كرد روج آفا، ولعبة الصراعات الدولية

      

خالص مسور

حسب مقولة (توماس هوبز) الفيلسوف الانكليزي الشهير، فالإنسان ذئب لأخيه الانسان، هكذا يجسد اليوم ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية المقولة الهوبزية في أفعالها المشينة بحذافيرها بل إنه أتى بما لم تأت بها الذئاب نفسها، من قتل، وتدمير، وذبح بالسيف، وحرق بالنار، وسبي للنساء والذراري….الخ، لكن هناك بالفعل الذئاب الدولية التي باتت تبحث عن فرائسها المختارة في سوح الوغى ولتزيد هموم الشرق الاوسط هماً، فهناك الذئب الأمريكي، والدب الروسي، والذئب الإيراني، والذئب الرمادي التركي الشهير، وذئب النظام السوري، وذئاب الجيش الحر، وذئاب داعش والنصرة…الخ. وكلها تبحث عن ولائمها المفضلة في أجواء مكفهرة ملبدة بالغيوم السوداء، حيث انتكس الربيع العربي واستعيض عنه بأجواء شتوية قاسية تنذر بكوارث لا يمكن التكهن بمدى فداحتها ونتائجها بعد.
بينما الوحيد في هذه المنطقة المنكوبة والذي نزل إلى الميدان بإنسانيته هم الكرد لا غيرهم، فالكرد مهما سلكوا في هذه الحرب فلا يمكن أن يكونوا اليوم ولا قبله ولا بعده ذئاباً للآخرين، لأنهم عانوا على الدوام من بربرية الذئاب ولمديات طويلة مديدة، ولهذا فلن يكونوا بجكم المعاناة ذئاباً للآخرين مع الاعتذار لهوبز، وبالعكس فهم نزلوا إلى ساحة الحرب والدفاع عن النفس ليعيدوا الانسانية المفقودة إلى ربوع منطقة الشرق الأوسط بل إلى العالم بأكمله، وليلعنوا التاريخ الذي رسمه الذئاب ومارسوا فيه على الكرد سوط عذاب وهوان، ولذا فليس للكرد إلا أن يريدوا على الدوام الخير لهم ولغيرهم.  
وعلى الشعوب التي مارس ولازالت تمارس حكوماتها سياسات الصهر والتجويع والإبادة ضد الكرد الاعتذار للشعب الكردي الذي لم يبخل يوماً في الدفاع عنها وعن الوطن المشترك معها، وهذه الخصلة الانسانية الرفيعة سوف لن يعتبرها الكرد منة على أحد بل واجبات أخوية يجب تقديرها. كما على الكرد من جانبهم أن يكونوا في منتهى اليقظة والحذر، وهم ينخرطون في معمعان اللعبة الدولية ذات الابعاد الاستيراتيجية الخطرة والتي تجري على ساحات ملاعب الشرق الأوسط الحساسة وقد يجيد الكرد اللعبة كما تجب وقد لايجيدون، وفي كل الحالات فأن أي اخفاق في مسرى الحدث، أو الشرود في أية لحظة من لحظات السيرورة والتحولات السريعة التي تجري ضمن التجاذبات والاحلاف المحلية والدولية في شتاءات الشرق الأوسط غير العادية قد تؤدي إلى نتائج كارثية مميتة بالنسبة للكرد.
فعلى مديات عقود طويلة من العمل السياسي بدأت تتشكل لدى التنظيمات الحزبية الكردية في روج آفا حالة غير صحية، لتجنح معها التنظيمات الكردية في مسيرتها السياسية نحو الانزياح عن أهدافها الأساسية، بفعل آليات اشتغال المصالح الشخصية ذاتها، مما زاد من وتائر الانزياح نحو التشظي السياسي البيني، والاصطفافات ضمن أحلاف وامتدادات على الصعيدين الداخلي والخارجي معاً ووفق أكثر أشكالها تردداً وارتباكاً. فشئنا أم أبينا، سنجد أمامنا الحلف الكردي الإيراني من جهة، والحلف الكردي الأمريكي التركي من جهة أخرى. لكن لابأس أن تكون هناك أحلاف من نوع ما لكل طرف كردي مع أي كان، لكن شريطة أن يجمعها هدف واحد ووحيد، وهو خدمة الشعب الكردي وعدم الوقوع في مصايد من نوع الاقتتال الداخلي كالذي حدث في الآونة الأخيرة وبشكل مؤسف، بين قوات حزب العمال الكردستاني وبين بيشمركة الحزب الديموقراطي الكردستاني في كردستان إيران، بكل نتائجه الكارثية المميتة، ولن يستطيع أي طرف من الاطراف أن يبرر ما حدث من اقتتال بين قوات الحزبين مهما أوتي من الفصاحة والبيان، فأي اقتتال بين الأطراف الكردية هو دق مسمار في نعوشها، وخدمة بالمجان لمن يريدون ليل نهار إبادة الكرد وتصفيتهم جسدياً ومعنوياً..
وكان يجب ألا ينجر الكرد إلى مثل تلك الفخاخ المنصوبة لهم بأي شكل من الأشكال، في وقت هم أحوج ما يكونوا فيه إلى الوحدة والتكاتف، ورص الصفوف، وتشكيل مرجعيات، وانعقاد مؤتمرات وطنية كانت تتحتم أن تنعقد في مثل هذه الاوقات العصيبة والاستثنائية، وذلك لخلق نوع من التضامن الكردي في وجه الاعتداءات والمؤامرات المحاكة ضدهم، وللتخفيف من نهر الدماء المسالة في الصراع المرير الذي يخاض ضد عدو داعشي لايرحم، وموجه خصيصاً لإبادة الكرد.
