الفيدرالية النموذج الأمثل لمستقبل البلاد

افتتاحية جريدة المساواة *
مع سخونة الأوضاع على الساحة السورية وامتدادها إلى دول الجوار
وعلى الساحة الأوروبية في فرنسا وغيرها , ازداد القلق الدولي لما قد ترتكبه
المنظمات الإرهابية وعلى رأسها داعش من أعمال إجرامية وتنفيذ تهديداتها المتواصلة ,
إزاء ذلك تسارعت القوى والدول المعنية بهذا الشأن للإعلان – في فيينا أواسط الشهر
الجاري , واستكمالا لاجتماعهم السابق فيها أيضا –  عن خارطة طريق أكثر واقعية وجدية
لوضع قطار التسوية على السكة, بتوافق شبه تام بين المشاركين في هذا الاجتماع الذي
حضره عشرين دولة وجهة دولية  على رأسهم أميركا وروسيا , وضمت السعودية وتركيا
وإيران , ولاقت ترحيبا دوليا ومن قوى المعارضة الوطنية السورية , وقد وضع المجتمعون
الخلافات التي لم يتم تجاوزها جانبا و عملوا على تأجيلها بشكل قد تستطيع التوافقات
إيجاد حل لها في منتصف الطريق المسلوك.
لقد كانت هزيمة داعش والقضاء عليه في مقدمة المسائل التي أجمع عليها المشاركون ,
ورغم أهمية هذا الإجماع فإن السؤال المشروع  ما هو ضمان عدم عودة داعش أو ولادته
بهذا الاسم أو تحت أي مسمى آخر لا يقل أهمية عن القضاء عليه , وربما أكثر أهمية
أيضا , وإذا كان أكثر الباحثين والمهتمين يرون إن التزاوج بين الفكر القومي المتعصب
والديني المتطرف هي البيئة الحاضنة والأرضية الخصبة التي ولدت هذه التنظيمات
وأفرختها من خلال ممثليها الأحزاب الشمولية في دولها المركزية , والمنظمات الصورية
التي أنشأها وأقصى بها الآخر المختلف سياسيا وقوميا ودينيا ومذهبيا , بوسائل قمعية
وعنيفة طيلة عقود من الزمن , فإنه من الطبيعي أن يكون ضمان عدم هذه العودة هو تجفيف
المنبع الذي جاء منه واستمد استمراريته (النظام الشمولي المركزي) وذلك من خلال بناء
الدولة الاتحادية ( الفيدرالية ) بشكل يتلاءم والتنوع المجتمعي السوري ,يستطيع فيه
كل مكون أن يعبر عن خصوصيته ويطمئن إلى مستقبله.
إن النظام الاتحادي للدولة لم
يكن يوما من الأيام تقسيما للبلاد , كما يروجه البعض ممن لم يتخلص من الذهنية
الشوفينية رغم ما جلبوه بهذه العقلية من مآسي للبلاد والعباد , بل كان بنيانا
للاستقرار والتقدم , كما تشهده الكثير من دول العالم وحتى في بعض البلدان العربية ,
وعليه فان أفضل وسيلة للتصدي للإرهاب وفكره الممجوج والقضاء عليه حاضرا ومستقبلا ,
وبناء سوريا مستقرة تحترم الدول الأخرى والمجتمع الدولي وتُحترم من قبلهم , وتستطيع
النهوض من هذا الواقع المؤلم هو اعتماد الفيدرالية التي تعبر عن توزيع عادل للثروة
والسلطة بين مختلف أقاليم البلاد , كنموذج يضمن المستقبل الآمن والمستقر لكل مكونات
المجتمع السوري من عرب وكرد وسريان وغيرهم ,الأمر الذي يتطلب من المعارضة الوطنية
مناقشة ذلك بمسؤولية وبعقل منفتح والوصول إلى صيغة توافقية لتبنيها , وعلى المجتمع
الدولي المساعدة في تحقيق ذلك.

 

* الجريدة المركزية لحزب المساواة الديمقراطي
الكردي في سوريا
 

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…