الانتخابات الحزبية في ميزان النزاهة

عبدالباقي علي

 

ما من عملية انتخابية
إلا وخلفت وراءها طابوراً من المتشككين والرافضين والمتمردين على نتائجها ما يدفع
البعض الى الخروج من الاطار التنظيمي للحزب وتشكيل كيانات او تنظيمات سياسية اخرى,
فالتشتت والتشظي والانشقاقات المتكررة في جسم الحركة الكردية في سوريا منذ تأسيسها
وحتى الآن يعود في كثير من جوانبها الى العملية الانتخابية ورفض نتائجها وما يترتب
عليها بشكل من الأشكال, مع ان المنطق السياسي والتنظيمي يتطلب من كافة الأطراف
المعنية بالعملية الانتخابية الالتزام بنتائجها بعد التحقق من نزاهتها. اذ يعتبر
قبول نتائج الانتخابات احد المعايير الأساسية لنزهاتها, فالسؤال الذي يبادر الى
الأذهان ويفرض نفسه على عقولنا هو : يا ترى ما هو سبب رفض نتائج الانتخابات ؟. 
هل يعود الى انعدام النزاهة في اجراء العملية الانتخابية, أم يعود الى الفكر
التشكيكي لدى انساننا ولدى الفرد في مجتمعنا حيث فكرة التآمر المتعشعشة في عقولنا
والتي تشكك في كل شيء وتعتبرها مؤامرة تحاك ضد شخصنا أو كياننا الشخصي والسياسي ؟. 
الانتخابات الحزبية في مختلف فصائل الحركة الكردية في سوريا تفتقر الى أدنى
درجات النزاهة بالمقارنة مع المعايير الدولية, فالأجواء التي تجرى فيها الانتخابات
وحشر الأعداد الكبيرة للناخبين في مكان ضيق, بحيث يجلس أحدهم متلاصقاً مع الآخر, ما
يجعل ورقة الاقتراع مكشوفة للجميع وتملأ على مرأى المرشحين المتنافسين أنفسهم وغياب
الغرفة السرية ,يفقد العملية الانتخابية عامل السرية في التصويت والذي يعتبر احدى
المعايير الأساسية للنزاهة, حيث يقع الناخب تحت ضغط الاحراج, خاصة وأن البعض يتقصد
مراقبة ورقة اقتراع صاحبه ليكتشف القائمة التي يلتزم بها, هذا ناهيكم عن التدخل
الفظ من الجهاز الاداري والقيادي في سير العملية الانتخابية بكل تفاصيلها, واستغلال
النفوذ السلطوي في التأثير على الناخب لصالح فئة أو فرد معين, واستخدام القدرات
والموارد المالية والتنظيمية والسياسية للحزب لصالح فرد أو فئة أو قائمة,أي فقدان
السلطة لحياديتها المفروضة كمعيار لنزاهة الانتخابات, هذا الى جانب غياب البرامج
الانتخابية للمرشحين ما يعني فقدان المنافسة بمعناها الدقيق, وانعدام التمايز بين
مرشح وآخر, يضاف الى ذلك تعامل الفرد مع الأفراد الآخرين بردود أفعال سلبية تتخذ من
حادثة معينة موقفاً تجاه المرشح, بمعنى غياب الموضوعية في تقييم الشخص المرشح
وسيطرة المزاجية, الشللية, المحسوبية, والمصالح الشخصية والانتماءات التقليدية
للمجتمع على الاختيار, ومن هنا كان من الصعب أن نرى عملية انتخابية يرضى عنها جمهور
الناخبين, ويقتنعون بنتائجها ,في منطقتنا التي تنعدم فيها الثقة بين شركاء العملية
الانتخابية وأطرافها, فتزداد الشكوك وتكثر الانتقادات على العملية الانتخابية
ونتائجها بعدم قدرتها على ايصال المؤهلات والكفاءات المطلوبة لتبوء المواقع
المتقدمة في الهيئة أو المؤسسة الحزبية ما ينعكس على اداء الحزب بشكل عام ويضعف
الثقة به.
ونظراً لأهمية الانتخابات وضرورة دراستها في هذه الفترة حيث لابد
لقعقعة الرصاص ان تختفي وتصمت, ولابد للديمقراطية أن تنتعش فيبرز دور العقل والمنطق
وتعود لصناديق الاقتراع الكلمة الفصل ,حيث الشرعية الانتخابية هي المثلى بلا منازع,
كان من المفيد الاشارة الى اجراءات ضرورية لضمان نزاهة الانتخابات وبالتالي تعزيز
الشرعية السياسية وهي: 
1 – صياغة قانون انتخابي شفاف وعادل بحيث يبرز الكفاءات
والمؤهلات المختلفة ((العلمية, الثقافية, الاجتماعية, التنظيمية, السياسية,
و…..)) وهذا من شأنه انتشال الحزب من براثن الاستزلام والتبعية الى رحاب الحرية
الفكرية وإطلاق العنان للكفاءات والمهارات لتأخذ دورها.
2 – حيادية السلطة
الحزبية ((القيادة والهيئات القيادية)) في كل عملية انتخابية ومنح فرص متكافئة
لكافة المرشحين على قدم المساواة ليعبروا عن نفسهم ويبرزوا امكاناتهم
وقدراتهم.
3 – تشكيل لجنة قانونية مختصة ذات خبرة خاصة بالعملية الانتخابية
بمثابة المفوضة العليا المستقلة للانتخابات تكون حيادية ونزيهة مهمتها مراقبة جودة
ونزاهة الانتخابات ودراسة الشكاوي والطعون الواردة على العملية الانتخابية, وتعمل
اللجنة بشكل اكثر نزاهة اذا تمتعت بالاستقلالية الفكرية والتنظيمية. وبذلك نمنح
العملية الانتخابية رونقها وبهاءها و نكسب الحزب حيوية ونشاطاً وأعضائه التزاماً
وانضباطاً.  
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…