تركيا مرة أخرى

بقلم : خالد كمال أحمد

مرة أخرى نعود إلى التهديدات التركية الموجهة إلى كردستان العراق ، هذه التهديدات الصادرة من قيادة الدولة التركية المدنية (ظاهريا) والعسكرية (حقيقياً) ، فالذي قيل وصرح به لم يكن سوى جزء من نغمة اعتدنا نحن الكورد على سماعها من المسؤولين الأتراك وللحقيقة وبعد كل هذه السنين من العلمانية الكاذبة المبنية بشكل أساسي على سطوة عنصر بشري واحد هو في حقيقة التركيبة الاثنية في تركيا يعتبر أقلية فالترك كقومية إن افصح الغالبية من مواطني الدولة التركية الحالية عن أصولهم الحقيقية سوف يعدون أقلية
وقد استطاعت هذه الأقلية القيام وبشتى الوسائل بتتريك بقية القوميات الموجودة في حدود ما يسمى الجمهورية التركية ، وطبعاً باستثناء الكورد بالرغم من كل المحاولات وبشتى الوسائل وطوال العشرات من السنين ، فإن الشعب الكردي الواقع قسراً في حدود الجمهورية التركية الحالية حافظ على كونه أمة مختلفة تاريخياً وعرقياً ، ولكن وبعد كل هذه السنين من إعلان الجمهورية ذات الصبغة العلمانية حسب منشأها كمال أتاتورك ، لم تستطع العقلية العنصرية التركية التخلص من كون أن الكورد ليسوا تركاً ويبدو أنه على أوروبا المنادية بحقوق الشعوب والاقليات أن يكون الشرط الأساسي للسماح بدخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي هو التخلص من هذه العقلية ولا يأتي ذلك من خلال تغيير بعض القوانين بل بوضع خطة أولها تغيير المناهج المدرسية من خلال الشرح الوافي للجيل الصغير من أبناء الترك بأن هناك قومية تعدادها العشرات من الملايين تعيش ضمن حدود هذه الدولة وهي ليست تركية بل كردية عميقة الجذور متواجدة على أرضها التاريخية ، وتجربة يوغوسلافيا السابقة ماثلة للعيان ونتائجها لم تنتهي بعد وهي لم تستطع أن تطرق أبواب أوروبا إلا بعد احترام خيارات الشعوب التي كانت تتألف منها تلك الدولة.


إن الردود الانفعالية للساسة الترك من مدنيين وعسكريين على الأجوبة التي صدرت من السيد الرئيس مسعود البارزاني في المقابلة التلفزيونية عبر قناة العربية مع الإعلامي الحقيقي إيلي نكوزي، توضح بشكل لا لبس فيه بأن العقلية العنصرية المبنية على الطورانية التركية هي السائدة في النظام الحاكم مهما أختلف شكله ظاهرياً مدنياً كان  أو عسكري ، فتركيا تسمح لنفسها بالتدخل في كردستان العراق بحجة حماية التركمان في كركوك وكذلك في بقية مناطق تواجدهم في كردستان والتي أثبت الاستفتاء على الدستور والانتخابات البرلمانية أن غالبيتهم الساحقة اعتبرو أنفسهم جزء من المجتمع الكوردستاني وصوتوا للقائمة الكردستانية فقد وجدوها ممثلة حقيقية لهم وحتى بالنسبة للذين وجدوا ممثليهم في قوائم أخرى ففي النهاية هم مواطنون عراقيون  ، ضَمن الدستور الحالي حقوقهم كأقلية وبالتالي تنتفي الحجة التركية وهي حجة للهروب من استحقاقاتها الداخلية المتمثلة في عقلية النظام الحاكم وبين الواقع الذي لم يعد خافياً على أحد والذي لا يمكن أبداً تجاهله وهي المشكلة الكردية في تركيا ويبدو أن أردوغان الذي جاء واعداً مواطني الجمهورية بعصرنة القوانين والتخلص من ما يعيق الدخول في عضوية الاتحاد الأوروبي لم يستطع أن يتخلص من موروثه العنصري القديم فهو يلجأ إليه كلما أقترب من أي استحقاق انتخابي وهو يريد أن يعوض ما سوف يخسره من أصوات نالها في السابق من أبناء كردستان تركيا وذلك نتيجة لمعاداته الصريحة للتجربة الكردستانية في العراق ، هذه التجربة التي ينظر إليها الشعب الكردي في كل مكان ، أملاً ونور خلاص تحقق في عتمة الظلم التاريخي الطويل ؛ ومن جانب أخر فقد تعالت أصوات الكثيرين من أعضاء حزبه من أصول كردية ومن حزب المعارضة الوحيد في البرلمان (حزب دنيز بايكال) مطالبين بتغيير سياسة أحزابهم تجاه كردستان العراق لا بل تَرَك الكثيرون منهم صفوف هذه الأحزاب وهذا ما كنا ننتظره منهم ومن البقية الباقية من الكورد في تلك الأحزاب ، فهم مطالبون قبل غيرهم بتحديد موقف لهم فإما الانصياع وراء مصالحهم الذاتية وإما الرجوع والوقوف إلى جانب قضية شعبهم العادلة وقد أثبتت تجربة العشرات من السنين أنه لا يمكن لأي حزب أن ينصف الكورد في تركيا ومبدأه الأول هو سيادة القومية التركية على جميع مواطني الجمهورية وعدم الاعتراف بغير تلك القومية، وهنا إننا لا ندعو إلى الانضواء تحت لواء التطرف حتى لو كان كردياً بل التعاون والتكاتف وإفساح المجال لبروز الخط الكردي المعتدل في خطابه والثابت على مواقفه والمستفيد من الواقع العالمي الجديد وظروف القضية الكردية المتطورة ، وهذا ما يحتاجه الشعب الكردي في كردستان تركيا ففي هذه الأيام لا يمكن حل المشكلة الكردية في تركيا عن طريق ممارسة القتال أو العنف وبنفس الوقت لا يمكن حلها بالتخلي عن المطالب الحقيقية للشعب الكردي .

إن مقابلته التلفزيونية تلك والتي كرر فيها السيد الرئيس مسعود البارزاني مواقفه السابقة والثابتة كشموخ جبال كردستان هي تعبير واضح عن ما يختلج صدر كل كردي معتز بكرديته المبنية على احترام خصوصية الآخرين شرط احترام خصوصيته ، وكذلك الدفاع عن النفس في وجه المعتدين .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…