هل يصبح الأسد كبش فداء لسياسات بوتين وأوباما وخامئني؟

جان كورد

هناك تفاعلات وتقاربات جديدة في العلاقات
الدولية المعقّدة والمتشابكة بسبب ما نجم عن الحرب السورية من نتائج خطيرة على أمن
واستقرار المنطقة، وعلى الاتحاد الأوربي لتعاظم مشكلة اللاجئين وتفاقم أوضاعهم على
حدود الدول بين تركيا ودول الاتحاد، وبشكل خاص منذ التدخل العسكري الروسي في سوريا،
بعد أن كانت مشكلة كبيرة لدول الجوار مثل تركيا والأردن ولبنان والعراق، كما أنها
عامل ضغط نفسي ومالي وديموغرافي على الدول الأوروبية.
فأصدقاء نظام الأسد
وحلفاؤه الذين يقدمون له كل أنواع المساعدة السياسية والعسكرية والأمنية والمالية،
بل والدبلوماسية في أروقة المنظمات الدولية أيضاً، باتوا يدركون أن العالم الحر
الديموقراطي مضطر الآن أمام اشتداد النزوح السوري صوب أوروبا إلى القيام بعملٍ ما
على الأرض السورية التي هي مصدر هذه الهجرة الكارثية. 
والقيام بعملٍ ما وسط القصف بالبراميل المتفجرة والهجمات الانتحارية والقصف المدفعي
كل ساعة، في شتى أنحاء البلاد، غير عملي ولا يمكن تخفيف وطأة النزوح بدون وقف
العمليات الحربية والقيام بما يزرع الثقة في قلوب المواطنين الذين ما عادوا يطيقون
الحياة في بلادهم التي تحولت مدنها وقراها إلى ركامٍ وخرائب. ووقف العمليات الحربية
لن يتم دون توافقات سورية سياسية، وهذا يحتاج إلى تغيير جذري في بعض المواقف، ولكن
لن تجد سورياً واحداً في المعارضة المقاتلة يرضى بالجلوس في الداخل أو الخارج مع
النظام، إن ظل الأسد في موقعه الحالي. لذا وجد الرئيس الروسي نفسه مضطراً للقيام
بعمل عسكري، ربما قد يؤدي بروسيا إلى كارثة سياسية وهزيمة عسكرية ماحقة، أو أن هذا
العمل قد يفسح له المجال لممارسة ضغوط أشد على إيران وعميلهما في دمشق، ليحقق نصراً
سياسياً في الأزمة السورية المستفحلة.
بالنسبة للعالم العربي الذي يتعرّض إلى
هزاتٍ وأزمات وتحولاّت، فإنه غير قادر على طرح بديل عملي للتدخل الروسي العسكري،
على غرار تكوينه قوة مشتركة من أجل إنقاذ اليمن من الاحتلال الإيراني، ولا للدول
الغربية في موضوع إيواء ملايين السوريين، كما أن العالم العربي لم يتمكّن من طرح
مبادرة واقعية لحل الأزمة السورية، على غرار مؤتمر الطائف بصدد الحرب الأهلية
اللبنانية. 
وبالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي، فإنه على الرغم من اكتشافها، بعد
خمسة أعوامٍ من التساهل والتجاهل للكارثة السورية التي أقلقت و”تقلق” على الدوام
رئيس الولايات المتحدة والأمين العام للأمم المتحدة حسب زعمهما، أن جذور مشكلة
اللاجئين تكمن في سوريا وبعض دول البلقان، وشرعت تفيق من نومها الطويل الأمد، فقد
تتمكّن من ممارسة ضغوط سياسية على الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو وتركيا
والدول التي تفسح المجال للاجئين بعبور أراضيها، وقد تشكّل قوة بحرية وبرية وجوية
لمراقبة حدود الاتحاد الأوروبي الخارجية، إلا أنها غير قادرة على عمل شيءٍ عملي
منتج في سوريا من دون روسيا والولايات المتحدة، ومن أهم أسباب الفشل الأوروبي في
مختلف المجالات هو عدم اتفاق سياساتها الوطنية في سبيل بناء سياسة أوروبية خارجية
موحدة.
