ما هكذا تورد الإبل يا قناة الحياة 2-2

محمد مندلاوي 

دعونا الآن نناقش ما حصل لجزء من الشعب
الأرمني, الذي خصصت له قناة الحياة ثلاث حلقات في برنامجين مختلفين, والذي كان محور
الحلقة الأولى في برنامج الدليل وبرنامج سؤال جرئ. نقول لمن يجهل حيثيات أرمينيا
والشعب الأرمني, أن هذا الشعب والشعب الكوردي هما من عرق واحد, وهو العرق “الآري”
الذي يتفرع من الأرومة “الهندو أوروبية” التي تضم شعوباً عديدة, حيث تبدأ أراضيها
من أقصى الشمال الأوروبي إلى أقاصي الهند. قبل اعتناق الأرمن العقيدة المسيحية,
اعتنق الدين الزرادشتي التوحيدي, الذين كان ديناً كوردياً, ونبيه (زرادشت) كان
إنساناً كوردياً, وكتابه (آفستا) جل كلماته تتطابق مع اللغة الكوردية الحديثة, ومن
ثم اعتنقت الديانة الزرادشتية عدة شعوب آرية منها الفرس والأرمن. 
أما دولة أرمينيا التي انبثقت إلى الوجود قبل الميلاد, والتي زعم الأستاذ بأنها
كانت اثنا عشر مرة أكبر مما هي عليها الآن, يظهر أن الأستاذ يجهل تاريخ أرمينيا, أو
يتجاهل, أن جزءاً كبيراً من كوردستان كان يخضع حينها للدولة الأرمنية, وكان يقع ضمن
حدودها السياسية. تماماً كالدولة الساسانية (226 – 651) في إيران, التي امتدت
سلطانها حتى مصر. هل يجوز أن نعد اليوم مصر في عداد الأراضي الإيرانية؟. لا شك أن
الدول تقام عندما تكون مقومات قيامها متوفرة في ذلك الشعب الذي يقيمها, ويأفل نجمها
عندما تفقد تلك الدولة مقومات استمرارها وبقائها كدولة قائمة بذاتها. وهذا ما حدث
مع الكيان الأرمني, حين فقد عناصر استمراريته ولم يستطع أن يصمد أمام التحديات التي
واجهته في ذلك التاريخ, فلذا وقع تحت الاحتلال الأجنبي, وما لبث حتى قسم عام (387)
ب. م. بين دولتين كبيرتين هما الساسانية والبيزنطية. وبعد هذا توالى عليها
المحتلون, وأصبح في بداية القرن الثامن الميلادي جزءاً من الإمبراطورية العربية –
الإسلامية. وفي منتصف القرن الحادي عشر الميلادي وقع الكيان الأرمني مجدداً في يد
البيزنطيين, ثم السلاجقة. وفي القرن الثالث عشر الميلادي حمل عليه التتر والمغول
الأوباش, وهؤلاء جميعاً من العرق التركي والتركماني الطوراني. الذي قال عنهم عظماء
التاريخ إنهم طغاة وغاصبون, وأن المخلوق التركي, ذو وجه بشع, وجاهل وبلا إدراك,
وبلا عقل وفظ. وفي الفترة الواقعة بين القرني السادس عشر والثامن عشر كانت أرمينيا
ميداناً للحرب بين الدولة العثمانية السنية, ومركزها تركيا, والدولة الصفوية
الشيعية ومركزها إيران. وفي عام (1639) قسمت أرمينيا نهائياً وألحق القسم الشرقي
بالدولة الصفوية, و(القسم الغربي) بالدولة العثمانية. وبسبب هزيمة الإيرانيين في
الحرب أمام روسيا عام (1826 – 1828) التي أسفرت عن معاهدة (تركمان چاي) أصبحت
