كارثية «التجريبية المستدامة» في السلوك المعارض

صلاح بدرالدين

بداية لابد من توضيح
أنني لست بصدد مناقشة ومقارنة المذاهب الفلسفية المعرفية – العقلية منها والتجريبية
والنقدية – فهي خارج موضوعي المطروح ومتروكة لأربابها كل ما أنشده هو تناول المسار
السياسي المعارض الذي يعيد تكرار تجاربه الفاشلة في العديد من القضايا المصيرية من
دون الاستفادة ولو لمرة واحدة من الدروس المستقاة من الاحباطات المتتالية التي كانت
نتائجها وخيمة على الثورة والقضية السورية عامة وأطالت عمر الاستبداد وضاعفت من
درجات المعاناة وأعداد الضحايا ونسبة الدمار.
    من جهة أخرى فانني أخص بالذكر هنا – الائتلاف – الخارج من رحم – المجلس – وأميز
شكلا ومضمونا وفي المستويات السياسية والفكرية بين الثورة المندلعة منذ مايقارب
الخمسة أعوام نتيجة اندماج وتلاقح الحراك الوطني الثوري وتشكيلات الجيش الحر من جهة
وبين تنظيمات المعارضة وعنوانها الرئيسي جماعات الاسلام السياسي التي ظهرت تاليا
كوسيط مالي – سياسي بين أنظمة الدول الخارجية المانحة وقوى الثورة من دون أداء
الواجب المطلوب على أكمل وجه ويسجل لها براعتها في أمر واحد فقط وهو قدرة حفظ
التوازن بين مصالح الأطراف المتناقضة المعنية بالقضية السورية في معظم
الحالات.
  منذ مؤتمر – أنتاليا – في العام الأول من الثورة كان من في الخارج
أمام امتحان النجاح في انجاز الخطوات اللازمة لتقديم الدعم والاسناد لثوار الداخل
والقيام بدور تنظيم أوجه الخدمة لنصرة قوى الثورة وتعزيز وحدتها وكانت حينها
تشكيلات الجيش الحر القوة العسكرية الوحيدة المنظمة المسيسة على الأرض ولكن ورغم
القرارات والتوصيات السليمة التي صدرت عن المؤتمر الا أن الأحزاب التقليدية
والشمولية المؤدلجة منها وقفت عائقا أمام تنفيذ المهام وبالضد توجه المؤتمرين الذين
كانوا بغالبيتهم الساحقة من الوطنيين المستقلين من معظم المكونات السورية ان لم يكن
كلها.
  بعد ذلك كرت سبحة الاجتماعات من جانب – الاخوان المسلمين – السوريين على
وجه الخصوص الذين وجدوا في الجغرافيا التركية والمساعدات القطرية وصعود جماعات
الاسلام السياسي في بلدان الربيع العربي عاملا مشجعا وفرصة تاريخية – حسب قراءاتهم
– وحصل نوع من السباق بين التيارات والجماعات السياسية في الداخل والخارج حول من
يمثل ومن يقود ومن يشكل المرجعية وتعددت مراكز المعارضة حتى شملت كل الاتجاهات
السياسية والمكونات السورية من العرب والكرد والمسيحيين والتركمان ولم تكن أوساط
النظام بعيدة عن الكثير من تلك الهياكل والمسميات مما استدعت حالة التشرذم
والانقسام بمجملها وتحول المعارضة الى معارضات من جانب الكثيرين وخصوصا من قبل
المانحين و( أصدقاء الشعب السوري !!) الى وقفة مسؤولة واعادة اللحمة بين المختلفين
عبر الدعوة الى مؤتمرات توحيدية لرص الصفوف والتفاهم من جديد.
   وبمناسبة
نداءات مؤتمر فيينا 1 و2 لتوحيد المعارضة من أجل الاتفاق على وفد موحد للتحاور مع
النظام وصولا الى الدخول معه في حكومة مشتركة وتكليف الأردن لفرز المعارضة المعتدلة
عن الارهابيين وصدور ثلاثة قوائم بأسماء المرضي عنهم من جانب الولايات المتحدة
الأمريكية وروسيا والمملكة العربية السعودية وتكليف الأخيرة برعاية مؤتمر عام
للمعارضة المسلحة منها والمدنية نقول بأن الوضع عاد من جديد الى نقطة الصفر خاصة من
جهة تعريف ودعوة المعارضة من جانب الأطراف الخارجية وتجاهل الثورة وقواها وتخطي
أهدافها وشعاراتها.
  وأمام الطابور المنتظر لنيل حظوة الوصول الى الرياض مع كل
تمنياتنا لهم بتحقيق المبتغى نعيد الى الأذهان كم من مؤتمرات واجتماعات عقدت
للمعارضة في العواصم العربية والاقليمية والأوروبية والآسيوية بهدف الوحدة ولكنها
لم تجلب سوى المزيد من التشتت والانقسام لسبب واحد وهو غياب المعني بالأمر وأقصد
هنا قوى الثورة الحقيقية أو من هو مخول من جانبها ومحاولات تجييرها لأجندات خارجية
وليس من أجل مصالح السوريين وثورتهم.
  عشرات المؤتمرات والاجتماعات عقدت في
تركيا والقاهرة والدوحة وعمان واسبانيا وفرنسا وبريطانيا وموسكو وكانت بغالبيتها
تحت عنوان الوحدة والاتحاد وكل واحدة منها كانت برعاية دولة معينة ووكيل معين ولكن
من دون أي تمثيل للثورة حتى في الحدود الدنيا كما أن العديد من اللقاءات تمت بهدف
اعادة البناء وهيكلة الجيش الحر ولكنها فشلت منذ ساعاتها الأولى فأية معارضة هذه
التي تعجز عن تعريف نفسها وتشخيص السيء والأسوأ من الجماعات المسلحة والارهابية
وترضى بقيام الآخرين بتصنيفها ومعاينتها من الأعلى الى الأسفل ؟ وهل من حقها في هذه
الحالة أن تدعي الوطنية والثورية ؟.
  مسؤلية المعارضة الرئيسية في تكرار اعادة
التجارب الفاشلة لاتعفي دول الجوار والاقليم والعالم من اعادة المسلسل ذاته ومع نفس
المعارضة الا اذا كان الغرض منه المضي في ادارة ” الأزمة  ” السورية وليس ايجاد
الحلول لها وهو المرجح على أي حال.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…