الدولة الوحيدة التي كان يمكنها القيام بعمل مؤثر ٍ وجادٍ هي الولايات
المتحدة الأمريكية، إلاّ أنها – كما يبدو  – في حالةٍ يرثى لها من التخبط والتردد
وعدم الثقة بالنفس حيال أي مغامرةٍ سياسية أخرى، بعد فشلها الذريع في الصومال
وأفغانستان والعراق، ولكن الولايات المتحدة لن تقف بدون أي رد فعل لمحاولة الروس
التوسعية الثانية في سوريا بعد ما قامت به في شرق أوروبا، ولذا فإنها مخيّرة بين
أمرين: إما التعامل مع الروس وتوسعهم بهدف احتوائه، على غرار الاتفاق مع إيران في
مسار مشروعها النووي، وإما التصدي للروس بشتى السبل سوى المواجهة العسكرية المباشرة
التي ستكون مدمرّة للطرفين وللعالم أجمع. فإلى الآن يبدو أن واشنطن اختارت سبيل
“احتواء” النشاط العسكري الروسي في غرب سوريا، مثلما فعلت مع الملف النووي
الإيراني، والسعي لتخفيف وطأة التصرف الروسي النفسية على الشعب الأمريكي، بإظهار
الأمور وكأن روسيا وإيران لا تقومان في سوريا سوى ب”محاربة الإرهاب الإسلامي”، على
الرغم من أن الحديث يجري في الصالونات الدبلوماسية عن “تقسيم الكعكة السورية” بين
الروس والإيرانيين، ولربما منح الإسرائيليين الفرصة أيضاً لمشاركتهما في نيل حصةٍ
لهم بالسيطرة على القدس ومسجد الأقصى كلياً وبالتوسّع شمالاً بالسيطرة على بعض
التلال السورية الهامة جنوب دمشق.  فالأمريكان لا يريدون تعريض اتفاقهم النووي مع
إيران لهزةّ سياسية حيث أنه يعتبر انتصاراً للرئيس أوباما على الكونغرس وعلى سياسة
نتنياهو المتشددة حيال إيران، ولذا يجب الاستفادة من التدخل العسكري الروسي في
سوريا للضغط على إيران وإسرائيل معاً من خلال إظهار القبول بهذا التدخل وعدم
الاعتراض عليه، وهذه سياسة قد لا تنفع الولايات المتحدة سوى في  تضييق الآفاق أمام
تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي قد تضطر الولايات المتحدة في النهاية إلى
مهادنته والاستفادة منه لتقليل النفوذين الإيراني والروسي في المنطقة، إذ أن “الجيش
السوري الحر” رغم رفضه لكل التدخلات العسكرية في سوريا، إلاّ  أن ظروفه العامة
وقواه الذاتية ليست كافية لمحاربة الروس والنظام ومرتزقة إيران وحزب الله و(داعش)
معاً، وسيرفض الآن لأسباب واقعية تلبية الدعوات المطالبة بقتال الروس في غرب
سوريا.
في هذه الظروف المتوترة، وتحت ضغط دول الاتحاد الأوروبي والإلحاح التركي
والأردني بضرورة حل مشكلة اللاجئين التي ترهق كاهل الدولتين المجاورتين لسوريا، لا
يد من أن تتقدّم روسيا بمشروعٍ سياسي لحل الأزمة السورية، وإلاّ فإن استمرار
وجودها، في حال الضعف الذي عليه النظام سيعتبر لوناً من ألوان الاحتلال والغزو،
وهذا سيتهم روسيا بأنها السبب الأكبر في النزوح الشامل للسوريين، في حين أن دعمه
للأسد على كافة الصعد لايزال يُبَرر في استحياء بالاتفاقيات القديمة بين روسيا
وسوريا.
وهذا الوضع الذي يزداد خطورة ويشكّل أزمة دولية خانقة يؤدي إلى نتائج
سلبية للغاية لنظام بشار الأسد، فإن كلاّ من إيران وروسيا لن يضحيا بعلاقاتهما
المتطورة والمتشابكة مع الغرب من أجله بقائه رئيساً يحكم ركام بلاده.
ولذا، فإن
القول شبه المتفق عليه من قبل الأطراف المتنازعة والذي تكرره الأوساط العالمية
اليوم (الأسد يمكنه أن يحكم فترةً أخرى بقيود!) ليس إلاّ مقدمة للحل الذي سيتعزز
وسيتكرّس برحيل الأسد ولربما بمحاكمته أمام المحاكم الدولية مثل ميلوزوفيتش الصربي
ودكتاتوريي أفريقيا. بمعنى أنه سيصبح كبش الفداء للاتفاق الدولي على سوريا. 
أمّا إذا حاولت روسيا الاستفراد بالسيطرة على سوريا باستخدامها القفاز الأسدي،
فإن الولايات المتحدة الأمريكية لابد وأن تقوم بعملٍ ما يمنع انتشار الروس بشكل
واسع في سوريا، مع إيران الراغبة في إقامة علاقة طويلة الأمد مع واشنطن لأسباب
عديدة منها الأموال المجمدة لها في البنوك العالمية، وبعض الدول العربية مستعدة
للإطاحة بالأسد عن طريق اغتيال أو “قصف خاطئ” أو بصواريخ مجهولة المصدر لتنتزع
“الجوكر” من يد الروس وإيران، وقد تندفع القوات التركية غازيةً لشمال سوريا لأسباب
تتعلّق ب”الأمن القومي التركي”، فإن الحالة السورية ستزداد تعكيراً وستدوم الحرب
سنواتٍ أخرى، والذي سيستمر في دفع الحساب من دمه وممتلكاته وأرضه يبقى الشعب السوري
وحده.
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…