أرمينيا الشرقية جزءاً من روسيا. وفيما بعد, حين وقعت الحروب بين روسيا والدولة
العثمانية كان الأرمن يقفون مع روسيا, فأثناء حرب عام (1877 – 1878) أنضم أرامنة
كثيرون بأسلحتهم إلى الجيش الروسي, وقدموا له مساعدات كثيرة ومفيدة. عزيزي القارئ,
أن الأرمن إلى حد ما لم يكونوا بريئين لما حدث لهم, حين ساقتهم بعض الجهات الأرمنية
إلى أتون مغامرات خاسرة التي أدت إلى هلاك الكثير منهم. على سبيل المثال, في عام
(1905) قام حزب (داشناق) -أي الاتحاد؟-, بمحاولة قتل السلطان العثماني عبد الحميد
الثاني . وعن تهور هذا الحزب الأرمني, يقول العلامة (لازاريف): “قدم الداشناقيون
خدمة سيئة إلى الأرمن, حيث كانوا يثيرون في نفوس الأرمن روح الكره والحقد ضد الشعب
الكوردي”. ويقول (شاخوفسكي):”إن القوميين الأرمن كانوا يريدون إبادة جميع السكان
المسلمين في المناطق التي قمنا باحتلالها”. بهذا الصدد يقول (مايكل آلن) في كتابه
(العبور إلى آرارات) ص (271):” لقد برزت لي الحقيقة من دراسة أحوال الأرمن في تركيا
منذ بداية حرب العالمية الأولى, وهي أنهم لم يكونوا أبرياء تماماً, ولا بدون عون
أبداً. فحيثما وجد في شاطئ المتوسط باخرة أو سفينة فرنسية حاربت إلى جانب الأرمن
بمهارة وجرأة .. . وذكر الدكتور (هاملين) وهو مؤسس كلية ” Robert Collage ” وأول
مدير لها, يشير إلى أول جريدة أمريكية نشرت في عام (1893) اعترافاً لأحد الثوار
الأرمن عن تكتيكهم قائلاً:” سيهرب الثوريون إلى الجبل بعد إيجاد الفرصة المناسبة
لقتل الأتراك والأكراد وحرق قراهم إثر هذه العمليات سيثور طبعاً السكان الأتراك
المتهيجون ويهاجمون السكان الأرمن العزل ويقتلون بطرق وحشية, حتى أن روسيا باسم
الإنسانية والمدنية ستقوم باحتلال البلاد. أدناه
المصدر:
  EDIRRNE 8.10 MAYIS 1984 A SEMINERI BILDILLER LIBARATORTA:ULUSLAR- ARASI
MITHTAPA LI –    وقال
الدكتور (الكسندر كشيشيان) في دراسة له حول هذا الموضوع:” أن هذا الشعب لم يكن
بريئاً من كل ما اتهم به, بل إن ثوراته على الحكومة التركية واتصالاته ببعض الدول
الأجنبية لاشك فيها”. ومن جانب آخر كان الأرمن يناصروا روسيا القيصرية ضد الدولة
العثمانية وهم مواطنوها, وفي خضم هذه الأحداث, أشاع الغرب, أن دولة أرمنية ستقام
بمساعدة روسيا وبريطانيا وفرنسا, وأن الأكراد المسلمين سيقعون تحت سيطرة هذه الدولة
المسيحية.  وهلل الحزب القومي الأرمني (هنچاك) الذي تأسس عام (1887) لمثل هذه
الأقوال والتصريحات الاستفزازية, وقام بنشر خارطة سماها “خارطة أرمينيا” ووضع فيها
عدداً من المدن الكوردية في شمال كوردستان وكأنها مدن أرمنية مثل آمد (دياربكر)
وخربوط وبوتان وهكاري وما والاها. وهذه الأخيرة اسم لقبيلة كوردية, والمنطقة أخذت
اسمها من اسم هذه القبيلة الكوردية الأصيلة هكاري التي تقيم فيها منذ عصور قديمة.
