هولير … سياسة احتواء فاشلة

درويش
محما  

كلنا يذكر قصة الألفي عنصر من عناصر العمال الكردستاني,
ودخولهم المناطق الكردية السورية قادمين من جبال قنديل الواقعة في كردستان العراق.
قصة جرت احداثها في الاشهر الاولى من الثورة السورية, وحيكت فصولها بدقة واتقان
شديدين, والنظام السوري وعملية (سلم واستلم) السلسة بينه وبين اتباع” ب ك ك”, ودور
كل من طهران وبغداد حليفتي النظام السوري الستراتيجيتين, الاتحاد الوطني
الكردستاني ورسالة العزاء المفعمة بالاخلاص التي بعثها مام جلال لصديقه القديم
بشار الأسد, كل الأدوار في تلك القصة واضحة ومقبولة لا غرابة فيها, الا دور اربيل
وحزب الديمقراطي الكردستاني, فهو دور مبهم غير واضح ويشوبه الكثير من الحيرة
والغموض.
“كنا نراهم قادمين محملين بأسلحة دوشكا في طريقهم لكردستان سورية, نتصل بهولير نخبرهم عن مشاهداتنا, نتلقى الرد بعدم التعرض لقوافلهم”, هذا ما همس به في اذني احد كبار رجال الأمن في اقليم كردستان خلال وجودي في هولير, إذاً حكومة الاقليم لم تؤخذ على حين غرة, بل كانت على علم ومعرفة بما يجري على الارض وما يدبر له في جبال قنديل, وفي افضل الاحوال, علينا ان نقنع انفسنا وعن طيب خاطر, باعتبار الامر مجرد لامبالاة واهمال او تغاض غير مبرر وتقدير خاطئ.
لست على علم بخفايا صنع القرار السياسي في اقليم كردستان, ومن الصعوبة بمكان معرفة السر العظيم وراء تهاون هولير, ما الذي دفع بالاقليم للسكوت وغض النظر عن انتقال اتباع “ب ك ك” من قنديل الى مناطقنا عبر اراضيها, هل تعرضت لضغوط لاتحتمل من الجارة القوية ايران? هل فعلت ذلك بمحض ارادتها نتيجة لحسابات اخرى عصية على فهمنا ولا علم لنا بها? هل فعلت ذلك تماشيا مع سياستها المعلنة بعدم التدخل في شؤون اكراد دول الجوار? وهي سياسة واقعية كفيلة بتجنب الاقليم الكردي الوقوع في عداء غير مبرر مع دول الجوار, والتي هي بغنى عنه, لكن كيف يمكن لنا ان نفسر تدخل رئاسة اقليم كردستان لدى قوات التحالف لحضها على ضرب داعش في كوباني, وارسال قوات البشمركة عبر الاراضي التركية لمساندة قوات ال “ب ك ك”, الا يعتبر ذلك تدخلا في شأن اكراد دول الجوار?
تسلط انصار العمال الكردستاني وتفردهم بادارة المناطق الكردية في سورية, لاشك أنه غير في المعادلة السياسية على الساحة الكردستانية, كما ان سياسة الاحتواء التي اتبعتها حكومة الاقليم في التعامل مع اتباع اوجلان, اثبتت الايام انها خاطئة كليا وفاشلة لا جدوى منها, وقد فعلت فعلها في تقوية شوكة حزب العمال الكردستاني التركي, حتى وصل بهم الامر لتشكيل قوات حماية شنكال “ي ب ش” في الاراضي التابعة للاقليم نفسه. في المقابل, نجد العمال الكردستاني على العكس تماما, يتدخل بمناسبة ومن دونها في شؤون غيره من الكرد, بطريقة صلفة وصفاقة متناهية, ودائما تحت عنوان العداء المطلق للسياسة القومية التي تنتهجها حكومة اقليم كردستان, والتصريحات الاخيرة التي اطلقها العضو البارز في العمال الكردستاني دوران كالكان, بضرورة تقسيم الاقليم الكردي الى مناطق وكانتونات, تعتبر خطوة خطرة للغاية وتدخلا سافرا في شؤون الغير, لكن ما نقل مؤخرا عن الزعيم الاوحد لحزب العمال الكردستاني عبد الله اوجلان من تصريحات, يمكن وصفها بالاخطر على الاطلاق, حيث يدعو هذا الاخير اتباعه لوقف الحرب مع الحكومة التركية والابقاء على سلاحهم في نفس الوقت, هذه الدعوة لا يمكن تفسيرها الا على هذا النحو : التوقف عن محاربة تركيا والتوجه بدل ذلك لفتح جبهات صراع ضد الكرد في كل مكان, تحت حجة استمرار (النضال) في باقي اجزاء كردستان.
“تهاونكم بترك مناطقنا تخضع لسيطرة “ب ك ك”, خطأ فادح لن تكونوا بمنأى عن آثاره”, هذا ما قلته حرفيا لصديقي المتنفذ والقريب جداً من مراكز القرار في اقليم كردستان قبل اكثر من ثلاث سنوات, وها هي اولى شرارات نيران ال “ب ك ك” تظهر في سماء هولير, فهذا الحزب غير قابل للاحتواء, وامواجه عاصفة لايمكن توقعها, ورياحه تهب من كل حدب وصوب, ودائما عكس ما تشتهيه السفينة الكردية.
d.mehma@hotmail.com 
كاتب كردي سوري

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف من الخطة إلى الخيبة لا تزال ذاكرة الطفولة تحمل أصداء تلك العبارات الساخرة التي كان يطلقها بعض رجال القرية التي ولدت فيها، “تل أفندي”، عندما سمعت لأول مرة، في مجالسهم الحميمة، عن “الخطة الخمسية”. كنت حينها ابن العاشرة أو الحادية عشرة، وكانوا يتهكمون قائلين: “عيش يا كديش!”، في إشارة إلى عبثية الوعود الحكومية. بعد سنوات قليلة،…

سمير عطا الله ظهر عميد الكوميديا السورية دريد لحام في رسالة يعتذر فيها بإباء عن مسايرته للحكم السابق. كذلك فعل فنانون آخرون. وسارع عدد من النقاد إلى السخرية من «تكويع» الفنانين والنيل من كراماتهم. وفي ذلك ظلم كبير. ساعة نعرض برنامج عن صيدنايا وفرع فلسطين، وساعة نتهم الفنانين والكتّاب بالجبن و«التكويع»، أي التنكّر للماضي. فنانو سوريا مثل فناني الاتحاد السوفياتي،…

بوتان زيباري في صباح تملؤه رائحة البارود وصرخات الأرض المنهكة، تلتقي خيوط السياسة بنسيج الأزمات التي لا تنتهي، بينما تتسلل أيادٍ خفية تعبث بمصائر الشعوب خلف ستار كثيف من البيانات الأممية. يطل جير بيدرسن، المبعوث الأممي إلى سوريا، من نافذة التصريحات، يكرر ذات التحذيرات التي أصبحت أشبه بأصداء تتلاشى في صحراء متعطشة للسلام. كأن مهمته باتت مجرد تسجيل نقاط…

صلاح بدرالدين نحن في حراك ” بزاف ” أصحاب مشروع سياسي قومي ووطني في غاية الوضوح طرحناه للمناقشة منذ اكثر من تسعة أعوام ، وبناء على مخرجات اكثر من تسعين اجتماع للجان تنسيق الحراك، وأربعة لقاءات تشاورية افتراضية واسعة ، ومئات الاتصالات الفردية مع أصحاب الشأن ، تم تعديل المشروع لمرات أربعة ، وتقويم الوسائل ، والمبادرات نحو الأفضل ،…