حكاية «السيادة» في سوريا والعراق

 

صلاح بدرالدين

 

  يطيب لنظام الاستبداد
الأسدي وفي وسائل اعلامه التغني بسيادة سوريا والتباكي عليها وادعاء انتهاكها من
جانب كل من يتعاطف مع قضية الشعب السوري في كفاحه العادل من أجل الحرية والكرامة
معيدا كل انتكاساته وهزائمه السياسية والعسكرية وتفكك جيشه وتراجع سلطته الأمنية
والادارية الى أقل من ربع مساحة البلاد الى الاسطوانة المشروخة بالقاء اللوم على
التدخلات الخارجية والاعتداء على الاستقلال والسيادة الوطنية وكأنه مازال يعتقد
كدكتاتور أرعن فاقد للشرعية مسؤول عن اراقة دماء مئات الآلاف وتدمير البلاد أنه
يجسد قيم الوطن وسيادته .

 

  قام السورييون بثورتهم معتمدين على أنفسهم وعلى ارادتهم الفولاذية وصدق تمسكهم
بمبادىء الحرية والعدالة وحتى مضي أعوام من معاناتهم بسبب الاختلال في موازين القوى
لدى مواجهة النظام الذي استخدم كل موارد وقوى الدولة ضدهم لم يطالبوا بأي تدخل
خارجي مطلبهم الوحيد بهذا الصدد اقتصر على شعار– التدخل الانساني – رفعه المتظاهرون
المحتجون السلمييون في مختلف المناطق وهو مطلب مشروع تحقق في أكثر من منطقة وبلد
بأوروبا وافريقيا وآسيا أجازه الأمم المتحدة والقانون الدولي لايتناقض مع السيادة
الوطنية.
  مقابل ذلك ومنذ الأشهر الأولى لانتفاضة الشعب السوري كان الهم الأول
للنظام وعلى رأس جدول اهتماماته تحقيق أمرين باتجاهين متكاملين : الأول دعم وتهيئة
الجماعات والتنظيمات الارهابية المحلية وتنظيم صفوفها واستدعائها من وراء الحدود
وزرعها وتوزيعها في مناطق التماس مع قوى الجيش الحر واستحضار مجموعات وأفواج من
مسلحي – حزب الله اللبناني – وكتائب عراقية مذهبية ومقاتلي الحرس الثوري الايراني
وجماعات – ب ك ك – ووضعها في مختلف محاور القتال في طول البلاد وعرضها واستجلاب كل
هؤلاء أو دخولهم ومشاركتهم بقتل السوريين ليس انتهاكا للسيادة فحسب بل جرائم دولية
ضد الانسانية.
  أما الثاني فكان استدعاء الجيوش النظامية الايرانية والروسية
لتدنيس أرض الوطن وابادة السوريين بمختلف الأسلحة الفتاكة والمحرمة ومن الجو والبر
والبحر بالترافق مع تنفيذ مخططات واجراءات من قبيل تغيير التركيب الاجتماعي
والمذهبي ومحو المعالم التاريخية الدالة على التنوع القومي والثقافي والديني في
المجتمع السوري فأية سيادة يتغنى بها نظام الاستبداد بعد كل الذي حصل مما يضع على
كاهل الثورة وبالاضافة الى انجاز مهامها في الحرية والكرامة والتغيير مهمة استرجاع
السيادة الوطنية وصيانتها.
    يتكرر المشهد بالعراق الذي ابتلى بحكم البعث
عقودا تماما مثل سوريا بصورة مشابهة على مبدأ أينما حل حزب البعث انعدمت الحرية
والكرامة والسيادة فتارة يتغنى حكام بغداد من مخلفات العهد البائد بالصبغة المذهبية
وليس القومية بالسيادة عندما يتعلق الأمر باستحقاقات شعب اقليم كردستان وأحيانا في
سبيل تنفيذ سياسات تخدم المحور الايراني السوري الروسي ضد دول وحكومات من محور آخر
مثل تركيا وبلدان الخليج كما يحصل في هذه الأيام حول انتهاك الجيش التركي لسيادة
العراق .
وكما هو معلوم ومنذ الانسحاب العسكري الأمريكي بعد سقوط النظام
الدكتاتوري في بغداد تحول العراق الى بلد سائب وغير محصن منقوص السيادة فمن جهة
نظام الجمهورية الايرانية الاسلامية يتحكم بمفاصل الحكم والعسكر والأمن والاقتصاد
ومن جهة أخرى الميليشيات المذهبية تقتسم النفوذ والسلطات المحلية والقوى الارهابية
من داعش وغيرها تسيطر على مناطق شاسعة وتقيم سلطتها والحكومات العراقية المتعاقبة
لم تبادر أو فشلت في الغاء الاتفاقية العراقية – التركية الأمنية الموقعة في عهد
الدكتاتورية المنتقصة من حقوق العراق فعلا والتي تخول الجانب التركي بامكانية
التغلغل العسكري في العمق العراقي لمسافة ثلاثين كيلو مترا.
   يضاف الى كل ذلك
الاتفاق العراقي الاستراتيجي مع الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية
لمحاربة داعش وضربه من الجو والبر وبمشاركة آلاف الخبراء والمستشارين  والاتفاقية
الأمنية الرباعية قبل نحو شهرين  مع روسيا وايران ونظام الأسد ومركزها بغداد وهذا
كله يوجز المشهد العراقي الراهن ويظهر الحالة الحقيقية على الأرض بمافيها حكاية
السيادة  التي أشرنا اليها بالبداية.
هناك تواجد عسكري تركي رمزي في العراق وفي
بلدة – بامرني – بكردستان من 150 جندي نتيجة الاتفاقية الأمنية القديمة وبعد قرار
التحالف الدولي بدعم العراق ضد داعش تحول هؤلاء الى مدربين للبيشمركة بالبداية ثم
لمتطوعي محافظة الموصل المحتلة من داعش بزعامة المحافظ السابق للمدينة وبعلم
وموافقة الحكومة العراقية كما يتردد  ولهم عدة قواعد للتدريب في كردستان وكما هو
معلوم وعلى ضوء الخلاف الروسي – التركي هناك من يريد اثارة هذا الموضوع والمبالغة
فيه ليس من أجل السيادة العراقية المشروعة بل ضد تركيا ودعما لروسيا وعلى مايظهر
فان جماعات النظام الايراني تقف وراء الحملة.
 تحولت السيادة مثل أية سلعة أخرى
الى مادة للبيع والشراء في أسواق حكام سوريا والعراق.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…