بين نتائج الفكر الشمولي العقائدي والكلاسيكي البدائي تحولت غربي كردستان إلى أرض بدون شعب

 دلكش مرعي

يعتقد معتنقي  الفكر الشمولي بأنهم يمتلكون
الحقيقة بعظمتها وكليتها وقيمتها المطلقة ومن أجل هذا الاعتقاد النرجسي الموبوء 
يعتبرون أنفسهم  فوق القوانين والدساتير والشرائع  بل هم الدساتير وهم القوانين وهم
الشرائع  وهم الأوطان وهم الماء والهواء وهم فوق الحاجة للجميع وعبر هذا الاعتقاد
فلا قيمة للبشر والحجر والأشياء إلا بمقدار خدمتهم وتمجيدهم لفكرهم العقائدي
وشموليته الفذة المذهلة ولذلك تجد إلغاء الآخر وسجنهم وقتلهم ونفيهم وإفراغ الوطن
من أبنائه تصبح إمكانية بديهية لدى هؤلاء … فبقية الناس الخارجيين عن عقيدتهم
وطقوسهم المذهبية هم بضاعة فائضة وفاسدة ومتخلفة ومنتهية الصلاحية وخارجة عن
القانون  فهم نفيات تستوجب رميها خارج الوطن .. 
زد على ذلك يوجد لدى هؤلاء نهج تسمى تكنولوجيا السلوك أو تكنولوجيا ترويض الجماهير
والترويض حسب علم النفس هو  ( تدريب الحيوان وتشكيل سلوكه الغريزي بحيث يؤدي
الحركات والتصرفات والمهام المطلوبة منه واستئناسه ) أما ترويض الإنسان في العلم
المذكور فيخضع للمبادئ والتقنيات نفسها ولكن ليس عبر التأثير على السلوك الظاهري
الحركي فقط بل الوصول إلى تشكيل إدراك الإنسان وأفكاره وقناعاته وعواطفه وأحاسيسه
ورغباته أي امتلاك الإنسان من الداخل والسيطرة على وعيه بالكامل ليعمل كالروبوت
الآلي المبرمج .. هذا بالنسبة للحزب ذو العقيدة الشمولية … أما الأحزاب
الكلاسيكية مع احترامنا لبعض الشخصيات فإن معظم أعضاء هذه الأحزاب هم أميين فكريا
وسياسيا ومفلسين اجتماعياً ولم يكونوا مؤهلين لقيادة المرحلة علما بان أكثر من
ثمانين بالمائة من الجماهير قد التفت حول هذه الأحزاب في بداية الثورة السورية
وتلقوا عشرات الآلاف من طلبات الانتساب للتنظيم داخل هذه الأحزاب وهذا الالتفاف
الجماهيري التي حازوا عليه لم يكن بسبب نضالهم وكفاحهم السياسي المتميز لكن بسبب
تغلفهم بعباءة البرزانية .. والبرزانية بنهجها العام تعني الأصالة الكردية أي أن
يكون الإنسان مخلصاً ونزيهاً ومضحياً من أجل شعبه ووطنه ويضع مصلحة الوطن والشعب
فوق مصلحته الخاصة  فلو كان هؤلاء لديهم تلك الخاصية البرزانية لكان غربي كردستان
بألف خير ودون أدنى شك والميزة الثانية لدى هؤلاء هو كرههم ومقتهم لأصحاب الكفاءات
والخبرات والمؤهلات العلمية فهم يعشقون الإنسان الأمي بشكل لا يتصوره العقل
ويفضلونه على أصحاب الخبرات والكفاءات وإذا صدف وأنضم إليهم أحد من هؤلاء فسيعين
عليه مسئول أمي من الذين لا يجيدون القراءة أو الكتابة !!!!! …  
و بسبب
ممارسات هؤلاء وممارسات أصحاب الفكر العقائدي الشمولي المتزمت فقد الشعب الكردي
الثقة في آفاق المستقبل وبأن الآتي من قبل هؤلاء سيكون الأعظم  وأكثر استبداداً
وطغياناً من نظام الأسد وزبانيته فبدأت الهجرة الرهيبة هجرة الغرق والضياع والتسول
أمام كامبات العالم من وطن زاخراً بالخيرات بالذهب الأسود والماء والسنابل الذهبية
والشمس الساطعة وبدأت تمحى غربي كردستان شيئا فشيئا ويوما بعد آخر من خريطة جغرافية
كردستان لتبقى وطناً بدون شعب.  

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس هل نستطيع أن نقول أن الفيدرالية لغرب كوردستان والنظام اللامركزي في سوريا باتا أقرب إلى السراب؟ ليس فقط بسبب رفض الدول الإقليمية لها خشية من تحولات كبرى قد تعيد تشكيل المنطقة، ولا لأن الفصائل الإسلامية المتطرفة مثل هيئة تحرير الشام وحلفائها لديهم من القوة ما يكفي لفرض مشروعهم الإقصائي، بل لأن الكورد أنفسهم، وهم القوة…

إبراهيم كابان لطالما شكّل الواقع الكردي في سوريا ملفًا معقدًا تتداخل فيه العوامل الداخلية والإقليمية والدولية، حيث تسعى الأحزاب الكردية إلى تحقيق مطالبها ضمن إطار وطني، لكنها تواجه تحديات داخلية مرتبطة بالخلافات السياسية، وخارجية متصلة بالمواقف الإقليمية والدولية تجاه القضية الكردية. فهل تستطيع الأحزاب الكردية في سوريا توحيد موقفها ضمن إطار تفاوضي واحد عند التوجه إلى دمشق؟ وما هي العوامل…

اكرم حسين لاشك أن استبعاد ممثلي الشعب الكردي من أي حوار أو مؤتمر وطني سوري ليس مجرد هفوة أو إهمال عابر، بل سياسة مقصودة تُجسّد رفضاً مُضمراً للاعتراف بحقوق شعبٍ عريقٍ ساهمَ في تشكيل تاريخ سوريا وثقافتها. فالكرد، الذين يُشكّلون أحد أقدم المكونات الاجتماعية في المنطقة ، عانوا لعقود من سياسة التهميش المنظم ، بدءاً من حرمان الالاف من الجنسية…

ملف «ولاتي مه» حول مستقبل الكورد في سوريا، يُعتبر أحد الملفات الهامة التي تُناقش مستقبل الكورد في سوريا في ظل التغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة عامة وسوريا بشكل خاص. يركز هذا الملف على تحليل الأوضاع الراهنة والتحديات التي يواجهها الكورد، بالإضافة إلى استعراض السيناريوهات المحتملة لمستقبلهم في ظل الصراعات الإقليمية والدولية. يسلط الملف الضوء على أهمية الوحدة والتعاون بين مختلف…