مشاهدات ( مجزرة عامودا ) 2/3

مظلوم قرنو

 
يؤلمني أنني سأخصّص سردي في هذا الجزء
والجزء القادم من مشاهداتي ، عن استشهاد شقيقي برزاني قرنو ، وجرح إبن عمي عزيز
قرنو ، وعن معاناتنا في إسعافهم إلى تركيا عبر الحدود المقفلة ، ويأتي سرد هذه
المعاناة ، كنموذج لمعاناة جميع ذوي الشهداء والجرحى ، الذين سقطوا جراء إطلاق
النار عليهم من قبل الميليشيات ، أثناء التظاهرة السلمية مساء يوم 27 / 6 / 2013 .
وما تلاها من منع لإسعاف الجرحى إلى مستشفيات قامشلو من قبل الميليشيات التي كانت
قد طوّقت البلدة تطويقاً شاملاً . 
 حريٌّ بالقول ، أنّ شقيقي الشهيد برزاني قرنو ، وهو الأمّي الذي تفرّغ للعمل في
مزرعتنا القريبة من البلدة ، ولم يكن يأتي إلى البلدة في تلك الفترة ، سوى أيام
الجمع ليشارك أقرانه من شباب البلدة في التظاهرات ، وكان يلازم ابن عمه عزيز قرنو
منشد التظاهرات في عامودا . وباعتباري أحد الشباب المشاركين في التظاهرات السلمية
منذ بداياتها وحتى يوم المجزرة ، فإنني أسرد ما أسرده من مشاهدات للتاريخ فحسب . 
لم يكن برزاني في ذلك اليوم مشاركاً في التظاهرة ، بسبب انشغاله في تأمين
احتياجات الحصاد في المزرعة ، ولكنه ـ وبسبب قرب المسافة ـ وصلت إلى مسامعه أصوات
إطلاق النار القادمة من  البلدة ، فتوجه إلى والدتي التي كانت تشاركه العمل في
المزرعة ، طالباً منها التوجه إلى البلدة ، إلاّ أن والدتي لم تُعِره الاهتمام ،
ظناً منها أن إطلاق الرصاص قد يكون بسبب مناسبة ما ، حيث اعتاد الناس على إطلاق
الرصاص في المناسبات الاجتماعية ، ولكن عندما لم يتوقف إطلاق الرصاص ، أدركا بأن
شيئاً ما غير مألوف يحدث ، وقررا العودة . 
عندما بلغا الحي ، وجداه في حالة هلع
وصراخ ، وكان عويل النساء والأطفال يطغى على كل شيء ، عندئذ هرع برزاني مسرعاً
باتجاه الحشود للاستفسار عما حدث ، فأخبروه بأن عزيز قد أصيب ، وربما أنه قد توفيّ
نتيجة إطلاق ميليشيات حزب ( ب ي د ) النار على المتظاهرين ، وقد تم نقله   فهرع
برزاني متوجهاً إلى المشفى حافي القدمين ، تسيطر عليه موجة من البكاء الحادّ ، ولم
يفلح أحد في إيقافه خشية أن تطلق الميليشيات النار عليه ، حتى بلغ المشفى ، وهناك ،
وعلى باب المشفى كانت حشود من أهل البلدة تجتمع بسبب كثرة الجرحى ، ووصل إلى مسامعه
صوت أحد الأطباء قائلاً : أسعفوا عزيز إلى مشافي تركيا ، لأنه بحاجة إلى عملية
جراحية مستعجلة . ولم يتمكن برزاني من مرافقة عزيز ، حيث أنزله المرافقون الآخرون
بسبب ضيق المكان . 
 وهنا ظلّ برزاني في المشفى مع رفاقه من الشباب الذين كانوا
يقدمون المساعدة للأطباء ، في حمل الجرحى ، ونقل المضمدين منهم إلى منازلهم ،
وأيضاً نقل جثامين الشهداء . وعندما توفي الشهيد شيخموس ، تطوع برزاني وثلاثة شباب
آخرين لمهمة نقله من المشفى إلى بيته . وعندما بلغوا الجسر الواقع في منتصف عامودا
، أوقفتهم مجموعة مسلحة ، من الشبيبة الثورية التابعة لحزب ( ب ي د ) بقيادة المدعو
هفال سنان ، فقاموا بتوجيه الشتائم لمرافقي الشهيد شيخموس . فردّ عليه الشهيد
برزاني قرنو صارخاً  : لقد قتلتموه ، وجرحتم ابن عمي عزيز ، ولم يكد برزاني أن يكمل
حديثه ، حتى أطلق المدعو هفال سنان ثلاثة طلقات ، إثنان منها في رأس ، والثالثة في
كتف أحد الشباب المرافقين ، والذي سقط من سيارة البيك أب ، وأسعف نفسه فيما بعد
زاحفاً إلى المشفى . أمّا الشهيد برزاني فقد سقط على جثة الشهيد شيخموس . 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس تدور عجلة الزمن في سوريا بعكس اتجاه الحضارة والرقي، رغم القضاء على أحد أكثر الأنظمة المجرمة قسوة في العالم. يُساق الشعب، بمكوناته الثقافية والدينية المتنوعة ومراكزه الثقافية، نحو التخلف والجمود الفكري الممنهج، في ظل صدور قوانين وممارسات سياسية متناقضة وعلاقات دبلوماسية متضاربة. فمن جهة، هناك نشاطات وحديث نظري عن الانفتاح على العالم الحضاري واحترام جميع مكونات سوريا…

إبراهيم اليوسف بدهيّ ٌ أن ما يجري- الآن- في الوطن أمرٌ غريب ومثير للتساؤل. إذ هناك من يحاول تحويل البلد إلى سجن كبير من خلال فرض نمط تربية صارم، وكأننا أمام فتح جديد يتطلب جر الناس قسرًا إلى حظيرة مرسومة. وكلنا يعلم أنه على مدى مائة عام، فقد اعتاد السوريون على نمط حياتي معين لم يستطع حتى النظام…

عبدالعزيز قاسم بعد كفاح طويل ومرير ومتشعب من الصراع خاضه السوريون، وإثر ما عرفت بالثورات “الربيع العربي” والتي لا تزال إرتداداتها مستمرة كما هي الزلازل الطبيعية؛ لاحقاً فقد تمت الإطاحة بنظام الحكم في سوريا ٠٠٠ وبما انه لا بد من ملئ الفراغ الذي خلفته الإطاحة العسكرية تلك وتداعياتها في عموم الساحات السورية والكردية خصوصاً؛ فقد بادر اصحاب الفكر الإستباقي…

درويش محما من كان يصدق أن يسقط بشار الأسد فجأة خلال بضعة أيام وعلى النحو الذي رأيناه؟ لو جاءني أحدهم قبل أن تتحرر دمشق، وقال: إنَّ الأسد ساقط، لقلت له: كلام فارغ ومحض هراء. وأقصد بالساقط هنا الساقط من الحكم والقيادة، لا الساقط الدنيء الشاذ في السلوك والتصرفة؛ للتوضيح أقولها ولتجنب السهو واللغط، لأن بشار الأسد لم يعد اليوم ساقطًا…