موقف تركيا من الكرد.. بين الأمس واليوم

عبد الحميد درويش

سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي
الكردي في سوريا

يعيش في تركيا (25) مليون كردي
ان لم يكن أكثر من هذا العدد وفق تقديرات الكثيرين، ومارست الحكومات التركية ضدهم
شتى أنواع التنكيل والقتل والتعذيب والاضطهاد القومي، خاصة في عهد كمال أتاتورك
الذي عامل الكرد بكل قسوة خالية من كل مدلول انساني، حتى انه دفن المئات وهم أحياء،
ويعجز المرء عن ايراد الاساليب التي استخدمت في التعذيب ضد الكرد مما يندى له جبين
الانسان، وظل هذا النهج العنصري والقمع القومي تجاه الكرد من جانب الحكومات
المتعاقبة على سدة الحكم بعد كمال أتاتورك، وابتكروا تسمية غريبة، حيث سموا الأكراد
بأتراك الجبال ومنعوا كلياَ التحدث باللغة الكردية وبدفع غرامة مالية على كل من
يشاهد وهو يتحدث اللغة الكردية.
وتمت الأمور على هذا المنوال حتى تسلم حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا، فأحدث
انفراجاَ نسبياَ تجاه الكرد والقضية الكردية، حيث بات الكردي يتحدث بلغته وقادر على
القول باني كردي، وسمح له بممارسة الفولكلور الخاص به، وتم بعد سنوات تشكيل حزب
سياسي دون ان يحمل اسم الكرد، ثم بادرت الدولة الى انشاء فضائية ناطقة باللغة
الكردية وتتطرق صراحة الى القضية الكردية وكردستان، هذا من الناحية السياسية، حيث
اعتبرها العديد من المراقبين السياسيين خطوات ايجابية من الحكومة التركية وتوجهاَ
نحو تحقيق ديمقراطية حقيقية في تركيا.
وفي هذا الاتجاه خطت الحكومة التركية خطوة
ايجابية أخرى على طريق التعامل مع الفيدرالية التي أعلنها الشعب الكردي في كردستان
العراق وتبادل التمثيل الدبلوماسي معها، حيث أنشأ قنصلية لتركيا في العاصمة أربيل
وتبادل مع الاقليم مختلف العلاقات الاقتصادية والثقافية، وتتابعت هذه الخطوات
الايجابية عندما أعلن وزير الخارجية التركي السيد أحمد داود أوغلو بأن تركيا لا
تمانع في أن يحصل الكرد على حقوقهم القومية في سوريا ضمن وحدة سوريا واستقلالها،
وتكرر هذا القول مرات عديدة من داود أوغلو أمام المعارضة السورية وفي تصريحات صحفية
أدلى بها السيد داود أوغلو.
اننا نقدر تقديراَ عالياَ هذه الخطوات الايجابية من
حزب العدالة والتنمية رغم بساطتها تجاه القضية الكردية ومع انها لم تكن بمستوى طموح
الشعب الكردي وتضحياته الجسيمة التي قدمها على مذبح الحرية، حيث قدم الشعب الكردي
المناضل آلاف الشهداء وتعرض خلال عشرات السنين لأشرس حملة دكتاتورية من أجل الحصول
على حقوقه القومية المشروعة والذي يبلغ تعداده ثلث سكان تركيا، وليس أقل من
ذلك.
ان الشعب الكردي في كردستان تركيا وأجزاء كردستان الأخرى كان يتوقع أن تقدم
حكومة العدالة والتنمية بعد هذه الخطوات المتواضعة نحو القضية الكردية الى اتخاذ
خطوات أكثر عمقاَ واستجابة لطموحات الشعب الكردي وتطرح حلاَ علمياَ للقضية الكردية
على أساس تحقيق الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي تحت اطار فيدرالية قومية تكون
أساساً لتطوير كردستان تركيا في كافة مجالات الحياة، سياسياَ، اقتصادياَ وثقافياَ
وغيرها.. لا أن تقف عند الحلول المتواضعة التي جاءت أصلاَ كما يقال الان من أجل كسب
أصوات الناخبين الكرد والترك في الانتخابات المقبلة، وليس ايماناَ من جانب حزب
العدالة بضرورة حل القضية الكردية على أسس علمية صحيحة.
اننا لا نريد التشكيك
بنوايا قادة هذا الحزب، ولكن لابد من القول الصريح بأن التصرفات والتصريحات الأخيرة
لقادة الحزب يستشم منها رائحة الندم والتراجع عن الخطوات المتخذة سابقاَ نحو القضية
الكردية، حيث صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه سيتدخل ضد القوات الكردية
التي تقاتل داعش فيما اذا توجهت الى منبج أو المنطقة التي تفصل كوباني عن عفرين،
فكيف يمكن تفسير هذا التصريح سوى انه يبحث عن حجة لمحاربة مقاتلين كرد يحاربون داعش
ليس الا، لان المناطق المعنية ليست كردية وانما هي مختلطة، والكرد لا يشكلون فيها
أكثرية السكان أيضاَ، ثم لم تقف الأمور عند هذا الحد، فقد أمر الرئيس أردوغان قواته
الجوية بمهاجمة مناطق في كردستان العراق، معلناَ بدء حملة ضد حزب الـ
(ب.ك.ك).
نحن لا ندافع عن أحد، ولكننا نقول بأن الحرب والقتال لا ولن يحلا
مشكلة، وانما تحل المشاكل عن طريق الحوار السلمي، كما بدأتم من قبل مع السيد عبد
الله أوجلان قائد حزب العمال الكردستاني، ومن هنا ندعوا قادة حزب العدالة والتنمية
أن يعودوا الى سياستهم التي بدؤها عند تسلمهم للسلطة ولا يجروا البلاد الى حرب لا
طائل منها، وهذا ما أثبتته تجربة السنوات المنصرمة من القتال.

عبد
الحميد درويش

سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في
سوريا

30/7/2015


شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…