الجانب الطبقي في المسألة القومية، وأحلام الطوباويين..!

دهام حسن 

عند تناولي للمسألة
القومية في الحركة السياسية الكوردية، غالبا ما أتجنب أن أثير مسألة الجانب الطبقي
لحساسيتها، وقد عرضت موقفي هذا أمام أحد قادة الحركة السياسية الكوردية من التيار
اليساري، لأن مجتمعنا الكوردي بأكثريته الساحقة ينحدر من الريف، والجانب الطبقي فيه
ما زال متعششا في رؤوس بعضهم، وقد تجد فيهم من يرى في ماضي أجداده نبراسا له، فيعيش
في أحلام الماضي كدونكيشوت لا يحس لا بحركة التاريخ، ولا بالتحولات الاجتماعية
الحاصلة، فالتراتبية الاجتماعية اليوم لم تعد ذات قيمة فضلى وفارقة كما كانت في
الماضي, لكن يظلّ بعضهم يتشبث بالماضي (المجيد) يحنّ إليه ولا يغادره في أحلامه،
ويتمنى أن يعود بخلاف سنة الحياة، ليحكم كما كان،أمثال هؤلاء مرضى، لا يريدون أن
يحسوا بالتغيير الذي عصف بأشياء كثيرة، وبالتالي هم غير جديرين أن يواكبوا الحياة
المتجددة دوما وأبدا،
 وعلى هؤلاء أن يعلموا علم اليقين بأن الماضي قد مضى ولن يعود، وليعلموا أيضا بأنهم
بقدر ما كانوا يتعاظمون على من دونهم اجتماعيا، كانوا يتصاغرون عمن فوقهم، وفي هذا
يقول أبو حيان التوحيدي: (ما تعاظم أحد على من دونه إلا بقدر ما يتصاغر عمن فوقه..)
وأحفاد بعض هؤلاء اليوم بينهم من حصلوا على شهادات علمية، لكنهم لم يكتسبوا عقلية
علمية، بل ظلوا أسير أوهامهم التي أكل الدهر عليها وشرب، فلم يقرّوا، أو ينتبهوا
لتغير الواقع، بل ظل واحدهم أسير أوهامه وهواجسه وحنينه مشدودا إلى الماضي ففيهم
يصح هذا المثل: (قد يفقد الذئب أنيابه، ولكنه لا يفقد طباعه).. إن تبدّل الشخصية
عادة ما يترافق مع تغير الظروف، فالنظام العبودي رغم قسوته يعدّ تقدما هائلا
بالمقارنة مع النظام المشاعي البدائي، لأنه عبّـد الطريق أمام تشكيلات جديدة وفق
قانون (نفي النفي) ودشّـن بالتالي الطريق لأول مرة أمام سائر التشكيلات الاجتماعية
الاقتصادية الأخرى لتأخذ مسارها التاريخي الطبيعي، ولهذا لا ننسى مأثور إنجلز عندما
قال: لولا عبودية العصر القديم لما كانت هناك اشتراكية، أي أن العبودية دشنت الطريق
أمام سائر التشكيلات الأخرى، من إقطاعية إلى رأسمالية فالشيوعية، وهناك كثيرون ممن
يتشبثون بالتشكيلة الإقطاعية، وهذه التراتبية في المواقع والألقاب، ودون معرفة مني
بالتراتبية أسرد ما يحضرني منها هنا دون تقيد بالترتيب جراء جهلي بها مع الاعتذار
من المتابعين ممن يهمهم الأمـر: الملك، الباشا، الآغا، البك، الأمير، الكيّا،
الماقول..إلخ
 إن أيّ تغير أو تغيير أو مسّ ببنية النظام الاجتماعي أو السياسي
أو الاقتصادي، وما يترتب عليه من علاقات إنتاج، سيساهم حتما في تغيير وعي الناس،
وتغيير إدراكهم ونظرتهم للحياة، وفي شكل بناء علاقات الناس فيما بينهم، فالذي لا
يحسّ بالتغيير غير خليق أن يستمر في هذه الحياة، فالنستولوجيا (التوق غير السويّ
للماضي) عند بعضهم، ذلك الماضي الذي لن يعود، ويتعذر بالتالي إحياؤه أو استرداده،
فالتذكير والإشادة به جهل ومرض، فاللجوء إلى فروسية العهد الماضي، والتفاخر بعنجهية
الحسب والنسب دليل على العجز، واللاواقعية، فهي كفروسية دونكيشوت ولا واقعيته في
معركته مع طواحين الهواء، والحداثة بمفاهيمها الراهنة قد تجاوزتها، وما عاد مقبولا
التباهي بها، ولا منطقيا يمكن استحضارها واعتبارها إنجازا لمن اعتلى عرشا من العروش
في زمن ولّى ومضى.