إن السياسة الاستفزازية الرعناء التي تبناها الحزب المذكور, حدى بالشاعر القومي
الكوردي حاج (قادر كويي) (1817 – 1897) أن يصرخ بصوت عال: “وا أسفاه إن بلاد
الجزيرة وبوتان, أعني بلاد الكورد, يحولونها إلى ديار أرمنية”. إن شاعرنا الوطني
هنا نبه الكورد على المساومة التي حصلت بين الاستعماريين والحركة الأرمنية. وأغلظ
القسم, حين صرخ بألم وأطلق صيحات التحذير: ” قسماً بالقرآن, لم تبقى هناك غيرة, أن
تظهر أرمنستان للوجود فلن يبق أحد من الكورد”. أما فيما يتعلق بالحق الأرمني في
وطنه, خارج الوطن الكوردي, ناصر الشاعر حاج (قادر كويي) الأرمن وقال عنهم: “ومع ذلك
فأن للأرمن الحق … أنهم غيارى, أفراداً وجماعات, الخ”. يجب على الأستاذ وغيره أن
يعلموا, أن ثلة من الكورد في شمالي كوردستان وبتحريض من الأتراك وغيرهم – الذين
سنأتي على ذكرهم لاحقاً – قد أسهموا بما جرى لجزء من الأرمن. وفي كلمة حق نطقها
الميجر (ك. ماسون) عن التسامح الكوردي قائلاً: “قد تكون لأي منا فكرة غامضة عن كون
الأكراد مسؤولون عن مذابح الأرمن, لكن قليلاً منا يعرف أن الغالبية العظمى من
المسيحيين كانوا يعيشون في سعادة كبيرة في كوردستان قبل سنوات الحرب”. إن الدولة
العثمانية كخلافة إسلامية, كانت لها آذان صاغية بين الشعوب الإسلامية, ومن خلال هذه
الآذان, أدخلت في فكر المسلمين, إن قتل الأرمن مهمة تقع في عاتق أمة محمد, واقنعوا
أفواجاً من أمة محمد, بقتلهم للأرمن سينالون الجنة بدون حساب. بسبب هذا الغوغاء
الذي أشاعه الاتراك في أوساط الناس, وكذلك العلاقة الصاعدة المضطردة بين هؤلاء
الأرامنة وروسيا القيصرية, حتى أن ألمانيا خافت كثيراً, ولاسيما إنها كانت تخشى أن
تتحول (أرمينيا الغربية) إلى مفتاح بيد روسيا للوصول إلى آسيا الصغرى – تسمى اليوم
أناضول- وميسوبوتاميا, أي بلاد بين النهرين, وهي التي مولت في البداية خط  سكة حديد
“بغداد برلين” ذو الأهمية الدولية, حيث يربط أوروبا بآسيا الصغرى والشرق الأوسط.
ولم تلبث أن احتجت لدى تركيا دول عدة مثل فرنسا وروسيا وبريطانيا وهذه الأخيرة رأت
في الخط الحديدي تهديداً مباشراً على امبراطوريتها في الهند والمنطقة بأسرها, بسبب
هذه الاعتراضات توقف العمل فيه عدة سنوات. ولكن, استؤنف العمل فيه مجدداً عام
(1911) وفتح هذا الخط أبواب الصراع على مصراعيه, لا سيما بين بريطانيا العظمى
وألمانيا الطامحة. لأن جانباً من المشروع المذكور كما أسلفنا هو للجم النشاط
الاستعماري البريطاني الممتد طولاً وعرضاً في المنطقة. بسبب اندلاع هذه الصراعات
والأطماع الجشعة وجهل السياسيين الأرمن حدث الذي حدث. إن الألمان في تلك الفترة
العصيبة التي سبقت الحرب العالمية الأولى, لم يكونوا غافلين عما يجري في منطقتنا
تحديداً, من تحركات و تحالفات التي كانت تهدد مصالحهم, ونوقشت هذه الأمور في أروقة
الدولة الألمانية بكل تفاصيلها, وقامت الدولة الألمانية, بوضع خطط دقيقة ومدروسة
لهذه الغاية, حيث أرسلت بعثة عسكرية بقيادة الجنرال “لمان فون ساندروس” عام (1913)
للإشراف على تنظيم الجيش التركي. وكانت على علم تام بما حدث للأرمن. وبعد اندلاع
الحرب العالمية الأولى, كتب السفير الألماني البارون (فانكنهايم) إلى حكومته بتاريخ
17/ 6/ 1915 يقول:” أن طلعت باشا أعلن بصراحة أن الباب العالي وجد في ظروف الحرب
فرصة ملائمة للتخليص من أعداء البلاد في الداخل دون أن تزعجه مداخلات أحد
الديبلوماسيين”. وكان من الطبيعي جداً أن تلتقي بجنود ألمان وضباطهم على ظهر كل
سفينة تركية؟. لقد بلغ عدد الألمان في الجيش التركي خمسة آلاف جندي وضابط فني.
