الفائز في الانتخابات البرلمانية التركية

نورالدين عمر

عدم حصول الحزب العدالة و التنمية 
الحاكم في تركيا على الأغلبية البرلمانية التي تمكنه لتشكيل الحكومة بمفرده لم تكن
خسارة له بقدر ماكانت فرصة لم يتوقع احد لحزب العدالة و التنمية لتصحيح مساره الذي
كان ينحدر نحو الدكتاتورية و الانعزال. اعتقد ان حزب العدالة و التنمية  بهذه
النتيجة التي افرزته الانتخابات البرلمانية التركية ليس هو الخاسر  لعدة أسباب
أهمها :
– رغم تراجعه و لاول مرة منذ عام 2002  ، و عدم حصوله على الأكثرية
المطلقة والتي تخوله لتشكيل الحكومة بمفرده فهو قد حصل على نسبة 40% من اصوات
الناخبين في الانتخابات البرلمانية التي جرت في السابع من شهر حزيران الحالي و التي
شارك فيها 20 حزبا مرخصا يمثلون مختلف الشرائح و الطوائف و المكونات في الجمهورية
التركية، و لكن اربعة احزاب فقط استطاعت ايصال اصواتها الى البرلمان عبر اجتيازها
لحاجز 10% التي يفرض على كل حزب اجتيازه لدخول البرلمان ،
 اما الاحزاب 16الاخرى فلم تستطع بعضها الحصول الا على بضعة الالف من الاصوات مثل
حزب الحق و الحريات (حق-بار) الذي حصل على 4500 صوت فقط . و كانت العدالة و التنمية
هو الحزب الاول في قائمة الفائزين واستطاع الحصول على 258 مقعدا في البرلمان من أصل
550 مقعدا هو العدد الكلي للمقاعد في البرلمان التركي اما الحزب المعارضة الرئيسي و
الذي حل في المرتبة الثانية فهو الحزب الشعب الجمهوري بنسبة 25% تقريبا اي 132
مقعدا في البرلمان و هو فرق شاسع بينه وبين العدالة والتنمية اما الفائز الثالث فهو
الحزب الحركة القومية اليميني المتطرف بنسبة 16% و 80 مقعدا في البرلمان. أما
الفائز الرابع و الذي كان سببا في تغير كافة المسارات و الخيارات فهو حزب الشعوب
الديمقراطي و الذي يمثل الكورد رغم انفتاحه على القوى و المكونات الاخرى و باعتباره
كان الفائز الأول في اغلب المحافظات و المدن الكوردية . و بهذه النتائج تكون
العدالة و التنمية هو الحزب الأوفر حظا لتشكيل الحكومة المقبلة بتحالف إحدى الأحزاب
الفائزة .
– في حال لو حصل الحزب الحاكم على الأغلبية المطلقة في البرلمان كما
جرت العادة منذ عام 2002 و التي تخوله لتشكيل الحكومة بمفرده و تغير الدستور الحالي
وفق افكاره و اجنداته الاسلامية و تغير النظام البرلماني إلى نظام رئاسي دون اللجوء
إلى الاستفتاء الشعبي و دون طلب المساعدة من اي حزب فإن ذلك كان يعني نصرا شكليا و
مؤقتا للعدالة و التنمية  لكن عواقبه على المدى القريب كانت خطيرة و ربما مهلكة و
هدامة على الجمهورية التركية و ضربة لديمقراطية و لمسيرة السلام ، فتركيا ربما
كانت  ستتجه نحو الدكتاتورية والسلطنة بدل من الانفتاح والديمقراطية ومن الممكن ان
الاضطرابات كانت ستصبح جزء من الحياة اليومية و يندلع الاشتباكات العسكرية و يفرض
حالة الطوارىء على اغلب المحافظات و المدن الكوردية و تبدا حملات التمشيط و يعود
عمليات الكريللا العسكرية لمقاتلي حزب العمال الكردستاني الذي هو في حال هدنة
عسكرية مع الجيش التركي منذ عام 2013 بناء على اوامر و اقتراحات الزعيم الكوردي
الاسير عبد الله اوجلان الذي يقضي عقوبة السجن المؤبد منذ اعتقاله في نيروبي عاصمة
كينيا و تسليمه الى تركيا في 15شباط 1999 . فتركيا كانت مرشحة ان تدخل مرحلة جديدة
من الاضطرابات و الازمات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية . و لكن اجتياز حزب
الشعوب الديمقراطي و الذي يعتبر كجناح سياسي لحزب العمال الكردستاني في تركيا لحد
10%و حصوله على نسبة تتجاوز 13% من أصوات الناخبين اي 80 مقعد في البرلمان التركي ،
و هو بذلك رغم انه حرم حزب العدالة و التنمية الحاكم من أغلبية مطلقة و حرمه كذلك
من التفرد بتشكيل الحكومة ، و لكنه فتح الباب لمرحلة جديدة من تطور الديمقراطية في
تركيا و شمال كوردستان و صيغة مغايرة وجديدة للعلاقات الكوردية – التركية ، مرحلة
لو استغلالها العدالة و التنمية بروح الانفتاح و التفاهم لاستطاع إيصال تركيا إلى
مستويات أعلى سياسيا و تنمويا .
-ما يواجه تركيا سياسيا هو حل المسالة الكوردية
ضمن صيغة توافقية تلبي مطالب الشعب الكوردي و بطريقة لا يضر بمصالح الجمهورية
التركية و لا يؤدي إلى تفكيكها كبعض الدول الإقليمية التي تتفكك بفعل الصراعات
العرقية و الطائفية . و العدالة و التنمية لن تجد شريكا و مخاطبا جديا لحل هذه
المسألة كحزب الشعوب الديمقراطي الذي يهدف إلى حل المسالة الكوردية في تركيا ضمن
حدود الجمهورية التركية و بصيغ مقبولة و واقعية و غير متطرفة . و حزب الشعوب
الديمقراطي حزب لا يرفض التوجهات الاسلامية المعتدلة و لا يقلق كالأحزاب المعارضة
التركية الاخرى على مصير العلمانية و الدولة الكمالية و يسعى إلى مزيدا من الانفتاح
و الديمقراطية و هو متفق مع العدالة و التنمية على تغير الدستور بشرط أن تتضمن
اعترافا دستوريا بالشعب الكوردي. والشعوب الديمقراطي مدعوم من حزب العمال
الكردستاني و يساند كافة خطواته لتحقيق السلام و لا توجد بينهما أية تباين في وجهات
النظر بالنسبة لحل القضية الكوردية، وهما اي العمال الكردستاني و الشعوب الديمقراطي
ملتزمان بتعليمات و نهج الزعيم الكوردي الأسير عبد الله اوجلان.
و هكذا لو
استطاعت العدالة و التنمية تشكيل حكومة ائتلافية مع الحزب الشعوب الديمقراطي فإنه
سيكون أقوى و أكثر تأثيرا في الداخل و في الساحة الإقليمية و الدولية و ستشهد تركيا
استقرارا سياسيا و اقتصاديا وستفتح الطرق أمام تركيا لانضمامها إلى الاتحاد الأوربي
و ستكسب مزيدا من الدعم و المساندة من الكورد المتواجدين في دول الجوار لتركيا .
فالعدالة والتنمية هو الفائز في حال تحررها من العقلية الشوفينية و العنصرية و
التسلط . و الشعوب الديمقراطي هو الفائز لأنه صوت الشعوب المظلومة، و تركيا و شمال
كوردستان هما الفائزان في هذه الانتخابات لأن مرحلة الحل و السلام ستدخل مرحلة
جديدة من الزخم و التطور.
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…