كُردستان العراق والأمل المفتوح

افتتاحية صوت الأكراد *

إن وجود الشعب الكردي في منطقة شرق المتوسط تاريخي يمتد
لآلاف السنين. لم يكن غازياً من وراء الجبال كالغزاة الذين احتلوا المنطقة لفترات
تاريخية كثيرة، واندحروا، واندحر معهم ثقافتهم ولغتهم وأثارهم وتاريخهم المليء
بالدم وتلال من الجماجم تأففت منها الأرض والسماء. بالرغم من أن الشعب الكردي أقام
على مر تاريخه القديم امبراطوريات وممالك ودويلات دامت بعضها قرون وأخرى عشرات
السنين.

أما في العصر الحديث
انتكست أغلب انتفاضاته وثوراته على مذبح مصالح الدول الكبرى المتحكمة بالمفاصل
السياسية والاقتصادية لمنطقة الشرق المتوسط.

هذا لم يثنيه ولم تنطفئ جذوة النضال لدى حركته التحررية التي ظلت شعلة متقدة في
أكثر من بقعة ومنطقة على امتداد جغرافية كردستان. فحقق في محطات نضالية مهمة نجاحات
زمانية قصيرة مع أنها لم تدم إلا أنها رسخت في التربة النضالية الكردية آمال كانت
مقدمات لظهور كيانات واتفاقيات بخصوص وجود الشعب الكردي وحقوقه القومية العادلة.
البداية البدر خانيه كانت خطوة مهمة في منتصف قرن التاسع عشر.
تلتها اتفاقية
سيفر كأول إقرار دولي بالحق الكردي في تأسيس كيان في ولاية موصل التي لم ترى النور
بسبب التآمر الفرنسي الانكليزي والتركي الوليد على أنقاض الامبراطورية العثمانية.
ثم كانت جمهورية مهاباد بعد الحرب العالمية الثانية التي دامت 11 شهراً قدمها
إمبراطورية ستالين مهراً وعيونها ترنو لآبار النفط الإيرانية.
أما الانتصار
الذي حققته ثورة أيلول في كردستان العراق بإلزام حكومة بكر / صدام على توقيع
اتفاقية 11 آذار كانت نتيجة طبيعية لثورات البارزان الأولى والثانية والثالثة،
فكانت اتفاقية آذار عام 1970 أول وثيقة رسمية موقعة بين الثورة الكردية وحكومة
بغداد تعترف بالحق الكردي في الحكم الذاتي لكردستان. إن عدم استمرارية الاتفاقيات
والكيانات الكردية المختلفة كانت نتيجة طبيعية لاختلال موازين القوى وتنازع المصالح
وتقاسم مناطق النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية أو نتيجة الانقلابات الداخلية في
تلك الدول. لكن بعد اندحار وسقوط الدكتاتورية الصدامية في العراق تغيرت الموازين،
وفتحت آفاق جديدة أمام الحركة التحررية الكردستانية في العراق التي استوعبت دروس
التاريخ وفهمت حركته فاستطاعت بقواها وحنكة قيادتها التاريخية التي تمرست في
النضال، والمساعدة الدولية على تأسيس كيان فدرالي اثبت القدرة السياسية على استيعاب
المتغيرات السياسية في المنطقة والعالم. إن تجربة كردستان العراق النضالية التي
توجت بالفدرالية لم تكن طفرة سياسية عابرة، بل كانت نتيجة طبيعية لخبرات سياسية
وثورية عرفت كيف تخطو بخطواتها النضالية وسط حقول الغام سياسية وثنية ومصالح دولية
وإقليمية متضاربة. لقد طورت النخبة السياسية الكردية في كردستان العراق، وفي
المقدمة كان الحزب الديمقراطي الكردستاني الشقيق وقيادته التاريخية المتمثلة
بالرئيس مسعود البارزاني نظرتها السياسية ومفهومها للحقوق القومية للشعب الكردي في
كردستان العراق. كانت أولاً الحكم الذاتي لكردستان بعد انطلاقة ثورة أيلول، ثم
الحكم الذاتي الحقيقي لكردستان العراق والديمقراطية للعراق بعد الانتكاسة الآذارية
وانطلاقة ثورة 26 أيار عام 1976، ثم الفدرالية بعد اندحار الدكتاتورية. لقد اصبحت
الفدرالية في كردستان العراق واقعاً سياسياً في المنطقة لها وزنها السياسي
والدبلوماسي، وتحظى باحترام دولي لما لتجربتها السياسية والديمقراطية من تأثير في
الواقع المحلي العراقي والإقليمي. داخلياً خطى الإقليم الفدرالي خطوات مهمة نحو
ترسيخ الديمقراطية الداخلية وحرية التعبير لجميع المكونات السياسية والقومية فيها.
كما أن تصديه ودحره مؤخراً لقوى الإرهاب المنظم الدواعش في الإقليم وكوباني
بالتعاون مع القوات الكردية فيها، إلا مثالاً على ما تقدم. إن الإقليم بات يستطيع
الذود عن حدوده وأمن أبنائه إذا توفر الدعم، وتشير ايضاً إن المعادلة السياسية
والعسكرية في المنطقة باتت تحمل في طياتها عوامل التغيير. كما أن التعاطي الكردي
المرن بعلاقته مع المركز في بغداد قد اكسبه مصداقية سياسية داخلية وإقليمية ودولية،
وما تطور العلاقات التركية والكردية في كردستان العراق، ودور الإقليم الكردستاني
الايجابي في التقارب بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية إلا مثالاً أخراً
على الدراية العميقة لقيادة الإقليم في إدارة الملفات السياسية بعقلية منفتحة
ومتطورة.
* لسان حال اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا
(البارتي)
 
لقراءة مواد العدد انقر هنا  dengekurd_480-481

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…