ويقول بهذا الصدد العسكري النمساوي في إسطنبول (نوفسكي):” إن كل الدلائل تشير إلى
أن الألمان يحاولون السيطرة الكاملة على الأراضي التركية لتكون بالتدريج مستعمرة
لهم عن طريق معاهدة سرية. وكانت لهم خطط أخرى لوضع يدهم على المناطق الآسيوية كطريق
الهند إذ أمكن؟. ومن الوعود التي اعطتها ألمانيا لتركيا إنها سوف تسعى لتغيير
الحدود الشرقية لتركيا بشكل يجعلها من الاحتكاك المباشر مع المسلمين في روسيا؟.
وقال السفير “فانكنهايم” عن الأرمن بأنهم حشرات خائنة تجاه تركيا وقال: أن من حق
الأتراك أن يفعلوا بالأرمن ما يرونه مناسباً لحماية مؤخرتهم وهم في حالة حرب.
بالإضافة إلى السياسيين والدبلوماسيين الألمان, لنقرأ ما قاله مفكروهم بهذا الصدد,
هذا هو المفكر الألماني (بول رورباخ) يقول في اجتماع مغلق عام (1913) ضم ضباط
الأركان الألمان, حدد هذا المفكر سياسة بلاده تجاه المسألة الأرمنية بدقة, وأكد في
هذا الاجتماع, أن بلاده يجب أن تعمل من أجل تهجير الأرمن من مناطق سكناهم بوسائل
مختلفة للاستيلاء على امتداد خط سكة حديد بغداد ومن ثم نقل عشائر من التتر والأتراك
إلى أرمينيا الغربية حتى يصبح بالإمكان إقامة حاجز فولاذي بوجه روسيا. وكرر المفكر
(رورباخ) الفكرة نفسها في محاضرة أخرى له عام (1913) أمام “الجمعية الألمانية
الآسيوية” أشار فيها إلى ضرورة بقاء أرمينيا الغربية داخل الدولة العثمانية لتوافق
ذلك مع مصالح ألمانيا. فقد ذكر “رورباخ” أن أرمينية الغربية تشكل ما أسماه ” بؤرة
فوضى في تركيا” تحتاج اخمادها إلى استخدام الأكراد. وأوضح “رورباخ” الأمر أكثر
عندما أعلن وبكل صراحة أن ألمانيا سوف لا تعارض في دفع الأكراد لضرب الأرمن. وترجم
الألمان كل ذلك الكلام إلى مواقف عملية في سنوات الحرب. فقد تضمنت المذكرة التي
رفعها السفير الألماني إلى الصدر الأعظم (رئيس الوزراء) سعيد حلمي باشا عام (1915)
تأييد ألمانيا الكامل لما وصفته بإبعاد الأرمن من شرقي الأناضول, معبرة مثل هذا
العمل ” وسيلة شرعية للدفاع عن البلاد”. وبهذا الصدد قال المؤرخ الدكتور
(ا.س.آفيتيان):” إن ألمانيا اشتركت بشكل فعال ومباشر في إبادة أرامنة الإمبراطورية
العثمانية”. وعن اتهام الألمان في مذابح الأرمن في الحرب العالمية الأولى فقد كتبت
جريدة “التايمس” اللندنية في (29) أيلول عام (1915):” أنه كان لعدد من القناصل
الألمان يد في تحريض المسئولين العثمانيين ضد الأرمن”. وقد خصصت الجريدة بالذكر بين
هؤلاء القنصل الألماني في مدينة حلب. ويبدوا أن ضباطاً ألماناً كانوا في بعض
المناطق, ومنها أورفه, مع الجيوش العثمانية التي كانت تضرب الأرمن دونما شفقة. وفي
بعض المناطق الأخرى أفاد الجنود أنهم ينفذون أوامر السلطان وإمبراطور ألمانيا. وكان
الأرمن أنفسهم يعتقدون أن ألمانيا تنظر إليهم بعين الحقد وأن لها يداً في تدبير
مذابحهم وتشريدهم. وعند محاكمة (صوغومون تيهلريان) قاتل المجرم طلعت باشا وزير
داخلية تركيا أمام إحدى المحاكم الألمانية في برلين, جرى الحديث عن دور ألمانيا في
