داعش… الظاهرة الأسوأ في التاريخ الحديث

عبد الحميد
درويش

سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في
سوريا

عندما طرحت داعش نفسها على الساحة السياسية، لم يكن أحد
يتوقع ان تتوسع وتقوى بهذا الشكل السريع، فقد توسعت بشكل غريب وأضحت قوة كبيرة جداً
خلال فترة قياسية، عسكرياً- تنظيمياً- مالياً، مما دفع دول التحالف الغربي بقيادة
أمريكا لأن تدعو الى الوقوف في وجه هذا التنظيم الخطير الذي يهدد الأمن والسلم ليس
في الشرق الأوسط وحسب بل وفي العالم اجمع، واتفقت أكثر من 40 دولة عالمياً
واقليمياً لمواجهة التنظيم بكل الوسائل العسكرية، وفعلاً استخدمت كل من أمريكا-
فرنسا وبريطانيا سلاح الجو لضرب قواعد وتجمعات داعش، وفي وقت أصبحت داعش قوته هائلة
وسيطر على العديد من المدن الكبيرة في العراق وسوريا، بالاضافة الى مساحات واسعة من
الأرض في هذين البلدين. 
ومن الأمور الملفتة للنظر هي أن داعش استولت على العديد من المدن والبلدات دونما
قتال، بل تسلمتها تسليماً من المسؤولين العسكريين وبالاتفاق التام معهم، وكان هذا
واضحاً في الموصل بالعراق، والرمادي… وغيرهما من المدن الكبيرة. وهكذا في سوريان
حيث تسلمت داعش الرقة وعين عاروس وما فيهما من سلاح دون قتال. هكذا تسلمت داعش
أسلحة وذخائر تكفي جيش بلد لسنين، ثم سيطرت على جزء كبير من البترول في البلدين،
مما وفر لداعش ملايين الدولارات.
ان الاساليب التي مارسها داعش ضد السكان في
العراق وسوريا بوجه عام والأكراد كقومية، والمسيحيين والايزديين كديانة، تشمئز منها
النفوس، فهي بدأت بقطع الرؤوس وحرق البشر وهم أحياء والتعدي على حرمات المواطنين
واغتصاب البنات القاصرات وبيع النساء في الاسواق وحرق البيوت وطرد الناس من
منازلهمفقط لانهم ليسوا عرباً أو ليسوا مسلمين، وهكذا فان الأعمال التي قام بها
داعش لايمكن الا وصفها بالهمجية والبربرية، وهي تخالف كل الشرائع والقوانين التي
سنها البشر على مر العصور. ورغم هذه الاعمال الوحشية من جانب هذه المنظمة فهي ليست
فقط غير منعزلة عن المجتمع، وانما ينضم اليها كل يوم قوافل جديدة، خاصة المسلمين من
دول الغرب، أمريكا- فرنسا وبريطانيا وغيرها…
ان هذه الظاهرة السيئة في التاريخ
البشري التي تمثلها داعش والتي تقوم على اثارة النعرة الدينية والقومية بأقصى
مظاهرها الشنيعة، غريبة حقاً عن آمال البشر ومطامحهم في القرن الحادي والعشرين، مما
يدعو كل انسان شريف يؤمن بحقوق الانسان وبالتعايش بين البشر، أن يقف في وجه هذه
المنظمة الارهابية التي باتت تمثل قوة كبيرة للشر وللقيم المنافية لطبيعة البشر وهي
لاتوفر أي أسلوب غير انساني في سبيل القضاء على خصومها.
أما العوامل التي ساعدت
على انتشار وتوسع داعش بهذه السرعة الغريبة فهي:
1- رفعت داعش في بداية ظهورها
على المسرح السياسي شعار (اقامة دولة الاسلام في العراق والشام) وهذا الشعار جذب
الشباب المسلم المتطرف الذي يرى بأن الاسلام هو منقذهم الوحيد، فانخرطوا في صفوفه،
الى جانب ان العديد من الشباب القومي العربي المتطرف أيضاً، انضم الى هذا التنظيم
عسى يشكل موئلاً لهم للوصول الى تحقيق أمجاد العرب في العهد الاسلامي، ويقول
العارفين بتنظيم داعش ان قيادته الاساسية العسكرية والسياسية تتكون من قياديين
كانوا سابقاً يقودون حزب البعث في سوريا والعراق، ويجمع هؤلاء على ان الاسلام عزز
مجد العرب ورفع راياتهم عالياً، ومن هذا المنطلق يقول السيد ميشيل عفلق احد زعماء
التيار القومي العربي في كتابه (المصير) ان العربي يجب ان يكون مسلماً. وهذا الذي
دفع عفلق لان يعتنق الاسلام الذي أفصح عنه صدام حسين بعد وفاة عفلق، حيث دفن في
مقابر المسلمين وقال بأنه اعتنق الاسلام بشهادته وسمى نفسه “محمد”.
2- القلاقل
وعدم الاستقرار الذي ساد البلدين سوريا والعراق خلال نصف قرن، دفع داعش بان يستفيد
من هذه الواقع ويتوسع وينتشر من خلال هذه الاوضاع التي ساد فيها الفوضى وضياع
المسؤولية في الكثير من القطاعات الحكومية والعسكرية، حتى أن داعش غنم كميات هائلة
من الاسلحة في ظل أناس وخلايا نائمة ساعدته للحصول على ماكان يبتغيه، وسيطر على
العديد من المدن الكبيرة والبلدات والقرى ومناطق واسعة في كلا البلدين.
3-
الأنظمة الديكتاتورية والقمعية التي سادت العراق وسوريا والبلدان العربية عموماً،
دفعت أوساط الشباب والمثقفين الى تلمس السبل الآيلة الى التغيير والتخلص من هذه
الأنظمة والقمع الممارس ضد المواطنين في هذين البلدين (بأي ثمن) وكان هذا دافعاً
هاماً من دوافع التفاف الناس حول داعش وشعاراته البراقة.
ولكن مهما يكن الأمر من
قوة داعش وامكاناته العسكرية والمادية والتنظيمية فان المستقبل سيدفنها كما دفن
العديد من أمثالها في مزبلة التاريخ، وان قطع الرؤوس وحرق الناس أحياء والتعدي على
النساء واغتصابهن، سوف تأتي هذه الاعمال بنهاية مأساوية لهذا التنظيم الارهابي، وان
هذه الظاهرة السلبية سوف تدفن ولن يجني قادتها شيئاً سوى الخزي والعار…
 
عبد الحميد درويش
سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في
سوريا
السليمانية- 9/8/2015

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…