تجربة الكانتونات الخالية من السكّان

عبدالباسط سيدا   

 الكثيرون ممن حصلوا
عبر السنين – كرداً وعرباً وسرياناً وغيرهم- على حق اللجوء السياسي في البلدان
الأوربية من مناطقنا، فبركوا قصصاً لإقناع الأوربيين بمنحهم هذا الحق، في حين أن
المستحقين بقوا في الوطن، نتيجة ظروفهم المادية الصعبة، وعدم قدرتهم على تأمين
نفقات السفر، أو عدم امتلاكهم لوثائق السفر.
ولكن المشكلة أن القسم الأكبر من هؤلاء
صدّق روايته التي اختلقها بنفسه، أو بمعونة أصدقائه، وذلك لكثرة التكرار، والرغبة
في اعطاء نفسه شيئاً من الأهمية، وتسويغ تركه للوطن. حتى أن بعضهم قد دخل قصته إذا
صح التعبير، وبدأ يتقمص الدور الإفتراضي بحذافيره.
ما ذكّرنا بهذا الأمر
هو موضوع الكانتونات التي اختلقتها سلطات الـ ب. ي. د. – سلطات الأمر الواقع- في
كل من الجزيرة وكوباني وعفرين كوسيلة لضبط الأمور والتحكّم فيها- بالتنسيق الكامل
مع النظام- وخلق فئة من المنتفعين مادياً أو حتى معنوياً من خلال مواقع مزعومة،
وألقاب وهمية لا قيمة واقعية لها (وزير- رئيس المجلس….- قائد الأسايش، وقائد
قوات…الخ) لربطهم أدوات منفذة بمشروعهم، وصوروا لأنفسهم أولاً، وللناس البسطاء
من المغلوبين على أمرهم ثانياً بأنهم قد أوجدوا كانتونات تضاهي كانتونات سويسرا
ماشاء الله، بل اكثر حداثة وديمقراطية منها. والأمر اللافت هذه الأيام أن هؤلاء
يحاولون تسويق الأكذوبة التي صنعوها إلى العالم، وكأنها انجاز تاريخي مقدس غير
مسبوق.
 وهكذا حتى وصل بهم الأمر إلى الترويج لفكرة
زائفة فحواها أنه إذا زار صحفي أو سياسي أوربي لغاية تخصّه، مدينة من مدن الجزيرة أو كوباني أو عفرين، وذلك للاطلاع على
واقع الأمور، فإن ذلك معناه “اعتراف أوربي”، بل “اعتراف
دولي-كوني” بالتجربة الفريدة المثالية للكانتونات الخالية من السكّان. إنها
التجربة ذاتها التي عانى منها الناس في البانيا أنور خوجه، وكمبوديا بول بوت
وكوريا الشمالية راهناً ومستقبلاً، ولكن تجربتنا لها نكهة خاصة من جهة بدائيتها المفرطة، وتمازجها مع النزعة الطائفية المذهبية خاصة بعد
وصول المدربين الإيرانيين إلى المنطقة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبداللطيف محمدأمين موسى إن جملة المستجدات المتسارعة على صعيد الحرب الإسرائيلية وحزب الله والمليشيات وكالة عن إيران ولاسيما اتفاق وقف اطلاق النار في الجنوب اللبناني يضع المتتبع للتطورات السياسية والاستراتيجية في المنطقة امام جملة من التساؤلات من أهمها مدى السقف الزمني الممنوح لنتنياهو في تغير الشرق الأوسط, وعن الدور الإيراني في التوصل لهذا الاتفاق, وعن مدى توافر الظروف لصمود هذا…

سعيد عابد* في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني ألقى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي خطاباً أمام مجلس الخبراء، مؤكداً على الدور الحاسم الذي تلعبه هذه الهيئة في اختيار “المرشد المقبل”. وأعرب عن شكره لاستعدادهم، وحثهم على اليقظة في أداء هذا الواجب الذي وصفه بأنه ضروري لضمان استمرارية النظام ومنع انحرافه. ويعتبر المجلس، الذي أنشأه مؤسس النظام روح الله الخميني،…

صدرت للكاتب والباحث د. محمود عباس مؤخراً ثلاثة كتب جديدة، وبطباعة فاخرة، ضمن سلسلة مخطوطاته التي تتجاوز الأربعين كتابًا، متناولةً القضايا الكوردية من مختلف جوانبها: النضال السياسي، والمواجهة مع الإرهاب، والتمسك بالهوية الثقافية. تُعدّ هذه الإصدارات شهادة حيّة على مسيرة د. عباس، الذي يكتب منذ أكثر من ربع قرن بشكل شبه يومي، بثلاث لغات: العربية، الكردية، والإنجليزية. إصدارات الدكتور محمود…

اكرم حسين تستند الشعبوية في خطابها على المشاعر والعواطف الجماهيرية، بدلًا من العقلانية والتخطيط، حيث أصبحت ظاهرة منتشرة في الحالة الكردية السورية، وتتجلى في الخطاب السياسي الذي يفضل دغدغة المشاعر الجماهيرية واستخدام شعارات براقة، ووعود كاذبة بتحقيق طموحات غير واقعية، بدلاً من تقديم برامج عملية لحل المشكلات المستعصية التي تعاني منها المناطق الكردية. إن تفاقم الاوضاع الاقتصادية وانتشار الفقروالبطالة، يدفع…