مذابح الأرمن. وفي أيامنا هذه, نبه الرئيس الألماني (يواكيم غاوك) بألم وحزن عن
مشاركة ألمانيا في المأساة التي جرت للأرمن وشعورها بالذنب لما جرى لهم, قائلاً:”
يجب علينا نحن الألمان أن نتصالح مع الماضي بالنسبة لمسئوليتنا المشتركة وتقاسم
الذنب نظراً للإبادة التي ارتكبت في حق الأرمن”. وكشف الرئيس الألماني في حديثه:
“إن عسكريين ألمان شاركوا في التخطيط والتنفيذ الجزئي لعمليات ترحيل الأرمن”. جاء
حديث الرئيس الألماني هذا رداً على البرلمان الألماني الذي يحجم عن استخدام مصطلح ”
القتل الجماعي” ولم يعترف إلى الآن بأنها تطهيراً عرقياً؟ (جينوسايد) ويتحدث عن
تشريد ناس من مساكنهم. إن تسلسل الأحداث الدموية التي جرت في آسيا الصغرى توضح
للمتتبع بصورة لا لبس فيه, إن الدول الغربية كألمانيا وروسيا وبريطانيا ونمسا
وفرنسا وإيطاليا لعبت دوراً دنيئاً في احتدام المسألة الأرمنية لضمان مصالحها
السياسية والاقتصادية مع الدولة العثمانية الجائرة. ونحن الكورد, لا ننكر, إن ما
جرى للأرمن بتحريض غربي على أيدي الأتراك وبمشاركة زمرة من الكورد, لعبت دوراً
سلبياً في توتير الصلات الحميمة بين الشعبين الكوردي والأرمني ببعضهما لسنوات عدة,
وعكرت علاقاتهما الأخوية. وقد استفاد من ذلك عدوهما المشترك (تركيا) الغاصبة, وجاءت
في توافق كلي مع مصالح جميع الأطراف الطامعة والمستغلة. وانتقاماً لما قام بها بعض
الكورد, قام المتطوعون الأرمن مع الجيش الروسي حين دخل (بايزيد) بقتل أهل القرى
الكورد, بل قتلوا حتى أعضاء الوفد الكوردي الذي ذهب لاستقبال الروس, وقد تكرر هذا
الفعل الشنيع في مناطق كوردية كثيرة لم تكن لها يد في ما حدث للأرمن, مثل مدينة
(راوندوز) في جنوب كوردستان, حين زحفت إليها القوات الروسية عام (1916) تصحبها
أربعة أفواج من المتطوعين الأرمن والنساطرة فكان الأرمن الذين تفيض قلوبهم حقداً
وضغينة انطلقوا يفتكون أمام أنظار الجنود الروس بسكان مدينة (راوندوز) حيث راح
حوالي خمسة آلاف رجل وامرأة وطفل كوردي ضحايا. وبين حوالي (2000) منزل في المدينة
لم يسلم أكثر من (20) منزلاً من الهدم. إلا أن الحلم والتسامح الكوردي الكبير لم
يولي اهتماماً لتلك الجريمة التي قامت بها أفواجاً من الأرمن والنساطرة, بل كان
حلمه أكبر من حجم الكارثة التي لحقت بهم في (راوندوز) و(بايزيد) وغيرهما. ورغم هذا,
لم يبالي الكورد بالتهديد والوعيد التركي لهم, حين أعلنوا أثناء العمليات التي قامت
بها قواتهم العسكرية ضد الأرمن: “أي شخص كوردي يجدوا عنده أرمنياً يعتبر هو أيضاً
أرمنياً ويدفع رأسه ثمناً”. تأكيداً على هذه الأوامر الصادرة من السلطات التركية,
هناك برقية رقمها (113) المستند رقم (1) وموقع من قبل قائد الجيش الثالث التركي
محمود كاميل ونصه: ” كل مسلم يمد يد العون والمساعدة للأرمن سيحاكم بالموت وسيحرق
منزله”. ورغم هذا الوعيد القرقوشي الصادر من أحفاد هولاكو, ألا أن العديد من رؤساء
العشائر الكوردية, ومن عامة الكورد أيضاً, أنقذوا عشرات الآلاف من الأرمن, من الموت
