فلتتوقف هذه الحرب المجنونة؟

عبد الحميد درويش

سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي
الكردي في سوريا

عندما بدأت
انتفاضة 15 آذار 2011 في مدينة درعا، وبعد أيام قليلة عمت هذه الانتفاضة العديد من
المدن والبلدات في سوريا، وكان سرعة انتشارها يدل على مدى الكبت الذي يحمله جماهير
الشعب السوري ضد نظام البعث وممارساته الدكتاتورية والقمعية، وعاملت أجهزة الأمن
والمخابرات المواطنين بكل قسوة وعنجهية، وعندها سارع حزبنا الى طرح مبادرات من
شأنها تجنيب سوريا من أحداث قد تؤدي بالبلاد الى التدمير وتحويل بلادنا الى سوق
لسماسرة السياسة وتجار وأمراء الحرب، وكان في مقدمة هذه المبادرات، الدعوة الى
مؤتمر وطني عام تحضره أوسع فئات الشعب من أحزاب، شخصيات، ورجال دين لمناقشة الأوضاع
المستجدة والوصول الى حلول سلمية تحمي بلادنا من الازمات.
الا ان مبادرات حزبنا لم تلق آذاناً صاغية، فكل طرف كان يعتقد بأنه خلال فترة قصيرة
سيتمكن من كسر شوكة خصمه والقضاء عليه نهائياً وتحقيق آماله، لكن الأحداث جرت وسارت
على غير ما كان يتوقعه كل طرف، فامتدت أيادي كثيرة الى سوريا وتغلغلت في أحداثها،
فألهبتها ودفعت بالأزمة الى التعقيد أكثر. ثم حدث ما كنا نخشاه، وهو ان بعض
الجماهير حملت السلاح واستخدمته في وجه السلطة، وحدث هذا لاسباب، هي:
1-   ان
قسماً من الجماهير رأت من حقها استخدام السلاح  في وجه سلطة لا تتورع عن استخدامه،
بدلاً من التعامل مع المظاهرات بأسلوب سلمي واللجوء الى حوار لايجاد مخرج لهذه
الأزمة.
2-   ان جهات اقليمية ودولية استغلت هذه الفرصة لتحرض على حمل السلاح في
وجه السلطة، بغية دفع الأمور باتجاه استبعاد الحل السلمي.
3-  ان بعض الجهات في
الأمن والاستخبارات هي الأخرى لعبت دوراً مخزياً لدفع المتطرفين والعملاء وقصيري
النظر الى حمل السلاح في وجه السلطة، حتى يتسنى لها تحقيق مآربها في التعامل مع
المتظاهرين بقسوة ووحشية.
وهكذا كان الأمر. فماذا حصد الشعب السوري من هذه
الأحداث المأساوية؟
لقد قضى مئات الألوف نحبهم في هذه الحرب الأهلية، وتم تدمير
عشرات الآلاف من المنازل والبيوت والمزارع، ودمرت مدن بكاملها مثل حمص، درعا، ادلب،
جسر الشغور، كوباني، وجزء كبير من حلب ودمشق ودير الزور وغيرها… ولجأ ملايين
السوريين الى المخيمات ويعيش الباقي في فقر مدقع جراء هذه الحرب المجنونة. وبعد
أربع سنوات يعود الجميع الى المربع الأول، وهو أن الحل السلمي وحده يمكن أن ينقذ
سوريا ويوقف سفك الدماء ويحمي ما تبقى من منازل، وان انتصار أي طرف في هذه الحرب
غير ممكن وغير قابل للتحقيق، لان الايدي التي تعبث بالاحداث لاتريد لها التوقف
والانتهاء.
وهنا نقول للأخوة هنا وهناك، أن نعود الى الحل وتحقيق السلام في
بلادنا، وان كان متأخراً، فهو أفضل من أن نستمر في سفك الدماء وفي تدمير ما تبقى من
وطننا العزيز، والى تحقيق هذه الأمنية، ادعو كل وطني شريف أن يرفع صوته عالياً
ويقول كفى موتاً لأبناء بلدنا، كفى تدميراً لمدننا وبلداتنا وقرانا، كفى جوعاً
لأبناء شعبنا…
ان الحل السلمي الذي يدعو اليه الجميع لايتحقق بسهولة ولا في
وقت قصير، وانما يجب التمهيد له بخطوات مخلصة وصادقة حتى تتهيأ الأرضية المناسبة
للوصول الى الحل السلمي الشامل، ونعتقد بأن ذلك يتحقق من خلال:
1- البدء بالوقف
الفوري للقتال بين الحكومة وتوابعها، وبين الجيش الحر، وتوجيه فوهات بنادق الطرفين
نحو محاربة الفصائل الإرهابية كداعش وأخواتها.
2- المبادرة دون قيد أو شرط، إلى
اطلاق سراح جميع السجناء السياسيين الذين ذاقوا الأمرين حسب المعلومات الواردة من
هذه السجون، وأصبحوا رهينة هذه الحرب وضحاياها.
3- السماح لكافة المعارضين
والمنشقين (مدنيين وعسكريين)، أن يعودوا إلى وطنهم دونما مساءلة أو تحقيق.
4-
على المعارضة الوطنية أن تعلن من جهتها استعدادها للتفاوض مع السلطة دون شروط
مسبقة، وان تبادر إلى تعيين وفد يقوم بهذه المهمة، وعلى النظام أن يستجيب لهذه
المبادرة، والقبول هو الآخر بالبدء بالحوار معها على أساس جنيف1.
اننا بهذه
الخطوات يمكننا ان نتخطى الحاجز النفسي الذي يحول بيننا، واننا يجب أن نعلم بان
الحل بيدنا كسوريين، وان يقتصر دور الآخرين في مساعدتنا على إنجاز هذه المهمة
الوطنية وتذليل العقبات أمام نجاحها.
نقول هذا الرأي ونحن نعلم جيداً بأن صوتنا
خافت ودورنا في الأحداث متواضع، الا اننا أقوياء جداً في موقفنا الوطني الصادق
والبعيد عن المزاودات والارهاب الفكري، واننا نطرح مايجول في خاطرنا وما نعتقد بأنه
يخدم وطننا وشعبنا، ونعتقد أيضاً بأن ماطرحناه في السابق ونكرره اليوم، سيكون في
نهاية المطاف المنفذ الوحيد الى ايجاد حل للخروج بوطننا من هذه الأزمة القاتلة، وان
الافكار والخطوات التي نقترحها سيقوم عليها الحل السلمي، ان لم يكن اليوم
فغداً..

السليمانية 12/8/2015

عبد الحميد
درويش

سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا


شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…