الويل لشعب يقوده الجهلاء

أحمد حسن – عفرين

من
المعلوم أن لكل ثورة من الثورات التي حدثت في التاريخ لها كتابها وشعراءها ومفكريها
وفلاسفتها تنظر وتخطط وترسم مساراتها وتحدد مبادئها القيمية والحضارية والإنسانية
لتلتف حولها القاعدة الشعبية وتحقق لتلك الثورات حتمية الانتصار والوصول بالشعب
والوطن الى بر الأمان وتجعل من تلك المبادئ والقيم ركائز سياسية وأخلاقية وضوابط
قانونية تستند عليها الأوطان فيما بعد . ومن أمثلة تلك الثورات الثورة الفرنسية
( 1799 – 1789 ) والتي تعتبر من أكثر الثورات دموية في التاريخ وأطولهم وأول ثورة
ليبرالية في التاريخ .فكان لهذه الثورة فلاسفة ومفكرين عظام أثروا تأثيرا كبيرا
وواضحا في المجتمع الفرنسي والأوروبي بشكل عام ومن هؤلاء الفلاسفة :
–   فولتير : الذي انتقد الظلم الطبقي وسيطرة رجال الدين على أدمغة الناس وتدخلهم
المباشر في كل شاردة وواردة في المجتمع والسياسة .
–   مونتسكيو : الذي طالب
بفصل السلطات ( التشريعية – التنفيذية – القضائية ) كما طالب بالليبرالية
.
–    جان جاك روسو : الذي طالب بالحرية والمساواة .
هؤلاء الفلاسفة
والمفكرين ألهموا الشعب الفرنسي وشجعوه على أن تعرف أن لديها حقوق ويجب أن تغير
واقعها وتقرر مصيرها بنفسها . فانتصرت الثورة الفرنسية وبقيت مبادئها ( الحرية –
الأخوة – المساواة ) منابع فكرية وحضارية وإنسانية تشرب منها الشعب الفرنسي والشعوب
الأوربية الى الآن والأمثلة في التاريخ كثيرة مثل الثورة الأمريكية والثورة
الألمانية والثورة الهندية ………..الخ .
لكن في حالتنا السورية انطلقت
الثورة في 15/3/2011 ضمن ظروف موضوعية مؤاتية من ظلم واضطهاد ودكتاتورية وقمع
الحريات وكم الأفواه وظروف اقتصادية ومعاشية صعبة الى اضطهاد الأقليات القومية
والمذهبية …..الخ .الا أن الظرف الذاتي لم يكن مهيئا بشكل مخطط ومدروس ويعود ذلك
الى السياسة اللئيمة التي اتبعتها الأنظمة المتعاقبة على سوريا وخاصة منذ استلام
حزب البعث زمام الحكم في 8/3/1963 وحتى هذه اللحظة وذلك من تفكيك وشق الأحزاب
السياسية  كالحزب الشيوعي والحزب الديمقراطي الكوردستاني وباقي الأحزاب السورية
والقضاء على الحياة المدنية ومنظمات المجتمع المدني وبث روح الفرقة والعداء بين
مكونات الشعب السوري بحيث باتت غريبة عن بعضها وسياسة التجويع والقبضة الأمنية
وسياسة الحزب الواحد ……. الخ كل ذلك تحسبا ليوم مثل يوم انطلاقة الثورة
السورية15/3/2011 فانطلقت الثورة بهبة شعبية عارمة هزت أركان النظام في سوريا قاطبة
لكن سرعان ما حاول النظام ومعه محور الشر من تحريك أوراقه التي أعد لها مسبقا
فاستخدمت أدواته التشبيحية التي تعمل كقفازات خبيثة ولئيمة بأيدي نظام دكتاتوري
وفاشي لإفشال الثورة من خلال دعم ودفع أشخاص ومنظمات وأحزاب وكتائب مسلحة تابعة لها
لإظهارها بأنها تمثل الثورة وابعاد وانهاء كل ممثل حقيقي ومخلص للثورة سياسيا
وفكريا واجتماعيا واقتصاديا وعسكريا وعلميا ……..الخ وبذلك أصبحت الثورة تقاد من
قبل أناس ومنظمات وأحزاب وكتائب مسلحة لاتمت بصلة الى الثورة السورية (( مع
الاحترام والتقدير للبعض المضحي والمخلص )) وجاهلة في الفكر والسياسة والعمل
العسكري ومفلسة اجتماعيا وشعبيا وبالتالي تقود الشعب والوطن الى الويلات والمآسي بل
أوصله الى حافة الهاوية (( فالويل لشعب أو أمة يقودها جهلاء )) 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين هناك شبه اجماع على ظهور الفكر القومي ، وانبثاق دول قومية بداية القرن التاسع عشر في اوربا ، وقيام الثورة الفرنسية بالدور الأبرز في بلورة الهويات القومية ، وقيام الدول ذات الطابع القومي ، ليس في القارة الأوروبية فحسب بل في مختلف انحاء العالم خصوصا لدى شعوب الشرق الأوسط حيث العديد من بلدانها كانت تحت الانتداب الفرنسي ومن…

د. محمود عباس أخطأت الولايات المتحدة الأمريكية (الجناح الراضخ للدولة العميقة العصرية) في إدارة الملف السوري، حين تجاهلت تعويم القضية الكوردية، ولم تمنح قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المكانة التي تؤهلها لتكون البديل الشرعي والوحيد عن وزارة الدفاع المنهارة بعد هروب بشار الأسد، لتصبح بذلك البوابة الأكثر أمانًا لعبور سوريا نحو الاستقرار والبناء ومواجهة الإرهاب بكل أشكاله، ورجحت كفة الاستثمارات مع…

عبدالرحمن كلو في لقاءٍ تلفزيوني على شاشة روداو، وجّه أحد نازحي شنگال سؤالًا بسيطًا ومباشرًا إلى رئيس الوزراء العراقي السيد محمد شياع السوداني: لماذا لم تُنفّذ اتفاقية شنگال؟ فجاء جواب السوداني ببرودٍ لا يخلو من استخفاف: هل تعلم ما هي اتفاقية شنگال؟ وحين أجابه الرجل بالإيجاب، قاطعه السوداني سريعًا قائلاً: الاتفاقية تعني التنمية ووجود القوات الأمنية العراقية في القضاء،…

نظام مير محمدي * شهدت إيران خلال الفترة المنصرمة تصعيدًا مروعًا وغير مسبوق في عمليات الإعدام، في ظاهرة خطيرة تكشف عن الوجه الحقيقي لنظام ولاية الفقيه الغارق في وحل القمع والإرهاب. إن هذه الموجة الهائلة من الإعدامات، التي تطال الشباب والنساء والمعارضين السياسيين والمحتجين، ليست مجرد أرقام تُحصى، بل هي صرخة مدوية في وجه ضمير الإنسانية، تؤكد الطبيعة الإجرامية لكيان…