويضعف قوى المعارضة، تلك القوى
المقاومة للظلم والاستبداد، كما أنه يبلد عقول الناس، ويبدد صفوفهم، أرى أن تعبئة
الناس وراء الشعارات القومية بالنسبة للأمم المضطهَدة، حتى لو انطلق مطلقو تلك
الشعارات من نوايا طيبة، فإنما عملهم هذا يفضي إلى العزلة وربما الانزواء في خانة
ضيقة، علينا أن نبحث عن حلفاء لا أن نتخندق خلف المتراس القومي، أستطيع أن أتحايل
على النص كما يفعله بعض سياسيينا  لكي يتلاءم مع ما يطرحونه من باب المزايدة أو
النفاق دون أخذ واقع النظام، والظرف، والحالة السكانية بالحسبان، من حيث العرق
والدين، لابد من التنبه لكل هذا، وأمور عديدة أخرى سوف تظهر عند تناول الموضوع
والمعالجة، فحال من لا يأخذ كلّ ذلك في البال والاعتبار كحال من يلقي بنفسه في
البحر دون معرفة بالسباحة..
 من جانب آخر يقتضي من أبناء القومية الحاكمة أن تقف
مع هذا الحق، حق تقرير المصير لأبناء القوميات المحكومة، فما تحقق لهم أي لأبناء
القومية الحاكمة، ينبغي لهم أن يتمنوا تحقيقها لسواهم من أبناء القوميات الأخرى
المحكومين، كما يقتضي من أبناء القوميات المضطًهَدة أن يناصروا التغيير المنشود في
طبيعة الأنظمة الاستبدادية، فلا يتقاعس واحدهم عن النضال من أجل إسقاط وتغيير
الأنظمة الاستبدادية القائمة، بحجة أنا أطالب بحقي فما شأني بالآخرين، لا بد له أن
يشارك دون هوادة في التغيير المنشود، فعندما تنتقل السلطة إلى أيد جديدة، وتغدو
الديمقراطية لسان حالها وناظما لشؤونها، حينها يسهل التفاهم والتوافق على مسائل
حقوقية مصيرية كان من المتعذر حتى الحديث عنها من قبل، فالأمة التي تضطهد أمة أخرى
لا يمكن أن تكون أمة حرة كما يرى إنجلز..
علينا أن نتنبه أننا نعيش في القرن
الواحد والعشرين، ونظرة الأمس في المسألة القومية – القرن التاسع عشر مثلا – لا بد
أن تختلف عن نظرة اليوم، ففي الماضي وجدنا مفكرين تقدميين كبار مع احتلالات
استعمارية لبعض البلدان، كاحتلال فرنسا للجزائر بسبب التخلف والفقر والجهل والتمزق
والحياة البدائية، علها أن تمضي شوطا في سبيل التقدم والتنمية، ونقول هنا للحكم على
صحة فكرة ما، مقولة ما، يجب مقارنتها بالواقع، لا بفكرة أخرى، هكذا علمتنا المدرسة
الماركسية، فلا يمكن الحكم  هنا على الواقع الراهن بأفكار الأمس، فأي حدث رهن
بتاريخيه، إن الواقع هو الذي يحدد شكل التناول والمعالجة، من هنا أقول ينبغي التنبه
لأشكال النضال بما يتلاءم مع الواقع والظرف بعد دراسة وتفهم للحالة الراهنة، فمثلا
وجدنا كيف تركت حرية الخيار لسكان إحدى المقاطعات البريطانية بين حرية البقاء ضمن
المملكة المتحدة البريطانية أو الانفصال في تشكيل كيان مستقل تماشيا مع مبدأ حق
الأمم في تقرير مصيرها، فجاءت النتيجة أن الأكثرية آثرت البقاء في ظلّ
المملكة.
 وهذه النتيجة باعتقادي تعود لطبيعة الديمقراطية في المملكة، وأن سكان
المقاطعة أدركوا أنهم سيخسرون الكثير لو مضوا في طريقهم إلى الانفصال، من هنا جاء
التصويت بغالبية الأصوات مؤثرين البقاء ضمن المملكة المتحدة البريطانية.. نقطة أخرى
وأخيرة أريد تناولها، ينبغي القول أن الحركة السياسية الكردية في “روج آفا” لم ترق
إلى مستوى إنتاج معارف ومواقف يمكن الوقوف عندها والإشادة بها، فقد ظلّ يجترّ بعض
المقولات دون دراسة معمقة، ولا سبر معرفي، فاليسار عموما بمن فيهم الشيوعيون رغم
نضاله المرير ظلّ عاطفيا، فيه جانب من الطوباوية فيما يتوجب عليه فعله، ظلّ إسار
أوهامه المعلقة ربما في هكذا أنظمة التي قد تقودهم إلى العدالة الاجتماعية،
والاشتراكية والنظام الديمقراطي، فلا بد من التحرر من تلك الأوهام حيث علقنا الكثير
من الآمال على تلك الأنظمة الديكتاتورية لعقود خلت من السنوات،  طالما تشهر راية
العداء للولايات المتحدة الأمريكية، ولا ضير بعد هذا من ارتكابات وفظائع بحقّ
مواطنيها..
 إن الثورات التي عمت أرجاء العالم العربي في مطالع القرن الواحد
والعشرين مما عرف بالربيع العربي، تذكرنا بالثورات البرجوازية في القرنين الثامن
عشر والتاسع عشر التي اجتاحت أوربا وكنست بالتالي الإقطاع وأقصت الكنيسة لتنزوي في
دور العبادة فحسب، وعندنا ستنتهي حتما عهود الظلم والظلام، ولسوف نشهد حالات من
الانفراج والتغيير الأكيد في كثير من القيم والعلاقات، ولا ضير بعدها من الصراع غير
التناحري هذه المرة واستمرار المواجهة في المطالبة بالحقوق المشروعة التي تقر بها
الشرائع والمؤسسات الدولية لكن هذه المرة – كما نأمل ونتمنى أن تكون المواجهة
بالمنطق، لا بالبندقية..!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…