 ولو نظرنا إلى الموضوع جدلا فالنسب قوميا لا يمكن تأكيده كيف
تم وانتهى بي وبك أن نكون كوردا، وهذه الحقيقة العلمية ليست نفيا لهويتنا، فالتاريخ
وما انتهى إليه هو الذي صيرنا كوردا ودون تفاخر، لكن كيف أصبحت أنت باشا أو آغا أو
بك، على الأرجح أنها تسميات خلعها على واحدنا الحاكم الإقطاعي في البلاد بغاية
الولاء والتبعية حتما، وبالتأكيد ثمة أسباب أخرى، فمن حظي بمساحة أرض كبيرة اقتطعها
له الحاكم، إما بسبب أن الحاكم يمتْ إلى قبيلته بصلة قربى، أو ربما بسبب مصاهرة
الملك أو الحاكم من هذه القبيلة أو ذاك المكون الاجتماعي، عندها يحظى بمرتبة خاصة،
وربما نالته أعطيات الملك من جاه أو عقار أو سوى ذلك، وليس بعيدا من هذا التاريخ أن
الّفرنسيين والبريطانيين ناهيك عن الساطنة العثمانية هم الذين وزعوا الألقاب هنا في
سوريا والعراق وطبعا للموالين لهم، كما لا يغرب عن بالنا أن كلّ هذا جاءت في
التشكيلة الإقطاعية، أو من بقاياها، فجاء توظيفها -بالتالي- من قبل المستعمرين
عندما احتلوا كثيرا من البلدان فاحتضنوا هؤلاء وخلعوا عليهم ألقابا لاستمالتهم،
ناهيك عن حالات أخرى عديدة، نال هؤلاء فيها ألقابا إما بسبب ما كانوا يملكون من
عقارات شاسعة كما نوهنا آنفا، أو ما أثر عنهم بعد ذلك من فروسية وبأس، واحتوائهم
للآخرين كأتباع جرّاء الفقر وذلّ الحاجة..
 لقد أسعدني موقف بعض زعماء العشائر
الكوردية عندنا، عندما أصرّوا على موقفهم خلال لقاء جمع بينهم وبين مسؤولين من
النظام في سوريا، حيث أصرّ جمعهم من أنهم ليسوا بديلا عن الحركة السياسية الكوردية،
وبالتالي فالحركة السياسية الكوردية هي الممثل الشرعي والوحيد والناطق الرسمي باسم
شعبهم، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على وعيهم, وإدراكهم، وفهمهم للمسالة
القومية..
 وأعود إلى ما قلته في مستهلّ مقالتي من تذرعي بعدم إثارتي لهذا
الجانب، الجانب الطبقي في المسالة القومية الكوردية، أمام صاحبي هذا وهو قد أمضى
عمرا مديدا في التيار اليساري، لكنه أجابني بالقول: أبدا علينا ألّا ننسى المسألة
الطبقية في أيّ صراع أو نضال أو جدال سياسي.. أجل علينا ألا ننسى ذلك، ففي النضال
السياسي لا يمكن مصانعة أحد أمام الحقيقة الساطعة، فلا نسقط السياسة الطبقية في
هكذا معارك فكرية فلا بد من أخذها في الحسبان.. 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…