المحتم على أيدي الاتراك الأوباش. بهذا الصدد كتب الأكاديمي (گردليفسكي) يقول:” كان
للأرمن في كل مكان أصدقاء بين الأكراد ينقذونهم مند الملمات من بين أيدي الترك,
ويضيف, فكثيراً ما أروني أكراداً أنقذوا أرامنة من الموت”. وكذلك يقول (عبد العزيز
يا ملكي): ” إن بقي أرامنة في الأناضول فهم الذين نجوا من سيوف الترك وبدون أية
مبالغة منا, فإن ثلاثة أرباع هؤلاء نجوا بمساعدة الأكراد”. وحين كتب طلعت باشا وزير
الداخلية التركي برقية إلى والي حلب يقول فيها: من طلعت في 16 أيلول عام 1915 إلى
والي حلب” لقد أبلغتم سابقاً أن الحكومة قد تقرر نهائياً, حسب القرارات الصادرة من
جمعية الاتحاد والترقي بإبادة الأرمن كلياً وعلى جميع الأرمن الذين يقطنون في
تركيا, والذين يعارضون هذا القرار لا يسعهم البقاء في مناصبهم الرسمية في الدولة
التركية. ينبغي وضع حد للأرمن. ومهما تكن الإجراءات التي سنتخذها قاسية أو مأساوية
فيجب عدم الأخذ بعين الاعتبار بأي شكل, مسالة الوجدان أو الجنس أو تأنيب الضمير”.
جاءت نص هذه البرقية في جريدة “الكونوميست” في لندن ص (64) عام (1921). وفي برقية
أخرى في نفس العام يقول طلعت: لقد علمنا من بعض المصادر الموثقة بأن أيتام المهجرين
الذين ماتوا أثناء التهجير نتيجة مشقة التهجير وقسوة ظروفها على جنبات الطرق. ديار
بكر, وخربوط وأرضروم وسيواس قد تبنتهم بعض الأسر المسلمة في بيوتهم. نأمركم بجمع
كافة الأيتام من ديار المسلمين وإرسالهم إلى الصحراء مع بقية المهجرين. وزير
الداخلية طلعت. إن المسلمين الذين آوى أولئك الأيتام في بيوتهم هم المسلمون الكورد
فقط, لأن لا وجود للمسلمين غيرهم في تلك الديار؟. عندما أصدر المتنمر التركي طلعت
باشا أوامره بقتل الأرمن, كان هناك كورداً غيورين ك(إبراهيم باشا المللي) الذي كان
قائداً لفرسان الحميدية, أنقذ حوالي عشرة آلاف أرمني من القتل. وكذلك أنقذ (محمود
زاده بيت الله بيگ) جميع سكان منطقة مكس من الموت. وهكذا آوى أكراد درسيم أكثر من
خمسة آلاف أرمني وأنقذوهم من الموت. وأعدم السلطات التركية المجرمة ثمانون كوردياً,
لأنهم خبئوا أرمن في بيوتهم. وبعد هدنة “مودروس” بفترة زار مندوبون أكراد ممثلي
سلطات البريطانية في حلب حاملين لهم رسالة خاصة بشأن الأرمن الذين آواهم الكورد.
وقد كتب هؤلاء في رسالتهم, أنه في قرانا وخيامنا (650) أرمنياً معظمهم من النساء
والأطفال وعند رفاقنا القاطنين في جوارنا أكثر من (3800) شخص لقد أطعمناهم أربع
سنوات ولسنا نرغب أن يذهب الخبز الذي أطعمناهم هدراً. وقال هؤلاء الكورد, أن في
مناطقنا الشرقية على مسافة بعيدة عنا يوجد (6800) أرمني آخر يصعب علينا الاتصال بهم
ويضيف ممثلي السلطات البريطانية: وقد أبدى الأكراد في رسالتهم استعدادهم التام
لإبداء أية مساعدة ضرورية للبحث عن الأرمن المشردين وتجميعهم. وقد اتخذ المئات من
أمثال هؤلاء الأرمن كوردستان العراقية وكوردستان الإيرانية ملاجئ لهم ضمنوا فيها
حياتهم ومستقبلهم. 
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…