وهناك درس قد استوعبناه جيداً وخاصة في الآونة الأخيرة، رغم أننا كنا نعرف الدرس مسبقاً، ولكن لم تكن الظروف المحيطة تسعفنا بترجمة هذا الدرس إلى حيز الواقع العملي، وكانت ملحمة كوبانى هي الرد الطبيعي والتطبيق العملي على ذلك، أي ما نود قوله هنا، هو أننا ككرد كنا نرى لكي ننزل إلى ساحات الاهتمام العالمي والدولي، حينها يجب أن نجسد في مواقفنا العملية وحراكنا الثوري مصالحنا ومصالح الآخرين معنا أيضاً أي وفق مبدأ التقاء المصالح، فالعالم كله جعلته الرأسمالية قائمة على المصالح الذاتية والمالية وليس على أي شيء آخر، ولهذا فإن لم تجسد ولو بغير ما تشتهي، في أجنداتك العملية منفعة الآخرين أيضاً فلا أحد حينها يود الاهتمام بك واتخاذ مصالحك بعين الاعتبار. وقد تجلى ذلك جيداً في حروب الكرد مع داعش وبالأخص في مقاومة كوبانى التاريخية الباسلة، ففيها استطاع الكرد أن يثبتوا أنهم لن يدافعوا عن أنفسهم وحقوقهم وحدهم، بل أثبتوا أنهم دافعوا ويدافعون عن العالم والإنسانية كلها، وأنهم أبعدوا قاطعوا الرؤوس عن بوابات الغرب نفسه، ولذلك رأينا كيف أن الغرب تنازل عن مواقفه السابقة تجاه الكرد من التسمية بالارهابيين إلى مناضلين من اجل الحرية.
ولكن هناك شيء واحد ووحيد يتوجب على الاحزاب السياسية الكردية وضعه دوماً في الحسبان ألا وهو، مصلحة الشعب الكردي واعتباره فوق كل المصالح الحزبية الآنية والضيقة، وهذا لن يتحقق بغير الاحساس بروح المسؤولية وبالوحدة والتضامن والتكاتف تجاه القضايا المشتركة، وكل حراك سياسي أو حتى عسكري كردي يتم منفرداً ويفتقر إلى الوحدة والتكاتف، سوف لن يكون على مستوى التطلعات، ولن يؤخذ بالاعتبار والاهتمام الذي يستحقه مهما كانت الانجازات والتضحيات جسيمة، ولهذا فالتاريخ اليوم يبدو وقد فتح أبواب مآثره أمام الكرد وخاصة في روج آفا، ولهذا على الكرد أن يكونوا على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وأن يستغلوا الظروف المواتية للسير نحو الحرية والانعتاق من نير عبودية مئات السنين، والدخول مع شعوب ومكونات المنطقة الاخرى في بناء صرح الحضارة العصرانية الديموقراطية، وعلى الأحزاب الكردية السبع على حد علمي والمتحالفة مع بعضها مؤخراً، عليها الدخول في توافقات مع حزب الاتحاد الديموقراطي و( dem   -tev) ولا بأس أن تحافظ على شخصياتها الحزبية الاعتبارية، إذ الحق والحق يقال أن لكل حزب سياسي، ولكل سكرتير من سكرتيراته، ولكل كادر من كوادره، تاريخ نضالي يحسب لهم في قليل أو كثير، وسيضاف اليوم بعد رحلة التضامن الكردي إلى سطور تاريخ الحراك النضالي في روج آفا، وقد لمست بالفعل ممن التقيتهم من قياديي هذه الأحزاب الحماس نحو العمل المشترك، والتكلم بعقلانية وإيجابية عن بعض مواقف الحزب الاتحاد الديموقراطي و(tev – dem)، وبالمقابل نتمنى من حزب الاتحاد الديموقراطي و(tev – dem) تحمل مسؤولياتهما وتقديم أشكال من التسامحات والتوافقات والتجاوبات مع هذه الأحزاب الكردية الشقيقة وغيرها إن تطلب الأمر ذلك، بل الأمر يتطلب ذلك بالفعل، سعياً منا جميعاً لتلبية طموحات الشعب الكردي الأثيرة والتي تتمثل في تجسيد وإيجاد ركائزالوحدة والتضامن، سيراً نحو تعزيز مواقف الكرد في المحافل المحلية والدولية، ولاستعادة الشعب الكردي ثقته بقيادييه وبتنظيماته وأحزابه السياسية. 
ولا بأس الآن ونؤكد على لفظة الآن حسب رأينا استثناء الحالة العسكرية، إذ يجب عدم المساس بها تحت قيادة الإدارة الذاتية، لا لشيء إلا الاستجابة لمبدأ سد الذرائع، أي منعاً للاقتتال الداخلي والذي سيصبح في غير هذا أمراً واقعاً مهما أتينا بالبيان والحجج والبراهين، ولنا نحن الكرد في هذا الشأن تجارب تاريخية مؤسفة، وسوف لن نريد تكرارها بعد اليوم. ومع هذا الانجاز إن تم ونرجو أن يتم فحينها يمكن التكهن بمستقبل واعد للكرد في روج آفا ومكوناته معاً، وبغير هذا فسوف يكون مصير الكرد محمولاً على كفي عفريت.
…………………………………………………………….
اسطمبول – 30/5/2015    

