لمصلحة من نزع سلاح حزب العمال الكردستاني ؟

محمد امين فرحو

التاريخ يعيد نفسه إلى ما
يقارب القرن ، إذ إستطاع آتاتورك أن يرجح كفة الميزان لصالح دولته وأفكاره
العلمانية، والتي لم تكن إلا لعبة دوبلوماسية ذكية لكسب موقف قوى التحالف حينها إلى
جانبه تجاه القضايا الخارجية والداخلية، استطاع بها أن يقضي على خصومه ومنهم الكرد،
وأن يؤسس دولته تركيا من أنقاض الدولة العثمانية، وعدل كل الاتفاقيات دولياً
وإقليمياً وداخلياً، وبالأخص اتفاقية لوزان التي قضت على كل أمل للكرد حينها، كما
استطاع أتاتورك صبغ ثورة الشيخ سعيد بالصبغة الدينية ليزيد من تأييد الدول وخاصة
المملكة البريطانية، لتكون له اليد الطولى من بعدها في قمع الثورات المتتالية للكرد
دون اي رادع دولي او حتى رادع إنساني.
لعل ما يحصل الأن وجهان لعملة واحدة، ولكن بصيغة أخرى مغايرة لما كانت عليه في ذلك
العهد، فالإسلام المعتدل الذي تتغنى به الحكومة التركية الأردوغانية ما هي إلاتلك
الدوبلوماسية المبنية على الإرث العثماني الذي لم تتواني يوماً عن قمع الكرد ،هذه
الدوبلوماسية النشطة التي نقلت تركيا من شرطي المنطقة الى لاعب أساسي تمكن فيها لعب
الدور الرئيسي إن أمكننا القول  بعد عدة مسرحيات قام بها ضد إسرائيل، وإستطاع فيها
كسب رأي العالم العربي والإسلامي الي جانبه.
لكن المعضلة الداخلية
الأساسية كانت القضية الكردية التي لعب العثمانيون الجدد بها وكسبو دورتين
متتاليتين من الحكم بالعديد  من أصوات الكرد ،بل حتى أن المرشح الكردي صلاح الدين
ديمترناش لم يستطع كسب 10%من أصوات الناخبين لخوض عملية الإنتخابات الرئاسية ،وهذه
إن دلت على شيء، فأنما تعني أن الكرد في هذا الجزء لم يأخذو العبر من تاريخ هذه
الامبراطورية بالرغم من  الفارق الزمني الطويل . 
حزب العمال الكردستاني
الذي أعلن الكفاح المسلح في 1984 وإستفاد من الظروف الدولية للحرب الباردة
،وجند ألاف الشباب الكرد ضمن تشكيلاته ليصبح القوة الضارية الأساسية في مواجهة
السياسات التركية تجاه القضية الكردية في كردستان تركيا، وقدم اْلاف الشهداء خلال
مسيرته الكفاحية التى إستمرت قرابة ثلاثين عاماً كلفت الدولة التركية الكثير سواءاً
على الصعيد السياسي والاقتصادي او الدولي وخاصة في ما يخص موضوع الإتحاد الآوربي.
وبعد إعتقال زعيمه عبدالله اوجلان ،وفي اول تصريح له آخى بين التركي والكردي وليس
هذا مناف للروح الانسانية والسياسية ولكن أن تصبح هذه الاخوة الشماعة للهروب من
المبادئ والإستحقاقات مسأة تحتاج للكثيرمن الدراسة والنقاش.
لن يقف
أحداً عائقاً في مواجهة العنف ،أو ضد مفهوم المهادنة ،ولكن أن يكون على حساب
طرف دون الآخر فستكون لها عواقب وخيمة على الطرف الذي يكون خاسراً لامحالة
.
الى أين يسير حزب العمال الكردستاني بسياساته المرتبطة بشخص أصبح
يدفعه الى سياسات الامة الديمقراطية ومفهوم المدينة الفاضلة وفناء الدولة
التى حتى منظروها لم يعدّو يؤامنون بها؟، وأين نحن الكرد من مفهوم زوال الدولة في
المفهوم الماركسي اللينيني وتحقيق المساواة بالرغم من مفهومها النظري النرجسي في
منطقة تفتقر إلى أبسط مبادئ الديمقراطية ،وما زالت الطائفية والمذهبية تنهش جسدها
؟كيف ستحقق الديمقراطية من فقدان طرف من أطراف المعادلة كل مقوماته كتكوين وقومية
؟!
هل انسحاب الكريلا(Gerila) وطردهم
من وطنهم الى الأجزاء الاخرى هو من صلب ، ومتطلبات الأمة الديمقراطية
وتحقيق للأهداف التي سيّلت الدماء من أجلها؟ 
إعلان التخلي عن السلاح لا
يأتي إلا بعد مبادرات حسن النية من الطرفين، وخاصة من الطرف الأخر الممسك
بزمام الأمور وحتى الأن يعلن اردوغان في كل تصريحاته عن ارهاببة حزب العمال
الكردستاني ، وأنه لا وجود لقضية كردية في كردستان تركيا . 
لا شك أن
التصريحات هذه لا تحوي في جنباتها اي مبادرة لحسن نية باستثناء محاولته كسب
الرأي الكردي في الانتخابات التي باتت على الأبواب، ولن تكون إلا سياسات
مرحلية, لكن الخاسر الوحيد ستكون القضية الكردية ،وزيادة حدة التناقضات في فكر حزب
العمال الكردستاني، وزيادة التناحر والتناقض والخلاف بين قياداته ،وبالتأكيد فأن
المبادرة هذه لن ترى النور لعدم وجود توازن بين الطرفين .
كان من الآولى
ان تعلن حكومة اردوغان العفو العام، ودون شروط ، وتباشر بتعديلات دستورية
جوهرية تخص روح المبادرة، وتشكيل لجنة دائمة لعملية السلام من مختصين لتمهد الى
حكومة انتقالية وطرح دستور وأجراء استفتاء عام عليه في المنطقة الكردية
اولاً.
لن تكون هذه المبادرة التي اطلقها زعيم حزب العمال الكردستاني إلا شعرة
معاوية التي لن تكون مرنة بل ستكون مشدودة، وتنقطع في اي لحظة وستحول المبادرة الى
خسارة للقضية بشكل عام وللحزب العمال الكردستاني بشكل عام .
وهنا تستذكرني رحلتي
الطويلة من أجل الحرية ل نلسون مانديلا الذي ابى ان يتخلى حزب المؤتمر الوطني عن
الكفاح المسلح وعن منظمتها (أمكا) إلا بعد مبادرات جدية من الحكومة الوطنية لجنوب
أفريقيا والعفو العام ،وعودة المنفيين وتشكيل حكومة انتقالية وصياغة دستور جديد
يتناسب وجنوب افريقيا شكلاً ومضموناً.
التاريخ مليء بالتجارب ولكن الأهم هو
اختيار الأحداث والتجارب التي تناسب المرحلة وتضع النقاط على الحروف وتكون للكلمة
والفعل تفاعل ايجابي وليس سلبي .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…