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين نحن في حراك ” بزاف ” أصحاب مشروع سياسي قومي ووطني في غاية الوضوح طرحناه للمناقشة منذ اكثر من تسعة أعوام ، وبناء على مخرجات اكثر من تسعين اجتماع للجان تنسيق الحراك، وأربعة لقاءات تشاورية افتراضية واسعة ، ومئات الاتصالات الفردية مع أصحاب الشأن ، تم تعديل المشروع لمرات أربعة ، وتقويم الوسائل ، والمبادرات نحو الأفضل ،…

أحمد خليف أطلق المركز السوري الاستشاري موقعه الإلكتروني الجديد عبر الرابط sy-cc.net، ليكون منصة تفاعلية تهدف إلى جمع الخبرات والكفاءات السورية داخل الوطن وخارجه. هذه الخطوة تمثل تطوراً مهماً في مسار الجهود المبذولة لإعادة بناء سوريا، من خلال تسهيل التعاون بين الخبراء وأصحاب المشاريع، وتعزيز دورهم في دفع عجلة التنمية. ما هو المركز السوري الاستشاري؟ في ظل التحديات…

خالد ابراهيم إذا كنت صادقًا في حديثك عن محاربة الإرهاب وإنهاء حزب العمال الكردستاني، فلماذا لا تتجه مباشرة إلى قنديل؟ إلى هناك، في قلب الجبال، حيث يتمركز التنظيم وتُنسج خططه؟ لماذا لا تواجههم في معاقلهم بدلًا من أن تصبّ نيرانك على قرى ومدن مليئة بالأبرياء؟ لماذا تهاجم شعبًا أعزل، وتحاول تدمير هويته، في حين أن جذور المشكلة واضحة وتعرفها جيدًا؟…

عبدالحميد جمو منذ طفولتي وأنا أخاف النوم، أخاف الظلمة والظلال، كل شيء أسود يرعبني. صوت المياه يثير قلقي، الحفر والبنايات العالية، الرجال طوال القامة حالقي الرؤوس بنظارات سوداء يدفعونني للاختباء. ببساطة، كل تراكمات الطفولة بقيت تلاحقني كظل ثقيل. ما يزيد معاناتي أن الكوابيس لا تفارقني، خصوصًا ذاك الجاثوم الذي يجلس على صدري، يحبس أنفاسي ويفقدني القدرة على الحركة تمامًا. أجد…